نوقشت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية رسالة الماجستير التي تقدمت بها الباحثة نجاح مظفر الدرويش وعنوانها «شخصية المرأة في مسرح سعد الله ونوس».

وكانت بإشراف الأستاذ الدكتور أحمد زياد محبك من جامعة حلب وعضوية كل من الأستاذ الدكتور سعد الدين كليب من جامعة حلب والدكتور غسان غنيم من جامعة دمشق.

وقد نالت الباحثة درجة الماجستير في الآداب قسم اللغة العربية بتقدير جيد جداً وبعلامة قدرها 77%.

ولسعد الله ونوس فهم خاص للمسرح فقد دعا إلى ماسماه (مسرح التسييس) الذي يختلف عن المسرح السياسي وهو "حوار بين مساحتين الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره والثانية هي جمهور الصالة الذي تنعكس فيه كل ظواهر الواقع و مشكلاته", فكان ذلك خطوة في طريق التجديد في المسرح, وتطوير الكتابة المسرحية العربي.

وقد تألف البحث من تمهيد وثلاثة فصول, تضمن التمهيد الحديث عن حياة ونوس وثقافته ومؤلفاته, ثم تناول الفصل الأول الشخصيات النسائية وفق المصادر التي استقاها منها وهي: الأسطورة (خضرة, ناديا, هيرا), والموروث الشعبي (زمرد, قوت القلوب, عزة, سعاد, مؤمنة....), والواقع (الفارعة,دلال, راحيل, فدوى, غادة, سناء)

وعنى الفصل الثاني بقضايا المرأة السلبية من قمع وعنف, وسيطرة وتبعية, وعادات وتقاليد بالية وجنس وخيانة, كما عني بالقضايا الإيجابية وقد تبدت في الثقافة والعمل, الحب, التعاون والتكامل, المقاومة.

واهتم الفصل الثالث ببناء الشخصية المركبة والبسيطة والحوار والسرد ووظيفتهما في تقديم الشخصية والإفصاح عنها, والمكان وأهميته في بناء الشخصية وتوضيح معالمها.

وفي الخاتمة سعت الباحثة إلى تلخيص أبرز النتائج التي توصلت إليها, وقد تبين أن سعد الله ونوس كاتب جريء تمكن من معالجة القضايا الاجتماعية والثقافية والفكرية للمرأة والمجتمع بأسلوب مبتكر.

ويبدو موضوع التحول الموضوع الأهم في مسرحياته, ولاسيما الأخيرة حيث يغوص في أعماق النفس الإنسانية ليبين قدرة النظم الاجتماعية ولاسيما القوى المسيطرة على تحويل الفرد إيجاباً وسلباً.

وقد اتجهت معظم الدراسات النقدية لمسرح سعد الله ونوس نحو شخصية المؤلف وخط سيره الإبداعي في المسرح، وابتكاره لبعض التقانات المسرحية التي ساهمت في تحديث المسرح وتطويره، وقليل منها تناول مسرحه بشكل تحليلي نقدي للقضايا الفكرية والاجتماعية التي تعالجها مسرحياته، ولم تظهر دراسة خاصة بالمرأة في مسرحه على الرغم من اهتمامه بها، فقد عالجت معظم مسرحيات ونوس مشكلة المرأة، فاهتمت هذه الدراسة بشخصية المرأة ودرستها من نواحٍ عدّة استطاعت أن تخلص منها إلى نتائج يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- من الممكن تصنيف مسرحيات ونوس اعتماداً على المصدر في ثلاث مراحل: المسرحيات المستوحاة من الأسطورة، والمسرحيات المستمدة من الموروث الشعبي ذي الطابع التاريخي، والمسرحيات المستمدة من الواقع.

فالمرأة في المسرحيات الأسطورية ضعيفة مستكينة تمثل حالة المرأة في العصر الذي كتبت فيه هذه المسرحيات، فهي سلبية متخاذلة لا تستطيع الحصول حتى على جزء صغير من حقوقها

أما في مسرحياته الواقعية، فتظهر المرأة قادرة على اتخاذ القرار وتحمّل مسؤوليته وتبعاته على الرغم من العادات والتقاليد التي يحاول المجتمع تقييدها بها فأحبت وعملت وناضلت ضد سلطة الرجل واستطاعت إثبات وجودها في أقسى الظروف.

2- تنوعت نساء مسرحياته فشملت عدة أنماط: منها السلبية والإيجابية، والمرأة المتحولة من إيجابية إلى سلبية وبالعكس.

3- ومن ناحية الظواهر الفنية برزت عدة ظواهر منها:

أ ـ تنوع الشخصيات النسائية وبروز الشخصية الجاذبة شخصية رئيسية في العديد من مسرحياته إضافة إلى الشخصية المسطحة التي أسند إليها أدواراً ثانوية.

وبشكل عام لم يعتمد ونوس طريقة واحدة لتقديم شخصياته المسرحية وإنما اعتمد طرق عديدة لرسم ملامحها روائياً ومسرحياً بشكل تضافري فأضاء الشخصية باستخدام الطرق كلها؛ فاستخدم الراوي بأشكال عدة ليقدم للشخصية (كالحفيد) وأحياناً استخدم المناجاة في الكشف عن ماضي الشخصية (خضرة)، والحوار في الكشف عن عالم الشخصية الاجتماعي (ماري، غادة)، إضافة للحوار الذاتي الذي ابتكره بين الشخصية وذاتها في مسرحيته الأخيرة (الأيام المخمورة)، ووظف المكان للدلالة على البعد النفسي للشخصية.

وقد اختلف بناء الشخصية باختلاف المصدر المستوحاة منه.

ب ـ تنوع الحوار لديه وتداخله مع السرد، والاختلاف في طبيعة الحوار من مرحلة إلى أخرى بحسب التصنيف المعتمد في البحث (الأسطورةـ التراث ـ الواقع).

جـ ـ بروز دور الراوي منذ بداية مسرحياته التاريخية التراثية، وقد يستعيض عنه بالحكواتي محاولاً من خلاله التعليق على ما يري من الأحداث وإدانة بعضها الآخر، وقد استخدم في آخر أعماله تقنيات جديدة كفرقة الأراجوز التي أسند إليها دوراً واضحاً في دفع الأحداث.

د ـ التنوع في وصف المكان بتنوع مصادر مسرحياته ومناسبة المكان لطبيعة الشخصيات، واعتماد الإيحاء للدلالة على المكان وخاصة في المسرحيات التراثية.

هـ ـ استخدامه لتقانات خاصة بالمكان كخل المكان الواقعي بالمتخيل وامتداد الفضاء الداخلي ليشمل الفضاء العام للمسرحية.

وتبقى ثمة قضايا أخرى كثيرة في مسرحياته بحاجة إلى دراسة كالسياسة

التي راح يعبر عن مواقفه منها في مسرحيات رمزية، إضافة إلى مسألة الدين التي تعرّض إلى رجالها في أكثر من مسرحية وغيرها من القضايا... وهي قضايا جديرة بالدراسة والبحث.

ومن مميزات هذه الدراسة اقتصارها على الناحية الاجتماعية المتعلقة بالمرأة والناحية الفنية للمسرحيات كافة, فقد امتلك سعد الله ونوس قدرة فنية ومعرفية مكنته من تجسيد هذا التحول لدى الفرد عامة والمرأة خاصة كما في مسرحية (طقوس الإشارات والتحولات) ولم تدع الباحثة نجاح أن دراستها هذه قد أحاطت بجوانب البحث كلها, فالموضوع واسع وغني ويحتاج إلى جهود

عديدة, ويمكن أن تكون هذه الدراسة مجرد بداية تفتح الآفاق أمام دراسات أخرى تكون أغنى, أفضل.

وقد توجهت الباحثة نجاح الدرويش بالشكر والامتنان إلى الأستاذ الدكتور أحمد زياد محبك لما أولاها به من حسن الاهتمام والمتابعة الحثيثة, وأمدها بالملاحظات القيمة والتوجيهات السديدة التي ساهمت في تقويم البحث, فكان لها نعم المرشد والناصح.

ونشير إلى أن الأستاذ الدكتور أحمد زياد محبك له أيادٍ بيضاء على الكثيرمن طلاب الدراسات العليا في الجامعات السورية والعربية , وهو علم بارز في مجال الثقافة المعاصرة, وكاتب هذه السطور ممن تربى علميا على يديه وأولاه العناية والتشجيع, فله مني كلّ حب وعرفان وتقدير.