نشأت في بيت عريق، وساهمت طوال حياتها في حماية تراث "حلب" وتعريف العالم به؛ من خلال نشر كتب وإقامة معارض داخلية وخارجية لتوثيق تاريخ المدينة وتشجيع السياحة إليها وإلى دار عائلتها العريقة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 تشرين الأول 2015، الباحث الأثري "عبد الله حجار" الذي تحدث حول "جيني مراش" بالقول: «كانت الراحلة وحيدة لوالدها الدكتور "أدولف بوخة" سليل العائلة التي سكنت "خان النحاسين" في "حلب" القديمة ومقر قنصلية "البندقية" منذ عام 1548، ولأهميته التاريخية والسياحية كانت داره في الخان المذكور مدوّناً في كتب الدلالة السياحية التي يحملها السياح القادمون إلى "سورية"، فزيارة مدينة "‏حلب" لا تكتمل إلا بمشاهدة "دار بوخة" في "خان النحاسين" ولقاء صاحب الدار والاطلاع على الحياة الاجتماعية والثقافية في القرنين الماضيين.

لقد تأثرت السيدة "جيني بوخة مراش" نفسياً بالحالة التي أصبحت عليها دار أجدادها في "خان النحاسين"؛ حيث ولدت وذلك بعد الخراب والدمار الذي حل به واختفاء محتوياته وخاصة أرشيف عائلتي "بوخة" و"مركوبولي" خلال القرنين الماضيين؛ الذي تجاوز عدد صفحاته 600 ألف صفحة، ويقوم بدراسته عدد من الباحثين من جامعة "توبينجن" الألمانية، ولا يُعرف مصير الأرشيف حتى اليوم. وعلى الرغم من كل ذلك بقيت في "حلب" وأبت أن تتركها بعد أن عانت من المرض الجسدي والنفسي إلى أن توفيت عام 2015 بعد مسيرة عطاء في خدمة تاريخ "حلب" وتراثها الحضاري

تزوّجت "جيني" عام 1965 من "جورج مراش"؛ وهو سليل عائلة حلبية عرفت بدورها الرائد في الفكر والأدب أمثال: "فرنسيس، وعبد الله، ومريانا مراش"، وقد رزقا بأربعة أولاد، شغل زوجها مركز القنصل الفخري لبلجيكا ومن بعده ولدها البكر "باسيل". أرسل د."بوخة" ابنته "جيني" إلى إنكلترا كي تتقن اللغة الإنكليزية لتقوم بعدها بالاهتمام بدار العائلة ومتحفه الخاص، كما اهتمّت بتركة جدّها "ألبير" هاوي التصوير؛ الذي يعد من أقدم من اقتنى آلة تصوير في "حلب"، حيث ترك "نيجاتيف" الصور والألواح الزجاجية السلبية الملتقطة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وفي الربع الأول من القرن العشرين».

الباحث عبد الله حجار مع المرحومة جيني مراش

وأضاف: «بعد وفاة والدها عام 1987 استمرّت "جيني مراش" في العناية ببيت العائلة في "خان النحاسين" وإعداده للسياح والزوّار؛ حيث كانت تستقبلهم بنفسها ظهيرة يوم الجمعة من كل أسبوع وهو يوم عطلة يمكن الوصول فيه بسهولة إلى الأسواق والدار في الخان، وأقامت في الدار معرضاً وثائقياً رائعاً لصور جدها "ألبير بوخة" عن مدينة "حلب" ومبانيها وشخصياتها وأثاث دورها والمواقع الأثرية المهمة كقلعة وكنيسة "سمعان" و"خراب شمس" و"المشبك" وسواها، وأصدرت إثر المعرض كتاباً بعنوان: "صور جدّي" في بداية العام 2006؛ حيث احتُفل في ذلك العام بمدينة "حلب" عاصمة للثقافة الإسلامية، فأقبل زوّار الدار على اقتناء الكتاب عند إنهاء زيارة الدار توثيقاً للأحداث التاريخية والاجتماعية التي عرفتها في القرنين الماضيين. أمّا الكتاب الآخر الذي قامت بتأليفه فكان عن عائلة "بوخة" تحت عنوان: "عائلة ودار"؛ صدر عام 2003، وضمّ 74 صفحة من الحجم الكبير؛ تضمن السيرة الذاتية المختصرة لشجرة العائلة التي أسّسها بحلب "جوزيف بوخة" الذي عاش ما بين 1788-1855 وصولاً إلى إليها وهي المولودة عام 1941، وأغنت الكتاب بالصور القديمة التي التقطها جدّها "ألبير" والصور الحديثة لها وللعائلة مع بعض صور الدار، واختارت من سجل الكتاب الذهبي للدار تعليقات أهم زوّارها مع صورة لزيارة "ألبير" و"إليزابيت" ملك وملكة بلجيكا للدار عام 1934، وتواقيع أهم السياسيين وعلماء الآثار نذكر منهم: "آغاثا كريستي" عام 1938، والبارون "ماكس فون أوبنهايم" عام 1939، و"ليونارد وولي" عام 1924، والشاعر "أحمد شوقي" عام 1917».

وقال "حجار" متابعاً: «أقامت عام 2007 معرضاً مشتركاً في "فرنسا"، وتحديداً في بلدة رائد الباحثين في "المدن الميتة" السورية "الكونت جان شارل ملكيور دو فوغويه"؛ جمعت فيه صور جدّها للقرى الأثرية حول "جبل سمعان" و"كنيسة سمعان العمودي" مع الصور التي التقطها "دو فوغويه" وعرضها مع لوحات كتابه "سورية المركزية" Syrie Centrale الذي طبع عام 1877؛ وكانت بذلك خير سفيرة في تشجيع الفرنسيين على زيارة بلادنا والتعرّف إلى آثارنا؛ فكان لها بذلك دور مهم في توثيق "ذاكرة حلب" عن طريق كتابيْها ومعارض الصور التي أقامتها. كما أذكر مشاركتها "جمعية ‏العاديات" و"نادي الشبيبة" برحلاتهما الأثرية في زيارة "طرطوس" و"عمريت" و"دير مار موسى الحبشي" وسواهما؛ أسوة بوالدها د. "أدولف" الذي نادراً ما كان يتخلّف عن الاشتراك في رحلة إلى موقع لم يكن يعرفه من قبل».

كتاب "صور جدي" لجيني مراش

وختم: «لقد تأثرت السيدة "جيني بوخة مراش" نفسياً بالحالة التي أصبحت عليها دار أجدادها في "خان النحاسين"؛ حيث ولدت وذلك بعد الخراب والدمار الذي حل به واختفاء محتوياته وخاصة أرشيف عائلتي "بوخة" و"مركوبولي" خلال القرنين الماضيين؛ الذي تجاوز عدد صفحاته 600 ألف صفحة، ويقوم بدراسته عدد من الباحثين من جامعة "توبينجن" الألمانية، ولا يُعرف مصير الأرشيف حتى اليوم. وعلى الرغم من كل ذلك بقيت في "حلب" وأبت أن تتركها بعد أن عانت من المرض الجسدي والنفسي إلى أن توفيت عام 2015 بعد مسيرة عطاء في خدمة تاريخ "حلب" وتراثها الحضاري».

المحامي "عبد الرحمن محمد إبراهيم" قال حول لقائه الوحيد معها: «في عام 2008 قررت مع عدد من زملائي المحامين زيارة "دار بوخة" في "حلب القديمة" بعد أن قرأت كتاباً حول تاريخ الدار وأهميته وكان ذلك يوم جمعة؛ لأن من عادة الراحلة "جيني" فتح أبواب الدار يوم الجمعة من كل أسبوع لاستقبال السياح والزوار، وفي لقائي الوحيد معها خرجت بعدة انطباعات، فقد كانت مثالاً رائعاً للمرأة الحلبية التي تعشق تاريخ مدينتها، لقد كانت تتحدث إلينا بشغف وقلب ملؤه الطيبة والمحبة حول تاريخ الدار وعائلتها العريقة والدور الحضاري والثقافي لخان النحاسين كجزء من تاريخ "حلب" وأهمية الحفاظ على هذا الإرث التاريخي المهم، وخلال حديثها الشيق والممتع والمفيد جعلتني أفتخر بأنني من "حلب"؛ فقد كانت بالفعل تجسد ذاكرة المدينة خلال القرن العشرين».

دار بوخة التاريخي