تمثل التجربة الأدبية للشاعرة "هدى محمد" من ذوي الاحتياجات الخاصة قصة نجاح لفتاة سورية عنوانها الصبر والإرادة؛ كافحت منذ طفولتها لتثبت للمجتمع أن الإبداع ليس حكراً على الأسوياء.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 9 أيار 2015، الشاعر "محمد كرزون" رئيس مجلس إدارة "جمعية شمس الغد" لذوي الاحتياجات الخاصة سابقاً، فتحدث حول تجربة "هدى محمد": «إنها شاعرة الألم والأمل، تعرفتها عام 2008 ودعوتها إلى مهرجان الأدباء المبدعين المعوقين الذي أقامته "جمعية شمس الغد" لذوي الاحتياجات الخاصة، هي فتاة ذكية ورقيقة تعشق الأدب وتحب الإنسان، زرتها في بيتها عدة مرات لنتحاور ونتناقش في القضايا الأدبية وغيرها؛ اطلعت خلالها على أدبها ونصوصها التي كتبتها بروح شاعرية نقية، فأثنيت عليها وعلى كتاباتها، وقلت لها: لماذا لا تطبعين كتاباً؟

كُرمت من قبل اللجنة المشرفة على احتفالية "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية 2004، ومن قبل "جمعية شمس الغد" لذوي الاحتياجات الخاصة خلال مشاركتي في مهرجانها السنوي كأفضل شاعرة، كما حصلت خلال عام 2012 على الدرع السنوي لموقع "تيريج عفرين" الذي يُقدّم للمبدعين من أبناء المنطقة

فأجابت: وهل تصلح؟ فقلت لها: هي بحاجة إلى قراءة مختص باللغة العربية؛ وبما أنني مختص باللغة العربية أبديت استعدادي للقيام بذلك، فكانت فرحتها كبيرة عندما طُبع ديوانها الأول عام 2009».

الشاعر محمد كرزون

وأضاف: «تمتلك تجربة ناجحة أدبياً قدمتها للناس خلال مسيرتها لتثبت لهم أن المعوقين يمتلكون القدرة على تحقيق النجاح والإبداع، في نصوصها الشعرية عمق نادر مشوب بالبساطة، مفعم بالصدق، "هدى" فتاة نادرة في زمن اختلط فيه الجيد بالرديء، هي زهرة ربيعية صافية تعطيك شذاها ولا تريد منك مقابل، يكفيها أن تقول لها: يا "هدى" ما أجمل شذاك؛ فهذا أقصى ما تتمناه ممن يقرأ لها أو يستمع إليها».

الأستاذ "عبد الرحمن حاجي عثمان" مدير موقع "تيريج عفرين"؛ وهو أحد الجهات التي كرمت "هدى"، قال عنها: «لقد برعت في حياتها وحققت نجاحاً مهماً أصبحت بها مثلاً للمرأة الريفية مثبتة أن النجاح والإبداع سهل التحقيق إذا كان الشخص يمتلك الإرادة والصبر، فالإبداع ليس حكراً على الأشخاص الأسوياء.

ديوانها الأول "الحب لغة واحدة"

وبسبب نجاحها وتميزها في تجربتها الشعرية قام موقع "تيريج عفرين" باختيارها ضمن لائحة مبدعي منطقة "عفرين"؛ لتكريمها خلال حفلها السنوي عام 2012».

"هدى محمد" تحدثت حول تجربتها بالقول: «أنا من مواليد قرية "بيكة" –"عفرين"، عام 1981. بدأت قصتي مع الكتابة عندما كنت في الرابعة عشرة وتحديداً عام 1996؛ حيث شعرت بأحاسيس مكبوتة ورغبة عارمة في التعبير عنها بطريقة إيجابية من خلال كتابة الشعر والمقالة والرسم.

خلال تكريمها من موقع تيريج عفرين

خلال دراستي الابتدائية كانت أمي توصلني إلى المدرسة وتعيدني منها وهي تحملني على ظهرها، وبما أن بيتنا كان في الطابق الخامس فقد تحملت مشقة كبيرة في ذلك، ولكن صدمتي الكبرى كانت بعد إنهائي للمرحلة الابتدائية واستعدادي لدخول الإعدادية؛ حيث رفضت المديرة حينها تسجيلي في المدرسة بسبب إعاقتي مبررة موقفها في ذلك الوقت بأن مرضي قد يكون معدياً، منذ تلك اللحظة الرهيبة في حياتي فارقت دفاتري وأقلامي ومدرستي وأنا متحطمة نفسياً».

وأضافت: «لم أستسلم لموقف المجتمع من شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة ونظرته الدونية لها؛ فقررت أن أعمل بكل جد ومثابرة لأثبت لهم عكس نظرتهم؛ فاخترت المجال الأدبي وعملت فيه منذ سنوات مراهقتي، وكما قلت كان العمل شاقاً بسبب وجود مصاعب وعراقيل جمة مصدرها المجتمع التقليدي الذي أعيش فيه؛ فأولاً من المعيب أن تكتب فتاة عن الحب وتتحدث به، وثانياً صعوبة الكتابة الصحيحة بالعربية نحوياً لعدم قدرتي على إكمال الدراسة، وثالثاً صعوبة تنقلي وذهابي إلى المكتبات لشراء الكتب لأثقّف نفسي ذاتياً.

هنا كان علي أن أقرر، إما أن أستسلم لتلك الظروف من بداية الطريق أو أستمر لتحقيق طموحي وهدفي في الحياة، فقررت الطريق الأصعب وهو العمل بكل جد وبإرادة صلبة لتحقيق طموحي ونجاحي.

بدأت تجربتي بعملية التثقيف الذاتي فرحت أطلب من والدي أن يجلب لي الكتب فساعدني في هذا المجال، كما انعزلت عن المجتمع تماماً كي لا يشفق علي أحد فيؤثر في معنوياتي وتصميمي، فبدأت ترجمة ما يجول في داخلي من أحاسيس إلى قصائد متأثرة بالشعراء "نزار قباني"، و"بدر شاكر السياب"، و"جبران خليل جبران".

عام 1998 بدأت نشر قصائدي في الصحف المحلية مثل "الجماهير" و"الثورة"، وما زلت أتذكر بفرح وأنا أقرأ قصائدي المنشورة حينها وأهمها: "الرحيل"، و"قلباً يشكو من الصمت"، ولكن فرحتي وصلت إلى أوجها عندما قمت بطباعة ونشر ديواني الأول عام 2009؛ الذي حمل عنوان "الحب لغة واحدة"».

وعن مشاركاتها تقول: «شاركت عام 2004 في احتفالية "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية بأمسية شعرية إلى جانب نخبة من الشعراء مثل: "سمير طحان"، و"محمد دالاتي"، كما شاركت بلوحات فنية مائية في تلك الاحتفالية أيضاً، وشاركت في مهرجان الأدباء المبدعين الذي نظمته "جمعية شمس الغد" لذوي الاحتياجات الخاصة بـ"حلب" عام 2008، إلى جانب نخبة من الشعراء على مستوى "سورية"، وشاركت بأمسية "رمقات شعرية" لذوي الاحتياجات الخاصة نظمها "المنتدى الثقافي الشبابي" عام 2012، وأمسية "همسات من الأمل" في "عفرين"؛ ونظمها "مركز تنمية القدرات" التابع لجمعية "بهار" الإغاثية السورية عام 2015، وكضيفة شرف في معرض الفنان التشكيلي "أصلان معمو" عام 2015؛ حيث ألقيت قصيدة عنوانها "شظايا الألم"».

وحول التكريمات التي نالتها قالت "هدى": «كُرمت من قبل اللجنة المشرفة على احتفالية "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية 2004، ومن قبل "جمعية شمس الغد" لذوي الاحتياجات الخاصة خلال مشاركتي في مهرجانها السنوي كأفضل شاعرة، كما حصلت خلال عام 2012 على الدرع السنوي لموقع "تيريج عفرين" الذي يُقدّم للمبدعين من أبناء المنطقة».

وتابعت: «مفاتيح النجاح هي التضحية والإرادة والصبر والشجاعة؛ فإذا تحلى الإنسان بهذه الصفات فليس هناك قوة تستطيع الوقوف بوجهه، بالنسبة لي كانت مساعدة الأهل والأصدقاء المخلصين وتوافر الإرادة والشجاعة والصبر السبب لبدء تجربتي؛ فعملت أولاً على كسر العادات الاجتماعية البالية قبل أن تكسر طموحاتي؛ فساهمت في تغيير نظرة المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة، إذ أثبت للناس أن لا شيء يمنع المعوق من تحقيق الإبداع، ولا فرق بين هذه الشريحة وباقي أفراد المجتمع في تحقيق النجاح والإبداع والعمل، كما استطعت أن أحقق طموحي الشخصي في المجال الأدبي، أعتقد أنها تجربة مهمة ضمن مسيرة ذوي الاحتياجات الخاصة في "سورية"».

وختمت حديثها برسالة إلى المجتمع: «على المجتمع أن يعطي الحرية للمعوق ويمنحه كياناً كي لا يشعر بأنه مختلف، أفضل لو تتكسر كل القيود التي تعرقل مسيرته لأن هناك دائماً إشارات استفهام أو خطاً أحمر تحت كلمة "معوقة"؛ مع إيماني الشديد بأن الإنسان لن يعجز في الحصول علي أي شيء إذا كان مقتنعاً به ويمتلك الإرادة القوية، العجز الحقيقي ليس في الإعاقة بل عندما تجد نفسك عاجزاً عن تحقيق طموحك».

ومن قصائدها اخترنا:

"لك وحدك عندما أقبل يديك

وأداعب شعرك بحنان

لك وحدك

عندما أُلملم أوراق الخريف

بعد ذبول الشجرة ويبسها، عندما هاجمتها عواصف قوية

فبقيت حزينة يائسة

لك أنت عندما يقبل الصباح فأسرق منك قبلةً

وأرتعش خوفاً..

من ابتسامتك يشرق الصباح

وأنت في روحي تشرق..

السنونو يغرد، فأصحو على نغماتك

أنت وحدك شقيق الروح أنت..".