لمسيرتها خصوصية فريدة؛ فهي تمثل تجربة متميزة للمرأة الريفية السورية كأول معلمة في منطقة "عفرين"، ومن أوائل الفنانات في الريف الحلبي، إنها السيدة "نجاح محمد سليمان".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 12 آذار 2015، الفنان التشكيلي "أصلان معمو"؛ الذي تحدث عن تجربتها قائلاً: «تعد تجربة السيدة "نجاح سليمان" من منطقة "عفرين" إحدى أهم التجارب الاجتماعية والتعليمية والفنية، وتستحق أن تكون مثالاً وقدوة لباقي النساء، لكونها تحمل في شخصيتها عناصر مختلفة من الصبر والإرادة والطموح في فترة كان ريفنا الحلبي عموماً غارقاً في بحيرات التخلف وبرك العادات والتقاليد البالية؛ التي كانت تمنع المرأة من التعلم وممارسة الفن وترسم لها حدود عالمها الذي هو أسوار قريتها.

نذكر أخيراً أن السيدة "نجاح" خلال سنواتها التدريسية كانت تدرّس الصف الأول فقط، وأن مدة تدريسها بلغ 32 عاماً كانت خلالها منارة للعلم ومعلمة ناجحة ومثالاً للأم الحنونة والواعية

لقد استطاعت السيدة "نجاح" بإرادتها الصلبة وطموحها اللا محدود كسر حواجز تلك العادات والتحليق نحو عالم أوسع وأرحب نالت فيه العلم والفن والنجاح، عندما صممت وبمساعدة أهلها على دخول المدرسة وإكمال تعليمها خارج "عفرين"؛ فكانت متفوقة خلال سنوات دراستها.

أصلان معمو - فنان تشكيلي

من أبرز محطات نجاحها في مسيرتها أنها حظيت بزيارة الرئيس السوري حينها "شكري القوتلي" ورئيس الوزراء "ناظم القدسي" لمعرض من معارضها المدرسية؛ وذلك في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي».

الأديب "بير رستم" تحدث لنا عن تجربة "نجاح سليمان" ومسيرتها قائلاً: «هي حروف من نور أضاءت عقول أبناء وبنات "عفرين" بنور العلم والمعرفة، وكانت خير مثال للمرأة العفرينية بشخصيتها ومسيرتها وكفاحها؛ وذلك بهدف تكريس شخصية واعية ومثقفة في وقت كانت العادات والتقاليد تساهم في طمس روح الخلق والإبداع.

بير رستم - أديب

"نجاح سليمان" من مواليد قرية "ميركا" التابعة لمنطقة "عفرين" عام 1935، وهي ابنة السيد "محمد سليمان" الملقب "محمد أفندي".

كانت جريئة ومحبة للعلم حيث بدأت دراستها الابتدائية في السادسة من عمرها في مدرسة "عفرين"، وفي أكثر الأحيان كانت تقطع المسافة من قريتها إلى مدينة "عفرين" مشياً على الأقدام؛ لأن تلك المدرسة كانت الوحيدة في "جبل الأكراد" حينها، كما كان التدريس محدوداً للصف الثالث فقط، وبعد نجاحها إلى الصف الرابع أكملت دراستها وبتشجيع من جدتها ومعلمها الأستاذ "مصطفى فاضل" الذي تدخل لإقناع والدها لتكمل دراستها وقد كانت الفتاة االوحيدة من بين ثماني فتيات، حيث قامت هي ورفيقاتها بالمطالبة بمعلمة لتدريسهن وذلك من القائمقام "الشيخ رضا الأيوبي" فوعدهن بذلك، وفعلاً تم تعيين المعلمتين "رضية سيجري" و"مكرم وهيبة" للصفوف الابتدائية.

في العام 1949 أنهت المرحلة الابتدائية بعد تقديمها لامتحان الصف السادس في مدينة "إعزاز"، وبمساعدة قائمقام "عفرين" فحصلت على شهادة "السرتفيكا" بتقدير جيد جداً، بعدها سافرت لإكمال دراستها الإعدادية في "حلب" بمدرسة "معاوية"؛ حينها كانت المعلمة "ملك الأبيض" زوجة الشاعر "سليمان العيسى" تدرّس بنفس المدرسة وهي أول من اكتشفت مواهب "نجاح" الفنية، فقد كانت معجبة بلوحاتها حيث عرضتها على جدران المدرسة، وقد زار الرئيس السوري "شكري القوتلي" مع رئيس الوزراء "ناظم قدسي" أحد معارضها الفنية.

في العام 1952-1953 أنهت المرحلة الإعدادية وحصلت على شهادة "بروفي" وبتقدير ممتاز لتلتحق بعدها بدار المعلمات فتخرجت في العام 1958، حيث تعينت كمعلمة في مدينة "عامودا" التابعة لمحافظة "الحسكة"، وقد سافرت برفقة والدها إلى "الحسكة" والتقيا هناك السيد "أوصمان آغا" حاكم "الحسكة" آنذاك وهو من مواليد "عفرين"؛ الذي ساعدهما في تأمين مسكن لهم في مدينة "عامودا" وأصبحا ضيفين عند كل من عائلتي "شويش والأشتر"، هكذا قامت السيدة "نجاح" بالتدريس هناك لمدة سنتين، ثم انتقلت للتدريس في مدينة "جنديرس" التابعة لمنطقة "عفرين" بين عامي 1960-1961 ثم مدرسة في "عفرين".

في تلك الفترة تزوجت المعلمة "نجاح سليمان" من المحامي "شوكت نعسان" من قرية "تللف"، وانتقلت إلى مدينة "حلب" حيث استقرا في حي "الأشرفية" لتمارس مهنتها في التدريس في عدد من المدارس بالمدينة».

وختم: «نذكر أخيراً أن السيدة "نجاح" خلال سنواتها التدريسية كانت تدرّس الصف الأول فقط، وأن مدة تدريسها بلغ 32 عاماً كانت خلالها منارة للعلم ومعلمة ناجحة ومثالاً للأم الحنونة والواعية».

  • الصورة الرئيسة: الرئيس شكري القوتلي - رئيس الوزراء ناظم القدسي، والسيدة نجاح سليمان.