يعد الأديب "حسن النيفي" من الأدباء الذين استطاعوا أن يجعلوا من الثقافة المحرض الأساسي لتنمية الموهبة، وذلك لإيمانه العميق بأنَ الثقافة ركن أساسي من أركان الأدب..، بإمكانك أن تسميه شاعرا، ناقدا، أو مثقفا ولكن الأصح أن تجمع فيه كل هذه الصفات، لأنه استطاع أن يملك أدوات هذه الصفات مجتمعة، فبرع في الشعر والنقد، ودائما ما ترى نقده محبباً مستساغا من قبل الجميع وببساطة لأنه أتقن هذا الفن الذي يعتبره موهبة وثقافة..

لن نتكلم أكثر عن هذا الأديب لنترك ذلك للقارئ من خلال الحوار الذي أجراه موقع eSyria مع الشاعر والناقد "حسن النيفي"، بتاريخ (29/3/2009)م، ومفتاح الحوار كان:

المطلع بالنسبة لي هو مفتاح هذه القصيدة وهنا تكمن خصوصيته، أنا أهتم كثيرا بمطالع قصائدي لأن التوهج الشعري أو اللحظة الشعرية تكون بأقصى تجلياتها، فإذا كانت البداية قوية ستجذب القارئ إلى باقي القصيدة..

  • لماذا "حسن النيفي" يكتب الشعر؟
  • في مكتبه

    **«ربما من الصعب جدا الإجابة على هذا السؤال بطريقةِ منهجية أو علمية لأن الشعر بالأساس هو موهبة من الله، هذه الموهبة أحسستُ بها وأنا بالمرحلة الإعدادية، ثم في المرحلة الثانوية بدأت أتعلم العروض والقافية، والأهم من ذلك أنني كنت أقبلُ وبشغف على قراءة الشعر قديمه وحديثه، وقراءتي هذه هي من نمّا عندي الملكات العروضية والموسيقية.

    أجد في الشعر بالإضافة إلى المتعة متنفسا، ربما يعني أني عندما لا أكتب أشعر أن شيئا ما ينوء في داخلي ويكاد يخنقني، وأقول لو أنني لم أكتب هذه القصيدة لأصبت بفاجعة ما، وكأن القصيدة هي من ينتشلني من عالم الموت إلى عالم الحياة، والقصيدة بالنسبة لي نافذة أتخلص بها من الأزمات التي أحياها، وإذا كان الفيلسوف أو المفكر يستطيع التعبير عن ذاته من خلال كتاباته فإن الشاعر يعبر عن أفكاره بطريقة شعرية».

    *الشعراء يقولون دائما أنّ الشعر هو متنفس لهم، وأنت قلتَ هذا أيضا، هل هذه قاعدة عامة؟

    **«الحالة الشعرية أو الموهبة تترك حالة مرضية عند كل إنسان فنان، والشاعر منهم مصاب بمرض العصاب وهذا ما يؤكده علم النفس، وتأتي القصيدة كمخرج للشاعر من هذه الحالة، والشاعر الحقيقي حينما يضطرب لا مخرج له إلا القصيدة..».

    في إحدى المشاركات النقدية

    *هل الموهبة تكفي الإنسان ليكون شاعرا، أم هناك عوامل أخرى؟

    **«الموهبة وحدها لا تكفي، أستطيع القول أن الشعر يقوم على ثلاثة ركائز أولها الموهبة، ثانيها الثقافة، وثالثها المعاناة، الموهبة بدون الثقافة لا شيء، هي كالنبتة التي نزرعها ثم نتركها بلا عناية حتى تموت، الثقافة هي النسغ الذي تستمد الموهبة منه حياتها، ثم بعد ذلك تأتي المعاناة فالشاعر الذي لا يعاني لا يمكنه أن يكتب، فلن تستطيع أن تصف الحب ما لم يخالجك من الداخل، ولا أن تتحدث عن المظلومين إن لم تشعر بشعورهم، أي أنك لا تستطيع أن تكتب عن شيء لا تحسه إذا فلابد من المعاناة».

    *أقف قليلا عند المعاناة فأنت ترى أن كل شاعر لا بد أن يعاني، هناك شعراء صنفوا في عداد المرفهين ومنهم من كان أميرا فما هي معاناة هؤلاء؟

    **«بعض الذين لم يعانوا وهم استثناء يصفون تطلعاتهم وما هم يؤمنون به، وحتى هؤلاء الذي عاشوا حياة مرفهة لابد من أنهم عانوا، ومثال على ذلك الأمير "عبد الله الفيصل" فإنك تجد معاناته من عنوان الديوان وهو (من وحي الحرمان)، من يقرأ قصائده يجد فيها لوعات وحزن ما بعده حزن، فالفرح الحقيق هو فرح الداخل..».

    *ذكرتَ الثقافة كشرط أساسي لكتابة الشعر، هل تقصد بها التخصصية، أم الثقافة بشكل عام؟

    **«لا بد للأديب من امتلاك أدواته الفنية، امتلاك النحو وهذه بديهيات، لكن الثقافة شيء آخر، فالكاتب الذي لا يقرأ تبقى موهبته محدودة وأفقه ضئيل وخياله كسيح، الآن في عصرنا لم يعد هناك حواجز بين الأدب والعلوم الأخرى فأحدث النظريات الأدبية التي نراها الآن هي ذات جذور فلسفية اجتماعية، إذا فمن الصعب حصر الثقافة في مصدر أو اتجاه معين، والشاعر كلما كان عميق الثقافة كان أفقه أرحب».

    *بدايةٌ أي شيء دائما لها وضع خاص، وسؤالي عن البيت الأول في القصيدة، ما هو وضعه؟

    **«المطلع بالنسبة لي هو مفتاح هذه القصيدة وهنا تكمن خصوصيته، أنا أهتم كثيرا بمطالع قصائدي لأن التوهج الشعري أو اللحظة الشعرية تكون بأقصى تجلياتها، فإذا كانت البداية قوية ستجذب القارئ إلى باقي القصيدة..».

    *يكتب "حسن النيفي" في النقد، ما هي أدوات الناقد؟

    «مخطئ من يتصور أن النقد قدرة على الإنشاء فقط، النقد علم له أُسسه ومصطلحاته، وهو علم صعب جدا، أقول صعب لأن الناقد عليه أن يمتلك الكثير من المعارف، فالناقد قبل أن ينتج النقد عليه إتقان آليات التفكير، فالمنهجية مسألة ضرورية، بالإضافة إلى التحصيل الثقافي و الموهبة، والناقد العميق هو الذي يملك بصيرة حادة وقدرة هائلة على اختراق النصوص التي تواجهه، وأيضا قدرة عالية من الحساسية التي تمكنه من وضع يده على مواطن جمالية لا يدركها القارئ، وإلا ما الفرق بين الناقد وغير الناقد؟».

    *الكثير من يقول أن الشعر مشاعر وأحاسيس وأنت ذكرت هذا أيضا، والسؤال أنتم كنقاد ماذا تنقدون هل تنقدون هذه المشاعر؟

    ** «القصيدة هي في الأساس فكرة، وهذه الفكرة مجسدة جماليا، أي أن الشاعر يريد أن يقول شيئا ما لا يقوله بطريقة مباشرة وإنما بطريقة جمالية، والناقد يضع نفسه أمام السؤال التالي: ما هي الفكرة التي يتأسس عليها النص؟ والسؤال الذي يليه ملازم للأول وهو: هل استطاع الشاعر أن يعبر عن فكرته تعبيرا جماليا؟

    إذا استطاع ذلك نسمي نتاجه نتاجا أدبيا، وإن لم يستطع نقول أن الشاعر أخفق في التعبير عن فكرته».

    *أخيرا، ما هو جديد "حسن النيفي"؟

    **«أنا الآن في طور التحضير لطباعة مجموعة شعرية جديدة انتهيت منها مؤخراً وهي بعنوان "مرافئ الروح"، وأيضاً شارفتُ على الانتهاء من إعداد كتاب نقدي يضم عدة مقالات تتناول أعمال شعرية أطمح إلى إصداره قريباً..».

    بقي أن نذكر أن الشاعر "حسن النيفي" من مواليد "منبج" (1963) يحمل إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة "حلب" صدر له المجموعات الشعرية التالية: (هواجس وأشواق 1986، رماد السنين 2004.