قرأ لكبار الكتاب منذ صغره، وحلم أن يكون واحدا منهم في مقبلات أيامه وكان له ذلك، فكتاباته تجاوزت حدود الوطن.

إنه الروائي "فاضل السباعي" الذي امتلك أسلوبا خاصا في الكتابة؛ تحدث عنه الكاتب الدكتور "جميل الحمو" صحفي وكاتب قائلاً: «لو أردنا أن نتكلم عن الروائي "فاضل السباعي" فالأمر يحتاج لمجلدات، لقد قرأت للسباعي الكثير، هو يمتلك أسلوبا مميزا جداً، هو يكتب الأدب من أجل الأدب فقط وليس احترفاً، مازلت أرى الأديب "فاضل السباعي" بعدما تجاوز الثمانين من العمر هاويا؛ حين يبدأ بالكتابة يخلق حالة إبداع مميزة لدى أي كاتب، وعلى المستوى الشخصي تشرفت بأن قدم لي أحد كتبي "الملك يا قرد الزمان"».

خذ هذه الناي وأعزف في جوانبها / لحنا حزينا فما يشجيك يشجيني

الفنانة التشكيلية "خلود السباعي" تحدثت عن "فاضل السباعي" الوالد والأديب بالقول: «والدي يتمتع بإنسانية عالية واحترام وحب للطفولة وإتقان للعمل وإخلاص له، ثقافته واسعة فهي كبستان ينبت فيه كل أنواع الزهور، وأستطيع أن أحصل منه على جواب لكل سؤال يحضرني، هو مجتهد، متواضع كان يأخذ رأينا ونحن أطفال في كتاباته.

الروائي "فاضل السباعي" مع ابنته خلود السباعي

وأذكر أنني قرأت روايته "نساء صغيرات" وأنا في الصف السابع؛ وقتها أغراني بمبلغ مالي صغير لقراءتها ولكني عندما بدأت القراءة استمتعت كثيرا وأذكر أنني فهمتها رغم صغر سني.

أحببت رواية "ثم أزهر الحزن" ومن شدة تأثري بها رسمت لوحة وسميتها بذات الاسم، بشكل عام تجذبني عناوين قصصه، كما تعلمت منه أن أكون صاحبة مبدأ، وهو رجل مرح عنده روح النكتة وربما العزلة التي يعيشها ساعدته على حالات الإبداع».

الأديب جميل الحمو

بينما تحدث الأديب الدكتور "سمر روحي الفيصل" عن الروائي بالقول: «هو آخر كتاب الأساليب»، أما المستشرق "فيليب سايار" الذي قدم أطروحة عن كتاب لفاضل السباعي بعنوان "آه يا وطن" باللغة الإنكليزية فقد تحدث عن أسلوبه في الكتابة بالقول: «جمل "فاضل السباعي" لا يوجد فيها ترهل، فكره صاف، يكتب الجملة دون أن يحذف أو يضيف عليها شيئاً».

"eAleppo" زار الروائي الأديب "فاضل السباعي" بمنزله الكائن في حي "نوري باشا" في "دمشق"، "السباعي" بدأ حديثه بالقول: «نشأت في حي شعبي في "حلب" يسمى "ما وراء الجامع" وفي حارة يطلق عليها "زقاق الزهراوي"، وفي هذا السوق الذي كان أبي يعمل فيه نهاره ويصحبني لمساعدته، عايشت البسطاء والفقراء فأحببتهم ومنهم بدأت باستيحاء بواكيري القصصية والروائية- وما أزال-؛ فجاء أدبي معطراً بالروح الشعبية.

خلال اللقاء

بدأت القراءة في سن المراهقة، فكنت أطالع المجلات قبل أن أتحول إلى قراءة الكتب وخاصة لكبار كتاب العالم العربي- والحقيقة أنني كنت أحلم أن أكون واحدا منهم في مقبلات أيامي-، وبعدها بدأت بنظم الشعر وكتابة بعض القصص، لقد كتبت مبكرا وكنت أنشر ما أكتبه في مجلة مدرسية اسمها "الشمس" كانت تصدرها مدرسة "الملك فيصل" التي منها حصلت على الابتدائية.

وقد سولت لي نفسي وأنا في المرحلة الاعدادية أن أفكر في إصدار مجلة، وحققت حلمي وأنا في المرحلة الثانوية؛ يوم أخذ مدير المدرسة الأستاذ "عمر يحيى" باقتراحي بأن تمول الإدارة إصدار مجلة سميناها "صوت الطالب"، كان الشاعر" سليمان العيسى" مشرفا عليها أصدرنا منها ثلاثة أعداد كان أولها في كانون الثاني /1950/».

«خذ هذه الناي وأعزف في جوانبها / لحنا حزينا فما يشجيك يشجيني» كان من أول الأبيات التي نظمها "السباعي" عندما كان ما يزال طالباً في المرحلة الاعدادية، وعن بداياته في اقتحام بحور الأدب تحدث "السباعي": «أود الاعتراف بأنني اقتحمت في عهد الشباب الأول كتابة الرواية مرتين؛ الأولى وأنا في المرحلة الإعدادية، والثانية في المرحلة الثانوية، أسهبت في المحاولة الأولى حتى أحسست بالضياع فتوقفت، وتأنيت في الثانية وتأنقت في اللغة حتى مللت فتوقفت.

وفي المرحلة الجامعية كتبت كثيرا من القصص القصيرة، ولكني ظللت أرنو بعيني إلى الرواية وكانت أول قصصي الطويلة "ناديا، ضيف من الشرق، ثم أزهر الحزن، رياح كانون"».

للحب مكانة كبيرة عند "السباعي" فقد نالها من عدة مصادر، تحدث عنها بالقول: «علاقتي مع الحب متبادلة، فأنا من جهة محب ومن أخرى محبوب، أحببت الأم والأهل والإخوة والأخوات والزوجة والأبناء والأحفاد، أحببت الناس وتألمت للطفل والمرأة، وعبرت عن تعاطفي مع كل هؤلاء في أدبي بما ملكته من قدرة على التعبير.

يسكنني القلق تلقاء الإبداع في بحثي عن الفكرة المضيئة، وفي التقاطها لحظة تشرق في الخاطر احتضنها أحنو عليها كي تتفتق عملاً صغيراً أو كبيراً، وبعد إنجاز هذا العمل أدعه جانبا مدة لأعود إليه وقد تحررت من اللحظة النفسية التي رأى النور في ظلها؛ فأقرأه بعين أخرى.

أحب الناس ولا أتردد في مساعدتهم بعيدا عن التعالي ومن يقترب مني يجدني أكثر ألفة، أحب الاحتفاظ بأوراقي القديمة، عندي عشرات المصنفات التي تضم الرسائل المتبادلة بيني وبين الأدباء والمجلات والناشرين والأصدقاء والأهل وما تلقيته منهم، ومسودات ما كتبته إليهم على مدى خمسين عاما، أحتفظ بدفاتر يومية أدون فيها بإيجاز بالغ وقائع يومي تكون لي عونا على التذكر يوم أتفرغ لكتابة سيرة حياتي وقد شرعت في ذلك.

عندي رواية أكتبها عني "سيرة حياتي" إضافة لقصص مترجمة عن الفرنسية وقصص للأطفال ومجموعة قصصية بعنوان "نساء في ضوء القمر"، ولكن في الحقيقة أخاف ألا يسعفني الوقت بإنجاز ما أصبو إليه».

وعن شعوره وهو يقرأ ترجمة أعماله للغات عالمية يقول "السباعي": «لاشك إنه لسرور عظيم، فإنه من الممتع أن تعلم أن ما تخطه يدك يذاع بين الناس وليس بين أبناء قومك وحسب.

أقول أنا لست كاتبا عالميا ولكنني أكتب أدباً عالمياً- تجاوزت به حدود سورية إلى العالم- بدليل أنه يترجم ورغم هذا أنا لم آخذ حقي في المجتمع السوري من الناحية الأدبية والثقافية».

يذكر أن الروائي الأديب "فاضل السباعي" هو من مواليد حلب /1929/ يحمل إجازة في الحقوق من القاهرة عمل محامياً في /حلب/ ومدرسا في ثانوياتها ثم عمل موظفا في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والمكتب المركزي للإحصاء، ومديرا للشؤون الثقافية بجامعة دمشق، طلب إحالته على التقاعد 1982.

ألف أكثر من /35/ كتاباً، وترجمت كتاباته إلى العديد من اللغات "الفرنسية والإنكليزية والروسية والألمانية"، وهو عضو مؤسس باتحاد الكتاب العرب، ومقرر جمعية الرواية والقصة في الاتحاد لعدد من السنوات.