نوقشت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب رسالة الماجستير التي تقدم بها أحمد دللو, وكانت بعنوان:«المدينة وأثرها في الشعر الجاهلي»..

وذلك بتاريخ 13/3/2008، وتألفت لجنة الحكم من السادة الدكاترة: الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الخشروم (مشرفا) والأستاذ الدكتور عبد الكريم يعقوب (عضوا) والأستاذ الدكتور فاروق اسليم (عضوًا)، وقد منح الباحث أحمد دللو درجة الماجستير بتقدير جيد جدا وعلامة قدرها 75%.

eAleppo تتمنى النجاح الدائم للشاب دللو وسألته أحمد عن سبب اختياره هذا البحث؟

أجاب ما دفعني إلى اختيار هذا البحث أنّ دارسي العصر الجاهلي يقرّون بوجود ممالك ومدن في العصر الجاهلي، ولكنّ أكثرهم لمّا يأتي إلى دراسة الشعر الجاهلي يعمّم صفة البداوة عليه، فيَسِم الحياة الجاهلية بأنها حياة بدوية تقوم على التنقّل، وينعت الشعر الجاهلي بأنه تصوير لهذه الحياة فحسب، متناسياً أيّ أثر للمدينة في حياة العرب وفي شعرهم.

وعن أهمية هذا البحث قال: لعلّ أهمية البحث تأتي من كونه يعالج ظاهرة جديدة في الشعر الجاهلي، لم تفرد لها دراسة كاملة من قبل، ولا ينفي البحث وجود دراسات أخرى مماثلة، وأراء لباحثين تؤكّد هذه الظاهرة، غير أنها كانت مقتصرة على دراسة مدينة بعينها، أو قبيلة من قبائل المدن، أو ذكر عابر لها في أثناء حديث الباحث عن موضوعات أخرى بعيدة عما اختاره البحث.

ولاحظ الباحث اختلاف الباحثين في تسمية أماكن الاستقرار في العصر الجاهلي كمكة ويثرب والحيرة واليمامة وغيرها، فمنهم مَن يسميها مدناً، وآخرون يسمونها قرى، وأناس يدعونها أمصاراً، فسمح لنفسه أن يوحد تلك التسميات باسم المدينة، كما أجاز البحث لنفسه أن يطلق على الشعراء الذين أقاموا في تلك الأماكن أو وفدوا إليها واحتكوا بسكانها واطلعوا على أحوالها تسمية شعراء المدن.

وسألنا الباحث أحمد عن تقسيم هذا البحث وما عدد فصوله؟ فقال: انتظم عِقْدُ البحثِ في تمهيد وثلاثة فصول، ابتدأ التمهيد بتعريف المدينة لغة واصطلاحاً، فتبيّن له أنّ المدينة مشتقّة من الجذر (مَدَنَ)، والجذر (دَيَنَ)، وأنّ الباحثين وضعوا شروطاً عديدة لتسمية منطقة ما مدينة، وحدّدوا العوامل التي أسهمت في نشوء المدن أهمّها وفرة الماء وموارد العيش. وأثبت البحث وجود الكثير من الممالك والمدن في العصر الجاهلي، وقدّم ملخّصاً لأبرزها، وهي مدن الحجاز وأهمها مكة ويثرب والطائف، ومدينة الحيرة، وبلاد البحرين، ومدينة اليمامة، ومدينة صنعاء.

ودرس الفصلُ الأوّلُ من البحث صورة المدينة في الشعر الجاهلي، فقدّم أوّلاً، عرضاً لبعض الدراسات التي اعتمدت الشعر على أنه وثيقة مهمة لدراسة حياة العرب، ثمّ انتقل مستعيناً بالشعر الجاهلي، للحديث عن الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية في المدينة.

فبيّن أنّ الشعر الجاهلي– كما تناول حياة العرب في البادية- تناول حياة العرب في المدينة بأنواعها كافة، فقد قدّم لنا الشعر صورة شبه واضحة عن الحياة السياسية في المدينة، تلك الحياة التي عرفت تنظيماً سياسياً متطوّراً، ومارست أشكال حكم مختلفة عن نظام القبيلة، وكان لها من القوة ما جعلها تفرض الضرائب على غيرها، وكانت العلاقات بينها وبين غيرها من المدن قائمة على التحالف أو الحروب.

ودرس هذا الفصل الحياة الاجتماعية في المدينة، ورأى أنّ مجتمع المدينة ينقسم، عموماً، إلى طبقتين: طبقة السادة وطبقة السوقة، كما عرّج على أخلاق أهل المدن واستنتج أنّها لا تختلف كثيراً عن أخلاق أهل البادية سوى بظهور قيمتين برزتا في مجتمع المدينة، من وجهة نظرٍ قبليّة، هما الغدر والمجون، ولمّا تحدّث البحث عن المرأة وجد أنها حظيت بمكانة كبيرة في ذلك المجتمع سواء أكانت أمّاً أم ابنة أو زوجاً أو حبيبة، وكثرت في مجتمع المدينة الإماء اللواتي عملن مغنّيات وراقصات وعازفات وخادمات في المنازل والقصور، وقد تميّزت المرأة المدنية عن المرأة البدوية بمبالغتها بزينتها، وترفها ورخائها، ونعومتها ورقّتها.

ودرس البحث في الفصل الثاني أهم الموضوعات التي تجلّت لدى شعراء المدن، فتوصّل إلى أنّ الشعر الجاهلي لم يقتصر على وصف الحياة البدوية فحسب، وإنّما تناول موضوعات لها صلة وثيقة ببيئة المدينة، إذ نقل لنا ما تتميز به المدينة من طبيعة زراعيّة حيث الرياض والكروم والبساتين التي تُزرع فيها أنواع مختلفة من الأشجار، والأنهار والينابيع التي تهب الساكنين حولها، وناقش البحث، في هذا الفصل، موضوعاً مهمّاً من موضوعات المدينة وهو وصف مجالس الخمر، فتبيّن له أن الشعر الجاهلي صوّر لنا بدقة تلك المجالس بدْءاً من الدخول إلى الحانة، وانتهاء بالخروج منها بعد أن تغمر واردها اللذة والنشوة، حيث الخمر المعتّقة، والزهور العطرة، والقيان الجميلات، والعزف والغناء والرقص.

ودرس البحث أيضاً موضوعاً آخر يتعلّقُ بالمدن وهو وصف بيئة المدينة، وخَلُص إلى أنّ الشعراء وقفوا من المدينة موقفين: فقسم منهم أعجبته الحياة في المدينة، وقسم آخر ذمّ العيش فيها، إذ وجدها مرتعاً للأمراض والأوبئة.

أمّا الفصل الثالث والأخير فقد بحثَ في أثر المدينة في بناء القصيدة الجاهلية، فاستنتج أنّ المدينة تركت أثراً ليس بالغاً في هيكل القصيدة الجاهلية، بأن قلّل الشعراء الذين أقاموا في المدينة أو زاروها، نوعاً ما، من الوقوف على الأطلال، واستبدلوا بها الغزل والخمر والحديث عن ذكريات الشباب، كما شاعت في شعرهم الوحدة الموضوعية.

وأثّرت المدينة أيضاً في صور الشعراء وأخيلتهم، فاستقوا منها صوراً لأطلالهم، ومحبوباتهم، وممدوحيهم، وحيواناتهم وغيرها من الأغراض الشعرية، لكنّ الصور المدينيّة لم تستطع التفوّق على الصور البدويّة التي رسخت في ذهن الشاعر الجاهلي، وكانت تقفز من مخيلته، وإن كان يتحدّث عن موضوع يمس المدينة مساً مباشراً.

وأسهمت المدينة أيضاً في اغناء لغة العصر الجاهلي بمفردات جديدة لا علاقة لها بحياة الصحراء، كما أنها رقّقت ألفاظ الشعراء وأساليبهم، بالإضافة إلى أنها أحدثت أثراً في البنية الصرفية للألفاظ فجعلتها تجنح نحو السهولة في النطق.

وأخيراً بيّن البحث ما لعبته المدينة من دور في الأوزان الشعرية، إذ ركب الشعراء الجاهليون بحوراً قصيرة مجزوءة تساعد على الغناء الذي شاع في العصر الجاهلي بتأثير القيان الأعجميّات.