ولد في مدينة "منبج" وعلى مقاعد مدارسها الابتدائية تعلم أول حروف العربية، ليكتب أول بيت شعر له من نسائمها وهو في مقاعد الثانوية، حيث يصف مدينته "منبج" قائلاً: «تنفست الشعر من نسماتها الندية وكم أسكرني ليل "منبج" وأدهشني وحرك مشاعري..».

هذا هو الشاعر "محمود الدالي" الذي التقينا به في موقع eSyria يوم الاثنين (2/3/2009)م في حوار عن تجربته الشعرية.. ولأن لكل طريق بداية، سألناه عن بداياته فأجاب:

لي بعض القصائد المطبوعة في كتاب (تنويعات منبجيّة في حضرة الفرات) وبعض قصائد الغزل في كتاب (المختار من أجمل قصائد الغزل والأشعار) للباحث "مختار فوزي النعال"، ولدي مخطوطان جاهزان الأول (رحيق الياسمين) والثاني (سيبقى النخيل). لم أطبع شعري لأنني مازلت أتخوف من تقديم العمل الأول الذي غالبا ما يكون سمة الشاعر إما أن يرفعه أو أن يضعه، ولذلك تجدني أتردد في الطباعة كما أن مشكلة التوزيع والنشر صعبة في زمن قل فيه القراء..

«ربما لا يستطيع الشاعر أن يحدد بداياته مع الشعر لأن ذلك إحساس يرتبط به ارتباطا وثيقا، إلا أنني أذكر أنني في الإعدادية كنت أكتب بعض الأبيات في وصف الطبيعة، أما دراستي للعروض في الصف العاشر فكان لها بالغ الأثر في تنمية موهبتي وصقلها، أي بمعنى آخر وضعت قلمي على الطريق الصحيح لكتابة الشعر، حتى أنني لا أزال أذكر أول بيت شعري موزون كتبته، كان في وصف الربيع وهو:

الشاعر محمود الدالي

يا فرحة القلب والخيرات قادمة / ما أجمل الأرض والأمطار تنهمر

وطبعا لا أنسى الدعم الكبير الذي كان يقدمه لي الأستاذ الفاضل "محمد منلا غزيل" حيث أنه كان يرفع من معنوياتنا ويوجهنا بنصحه بكل أبوية وإخلاص وصدق..».

الشاعر في إحدى أمسياته..

*الشعر موهبة، ولكن هل تكفي الموهبة فقط لصنع الشاعر؟، أم ثمة أشياء أخرى لا بد من أن ينتهجها الشاعر؟

** «لاشك أن الموهبة شيء أساسي ومهم لمسيرة الشاعر، إلا أنها تحتاج لرفدها بعاملين اثنين ألا وهما (الرواية والدراية) حتى تتوهج شعلة الموهبة، وأنا ركزت في بداياتي على المطالعة والقراءة باستمرار، وكان "أبو الطيب المتنبي" من أكثر الشعراء قربا إلى نفسي وكلما قرأته أكتشف أنني مازلت بحاجة إلى قراءته من جديد، وكذلك أشعار "أبو ريشة" و"محمود درويش" و"السيّاب" و"الجواهري"، وأخص بذكر الشعراء شعراء المهجر الذين كان لهم أثر كبير في نفسي، كما أن دراستي للنحو والصرف في الجامعة كانت نعم الأدوات في مسيرتي الشعرية..».

*هناك شعراء يتحدثون عن طقوس خاصة للكتابة أو ملهم دائم لهم، هل لـ "محمود الدالي" مثل هذه الطقوس؟

** «لا أبدا، أنا أتعامل مع الحالة الشعرية بشكل عفوي وأحس بألم لذيذ جداً عندما أعارك فكرة ما أو تعارك تلك حالة شعرية معينة، وأجد الخلوة ضرورية جداً للإبداع والمبدع معا، أما قصائدي فهي خجولة جدا تزورني على استحياء بوحدتي وخاصة في الليل فهي تؤنسني وأؤنسها، وأكتبها أحياناً وتكتبني غالباً، وعبّرت عن هذا الشعور في قصيدتي (رحلة في ملكوتها)، فقلت:

رحـلت على ألـف الضيـاء دمائــي / مسكـونة بهواجـس الشعـــراءِ

ونسجت من عطش الحروف عباءتي / ورويت من أهدابها خيلائي

سرب من الكـلمـات ينـفر في دمـي / متجمــلاً بعصــارة الحنـــــاءِ

لمّا سفحـت القـلب بين حروفـها / سكـرتْ حمـيّا الكـأس في أشلائي

*أين تجد نفسك، في الشعر العمودي أم شعر التفعيلة؟

** «بدأت بالعمودي، ومازلت أكتب على البحور الخليلية وإن بشكل مختلف في الإحساس واللغة، ولا بد أن أقف في هذه المواجهة مع نمط شعري دون آخر، لكن الشعر هو ما يبقى في وجدان الأمة سواء أكان عموديا أم تفعيلة أم نثرا. المهم أن يكون تعبيرا صادقا بصورة موحية أو مدهشة إذا أمكن ولذلك كتبت قصيدة التفعيلة منذ زمن ووجدت فيها متسعا وراحة للتعبير بشكل أدق عن إحساس متدفق..».

*ماذا عن طباعة أعمالك، لم لم يتم ذلك حتى الآن؟

** «لي بعض القصائد المطبوعة في كتاب (تنويعات منبجيّة في حضرة الفرات) وبعض قصائد الغزل في كتاب (المختار من أجمل قصائد الغزل والأشعار) للباحث "مختار فوزي النعال"، ولدي مخطوطان جاهزان الأول (رحيق الياسمين) والثاني (سيبقى النخيل).

لم أطبع شعري لأنني مازلت أتخوف من تقديم العمل الأول الذي غالبا ما يكون سمة الشاعر إما أن يرفعه أو أن يضعه، ولذلك تجدني أتردد في الطباعة كما أن مشكلة التوزيع والنشر صعبة في زمن قل فيه القراء..».

*من مدينة "منبج" انطلقتْ أول أبياتك..، فأين "منبج" في شعرك؟

**«منبج كانت تسكنني قبل أن أسكنها، شممت فيها عبق "البحتري" و"دوقلة" و"أبي ريشة"، وكلما كتبت قصيدة أجد "منبج" تختال بين أبياتها.. تطل من هذا البيت إلى تلك القافية بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى لكنها موجودة على أي حال، ففي إحدى قصائدي وهي بعنوان (الطيف والإيوان) والتي قدمتها لمهرجان الشعر الأول في "منبج" مهرجان "البحتري" سنة (1997)م، قلت:

ما بال منبج قد حلت ضفيرتها / وهزها من رقيق الصوت موالُ

أبـا عبـادة قُـم وانظـر مواكبنــا / تسـعى ويسبقـها شــوق وإقبــالُ

حيتكَ منبج يا عنــوان بهجتــها / جـاءت إليـكَ وفود الشعر تختالُ

ها قد أتينا وجنح الشـوق يحملنا / للشـعر نسـعى وللعشــاق أحوالُ

*كانت لك مشاركة في برنامج (أمير الشعراء) العام الماضي (2008)م، ما أهمية هذه المشاركة؟

«أنا أرى أنّ مشاركتي في هذا البرنامج الرائد نقطة تحول وعلامة فارقة في مسيرتي الشعرية، حيث التقيت بالكثير من شعراء الوطن من المحيط إلى الخليج وتبادلنا الأفكار والمناقشات وسمعت شعرهم وأسمعتهم شعري وسهرنا الليالي الطويلة تحت أفياء القوافي، كما أنني أول مرة أتقدم فيها إلى نقاد كبار في الأدب وسمعت نصائحهم وآراءهم في نصوصي الشعرية وبرأيي هذا البرنامج إنجاز عظيم لدولة "الإمارات العربية المتحدة"..».

*كلمة أخيرة لك فيها ما تشاء..

** «الشاعر هو لسان الزمان، وأزمة الإبداع الشعري ترتبط بالواقع العربي المعاصر، لأن الشاعر الحقيقي مسكون بواقع حتى في أحلامه الخاصة، وكما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (لن تترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين)، وأختم بهذه الأبيات:

بيدي زرعـت الشمع فوق أصابعي / حلمـا يعـزي وحشـة الظلماءِ

قنـديل أحـلامي وقــد أشعــلته / نـزف الضيــاء المشـتهي بإنـائــي

حلمي مـداءات الضيـاء وأحرفي / سفنـي وأطيـاف الرؤى مينـائي

سطّر أنا المشتاق بوحي رحلتي / سأطوف مثل الضوء في العلياءِ

بقي أن نذكر أن الشاعر "محمود الدالي" من مواليد مدينة "منبج" (1975)م، حصل على شهادة دار المعلمين سنة (1995)م، ثم تابع دراسته في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة "حلب" ونال الإجازة سنة(2000)م، يعمل مدرسا لمادة اللغة العربية في مدينة "منبج"، شارك في العديد من المهرجانات الشعرية المحلية والمنابر الثقافية يتابع أبحاثه الأدبية ودراساته في نمو الصورة الشعرية عند "محمود درويش" وخاصة في آخر مجموعاته الشعرية، وآخر مشاركاته كانت في برنامج "أمير الشعراء"..