تمتلك "فاطمة أحمد" من منطقة "عفرين" تجربة طويلة ومتميزة في مجال خياطة الألبسة التراثية يدوياً، وقد اتخذت من هذا العمل حرفة أمنت لها ولأسرتها دخلاً جيداً وذلك خلال أكثر من 40 عاماً.

مدونة وطن "eSyria" التقتها بتاريخ 8 آذار 2015، وسألتها حول تجربتها في مجال الخياطة التراثية، فقالت: «بدأت تعلم الخياطة عام 1975، وذلك على يد امرأة سورية – أفريقية* من قرية "تل عران" شرقي "حلب"، وكنت حينها عازبة لأنه وبموجب العادات والتقاليد على الفتاة أن تتعلم المشغولات اليدوية كي تقوم بنفسها بخياطة وعمل لوازم بيتها وعرسها.

إن عملي يشهد ضغطاً كبيراً خلال شهر آذار ففي الواحد والعشرين منه عيد "النوروز" وفيه يخيّط الناس عموماً ومن كلا الجنسين والأطفال اللباس الفلكلوري والتراثي الخاص بالمناسبة

ومع مرور الوقت أتقنت العمل في مجال الخياطة الذي كان يتم بواسطة الماكينات اليدوية، ولكني لم أكن حينها أخيط للناس إنما فقط لوالدي وأقربائي وجيراني ومن دون مقابل، ومن مصاعب العمل في تلك الفترة أننا كنا نقوم بعملية تسمى "التسريج" أي الخياطة اليدوية بالإبرة والخيط وهي خياطة مؤقتة للملابس، وبعد أن يلبس الشخص اللباس نراقب قياس الثوب فإن كان مناسباً أكملنا الخياطة بالماكينة فوق "التسريج" السابق، أما إذا كان يحتاج إلى التضييق أو التوسيع فكنا نفك "التسريج" لنبدأ تسريجاً جديداً حتى يصبح القياس مناسباً.

فاطمة أحمد

في العام 1978 تزوجت من رجل موظف لكنه توفي نتيجة حادث سير في العام 1985، تاركاً لي أربعة أولاد يحتاجون إلى الرعاية، وبما أنني لم أكن أملك مصدر دخل كافٍ يعيلني حينها فقد لجأت إلى اتخاذ الخياطة اليدوية كحرفة لي كي أعيش منها أنا وأسرتي».

وتضيف العمة "فاطمة": «بدأت عملي في الخياطة النسائية داخل بيتي بـ"حلب" في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وحينها لم تكن المهنة شائعة كثيراً؛ لذا كان بيتي يعج بالنسوة من مختلف حارات "حلب"، وهذا ما ساهم بتحسن وضعي المعيشي وبات باستطاعتي رعاية أولادي وإدخالهم المدارس وتأمين كل ما يرغبون به.

بياظ إبراهيم

لقد عملت في هذا المجال مدة لا تقل عن أربعين عاماً، حيث كنت أسهر يومياً حتى ساعات الصباح الأولى لتأمين متطلبات النساء من فساتين ومتطلبات المعمرين من "شراويل وقمصان" وغير ذلك، وقد كنت أشعر خلال عملي بسعادة بالغة لأنه كان معيلي في حياتي.

مع مرور الزمن انتشر الخياطون والخياطات كثيراً، وتغيرت أساليب الخياطة جذرياً، حيث حلت الألبسة العصرية محل الألبسة التراثية، ورغم ذلك لم يتأثر عملي بهذا الواقع الجديد لأن جميع زبائني من المعمرين والمعمرات الذين لم يتأثروا بموجات الموضة العصرية، وتمسكوا بنمط لباسهم التراثي، فالنسوة المعمرات ما زلن يفضلن "الفستان الكرمانجي" على سواه، كما بقي المعمرون يلبسون "الشروال الأسود" التقليدي؛ وهذا النوع من اللباس لا يتقن خياطته سوى بعض الخياطين والخياطات في المنطقة».

وتابعت: «إن عملي يشهد ضغطاً كبيراً خلال شهر آذار ففي الواحد والعشرين منه عيد "النوروز" وفيه يخيّط الناس عموماً ومن كلا الجنسين والأطفال اللباس الفلكلوري والتراثي الخاص بالمناسبة».

وختاماً، قالت: «هذه باختصار تجربتي في مجال الخياطة وتوظيفها في تحسين وضعي وإعالة أسرتي، وأتمنى من كل امرأة أن تسعى خلال حياتها إلى تعلم عمل ما لاتخاذه كحرفة عندما تحتاج إليه، فوجود عمل معين تعرفه السيدة وتتقنه يساعدها في الظروف العصيبة من حياتها، وفي هذا يقول المثل الشعبي: "الحرفة سوار ذهبي في يد الإنسان"».

السيدة "بياظ إبراهيم" تحدثت عن تجربة السيدة "فاطمة" بالقول: «تملك "فاطمة أحمد" التي أعرفها منذ الطفولة تجربة اجتماعية ناجحة ساهمت من خلالها في إعالة أسرتها ورعايتها بوجه مثالي مدة لا تقل عن أربعين عاماً، وقد ضحت بشبابها في سبيل أبنائها وتستحق بتجربتها المتميزة أن تكون مثالاً للمرأة وقدوة لها في حياتها، وأهم الدروس التي يجب على المرأة تعلمها من تجربتها؛ الصبر والإرادة لتحقيق الطموحات والأهداف».

  • كان والدها سورياً وأمها أفريقية.