لا يكاد يذكر الأدب في "دير الزور"، أو في وادي الفرات عموما إلا ويذكر معه الاسم الأبرز الذي أنجبته "دير الزور" وهو الشاعر "محمد الفراتي" الذي أثار جدلا كبيرا كشاعر وكمترجم وكرسام وكثوري قاد الجماهير في معارك ضد الانتداب الفرنسي.

كتب عن "الفراتي" في مؤلفات كثيرة تصل إلى مئات الكتب والدراسات ورسائل الدكتوراه والماجستير في الأدب، وتمت إقامة مهرجانات كثيرة تعاقب فيها المحللون والنقاد على تقديم قراءات جديدة سواء لشعره أو لفنه أو لسيرته الشخصية، ومن أبرز هذه القراءات ما قدمه الباحث "سراج جراد" أثناء "مهرجان الفراتي الثاني" الذي أقيم في مسقط رأس الشاعر "دير الزور"، حيث تناول محاور لم يتم تسليط الضوء عليها بشكل كاف في حياة الفراتي.

على الإطلاق، ففي كل يوم يطرأ جديد في دراسة حياة أي شاعر، والفراتي امتازت حياته بالتنوع الذي يثير الدهشة، فلا بد أن يكون هناك جديد دائما

eDair-alzor التقى الباحث الأستاذ "سراج جراد" وأجرى معه الحوار التالي حول رؤيته الجديدة لشاعر الفرات الكبير:

  • أظن أن السؤال الأول يجب أن يكون عن مدى اختلاف قراءتك للفراتي عن القراءات التي تم تقديمها حتى الآن، ما جديدك؟
  • **«عندما تبحث في ثنايا التاريخ عن معلومات حول الرجال العظماء والأدباء والباحثين، فإنك تُفاجأ كثيراً لما تصطدم به من ضحالة فيما يخصُّ هؤلاء العباقرة الأفذاذ من معلومات تتكلَّم عنهم وتخصهم وإنَّك في النهاية لن تجد إلا النـزر اليسير فيما يخصُّ كتاباتهم أو موروثهم العلمي الذي عُرفوا به، وربما عرف الكثيرون من أبناء الفرات، الأستاذ "محمد الفراتي" شاعراً من خلال قصائده المشهورة في الفرات الخالد وقلّما تجد أحداً من أبناء هذا الوادي إلا ويحفظ شيئاً من هذا الشِّعر، وفي هذه القراءة، لا أريد أن أتكلم عن الشاعر "الفراتي" بدراسة نقدية لشعره، أو حياته، فقد كتب عنه الكثيرون، ولكن أحبُّ أن أسلِّط الضوء على جوانب ربما تخفى على الكثيرين، لأنها جوانب لم تتم الكتابة عنها سابقا، فمثلا لم يتم التطرق سابقا إلى المخطوط المهم الذي تركه في علم الفلك، وعندما قمت بنشر هذا المخطوط في الصحافة لأول مرة، أحدث ذلك أثرا إيجابيا في طريقة فهمنا لهذا الرجل، فقام آخر بالتركيز على الإشارات الفلكية في شعره وهكذا، بحثت أيضا عن أثر "رباعيات الخيام" في حياة الفراتي وشعره، وهو الذي قام بترجمة شعرية متفوقة لهذه الرباعيات نظرا لإلمامه الكبير بالفارسية، كما قام بترجمة "سعدي الشيرازي" في كل من "البوستان" و"الكلستان"، كذلك سلطت الضوء على "الكوميديا السماوية" التي كتبها الفراتي على غرار "دانتي"، ولم تلق حقها من النقد، لإضافة إلى جوانب أخرى كثيرة في حياة هذا الرجل الفذ».

    * ماذا عن الفراتي الفلكي؟

    ** «في حوار نادر للفنان "فاتح المدرِّس" مع "الفراتي" نشر في جريدة الثورة يقول الأخير: «أصبحت لا أنظر إلى ظواهر الأمور، دون أن أتحرى الحقائق التي وضع نظامها الدقيق في هذا العالم، هذه هي نظرتي من ذلك الوقت، ما كنت أقتصر على ما أراه في هذه الكوكب، الذي يجهل جماله الساحر أكثر سكانه، هذا الكوكب، لا أعرف ولا يعرف كل من درس العوالم التي تحيط بنا، لا أعرف أجمل منه، ولا ألطف».

    الفراتي الشاعر كان إذن لا ينظر إلى الكون بطريقة شاعرية بل بطريقة رياضية تثبتها المخطوطات التي تركها، وأهمها "تفسير الآيات الكونية على أحدث نظريات علم الفلك" والذي نشره بشكل دوري في مجلة "التمدن الإسلامي" التي عرفت به على أنه عالم فلكي، ويذكر الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب في مقالة له عن الفراتي في مجلة "المعرفة" أنه كان مولعا ببناء المراصد الفلكية، وأنه قرأ له فصلا كاملا في وصف العدسات الموشورية والمحدبة، ويحاول الفراتي من خلال مخطوطه التوفيق بين النظريات الفلكية التي ظهرت في بدايات القرن العشرين وكان على اطلاع بها، وبين الآيات القرآنية التي تصف الكون، وهو يعتمد طرقاً رياضية بحتة في ذلك، مبتعدا عن التفسير الكلامي أو الفلسفي».

  • في إحدى الدراسات عن الفراتي، تطرقت إلى علاقته برباعيات الخيام، أين هي هذه الرباعيات ولماذا لم يتم طبعها؟
  • **«كلُّ ما وجدناه رباعيتان فقط ذكرت فيها ترجمة الفراتي بالإضافة إلى الأصل الفارسي، مقارنةً بترجمة الشَّاعر "أحمد رامي"، والشاعر "أحمد الصافي النجفي" ، و"الشاعر جميل صدقي الزهاوي"، والشاعر "الحيدري".

    ويقول السيد "عبد الحسين حائري" أمين مكتبة مجلس "شوراي ملي" في "طهران": «أما ما نراه في كتاب (روضة الورد) الأثر الجميل للأستاذ "محمد الفراتي" الشاعر المجيد للغة الفارسية والمترجم الفذ الذي ملأ أجواء إيران حيرة وإعجاباً وجعل شعب إيران، لا بل كل الناطقين بالفارسية، رهناً لخدمته القيِّمة، نعم إن ما نراه في هذه الترجمة بأسلوبها الجميل وشدة قربها واتصالها العميق بالأصل».

    وقد عمل "الفراتي" في وزارة الثقافة السورية مترجماً للغة الفارسيّة، ويبدو أن الفراتي شُغف بتراث الأدباء الفرس، شعرهم ونثرهم، حتى ترجم هذا الكمَّ الهائل من الأدب

    ويذكر الأستاذ "أحمد شوحان"، ما تركه الفراتي مُترجماً عن اللغة الفارسية:

    1 – وحي تبريز: قال عنه الأستاذ "الرحبي" في مقدمته للعواصف عام 1937 /م، هذا الجزء يشمل على الشِّعر الذي ترجمه عن الفارسيّة بعد أن توفرت له إجادتها، كما يشمل على قسم غير قليل مترجم عن الفرنسية.

    2 – ديوان غزليات، "بهارستان"، نصيحة العطّار: ذكرها الأستاذ "أدهم الجندي" في مجلة "العمران" عدد "دير الزور".

    3 – روضة الورد "كولستان" والبوستان: لـ"سعدي الشيرازي"، طبعة وزارة الثقافة في الستينيات.

    أما الوثيقة التي حصلنا عليها فهي مؤلَّفة من ورقتين ملتحمتين مع بعضهما، وهي من الورق نفسه الذي كتب فيه الفراتي مخطوطه السَّابق الذكر "تفسير الآيات الكونية" والخطُّ ذاته وعلى يمين الورقتين توقيع الفراتي وتاريخ تدوينها، وقد قارنا توقيع الفراتي ببعض توقيعاته التي كان يدونها أثناء إهدائه لمجموعاته الشِّعرية لأصدقائه فوجدناه مطابقاً تماماً، وقد ذكر الفراتي الرباعية الأولى في الصفحة الأولى بالفارسية، وقد ذكر الفراتي ترجمته للرباعيات في لقائه مع "فاتح المدرس" رداً على سؤال "أين تقف منك رباعيات الخيام" فأثنى على ترجمة "أحمد الصافي النجفي"، وانتقد ترجمة "أحمد رامي" لبعدها عن الأصل الفارسي».

  • هل نال الفراتي حقه من الدراسة؟
  • ** «على الإطلاق، ففي كل يوم يطرأ جديد في دراسة حياة أي شاعر، والفراتي امتازت حياته بالتنوع الذي يثير الدهشة، فلا بد أن يكون هناك جديد دائما».