حلم الشاب "ساغاتيل باسيل" بأن يحصل على إجازته الجامعية ليتابع دراسته العليا في قسم العلوم السياسية بجامعة "يرفان" بـ "أرمينيا" أوقفه القدر الذي رسم له مساراً آخر غيّر له مجرى حياته بالكامل وحال دون اكتمال الحلم، حيث تعرض لحادث أليم كانت نتيجته فقدانه لبصره.

ولم يستسلم "ساغاتيل" لمشيئة القدر لذلك قرر أن يبدأ مشروعاً جديداً لم يختلف في مضمونه عن مشروعه السابق كثيراً فتحدى إعاقته واستحق احترام الكثيرين ممن يزورونه.

تعرفت على أناس كثر من خلال وجودي هنا لكن الشيء الأجمل هو أنني ألتقي بأشخاص أحببتهم دون أن أراهم وهذه المعرفة أعتبرها أقوى بكثير من رؤيتي لهم لأنني أتخيلهم حسب صوتهم وحسب طريقة كلامهم وتعبيرهم وعندما أكون معهم أشعر بإنسانيتي فعلاً

eAleppo زار الشاب "ساغاتيل باسيل" في مشروعه "نهر الفن" أو "ART RIVER" في منطقة "السليمانية" بـ"حلب" ليتعرف على حكايته وقصة مشروعه الجديد وكيف بدأت ومن كان وراء نجاحه وعن هذا يقول: «بعد حصولي على الشهادة الجامعية في قسم العلوم السياسية بجامعة "يرفان" تعرضت لحادث أليم أفقدني بصري فعدت إلى مدينتي "حلب" وبدأت بالبحث عن الأشياء التي أحبها فوجدت أنها مرتبطة بمواضيع "الفن- الكتب- العلاقة الاجتماعية بين الناس" فنشأت فكرة تأسيس مقهى يختلف في مضمونه عما تحمله هذه الكلمة للناس وأن يبتعد عن مفهوم المقهى الاستهلاكي، فجمعت هذه الأفكار لتكون عبارة عن مقهى يقدم المشروبات المختلفة إضافة إلى كونه مكتبة وصالة عرض للوحات الفن التشكيلي، وهذه الفكرة نشأت عندما كنت أدرس في "أرمينيا" كنت أعمل بمكان هناك مشابه لهذا المكان لكنه أقرب إلى المطعم يسمى "جسر الفن" وهو عبارة عن مطعم يقدم الوجبات السريعة ويبيع الكتب.

أحد زوار المقهى يتصفح كتب المكتبة

لكني وجدت أن تسمية "الجسر" جامدة واخترت بدلاً منها "النهر الذي يعطي نوعاً من الحركة والحياة والاستمرارية في العطاء وقد شجعتني عائلتي على تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وفعلاً تم افتتاح المقهى بإقامة أول معرض للفن التشكيلي بتاريخ 22/7/2005م ولاتزال حركة الفن التشكيلي مستمرة في المقهى وأتعمد في كل مرة أن أقيم معارض فنية لفنانين شباب أصحاب التجربة الأولى في هذا المجال بهدف تشجيعهم والأمر لا يمنع من إقامة معارض لفنانين أصحاب التجارب السابقة فالمقهى وجد من أجلهم، والهدف من المعرض ليس مادياً لأننا نتقاضى مبلغاً رمزياً وهو /1000/ليرة سورية مقابل إقامة المعرض لمدة شهر واحد، وقد بلغ عدد المعارض المقامة منذ تاسيس المقهى إلى الآن حوالى /34/ معرضاً فردياً وجماعياً».

يضم المقهى مكتبة ضخمة تحوي في ثناياها مجموعة كبيرة من الكتب القيمة والتي كانت بالأساس مكتبته الشخصية في منزله فأراد أن تكون كتبه في متناول الجميع، عن هذه المكتبة وما المشاريع القادمة فيها؟ يحدثنا السيد "ساغاتيل " فيقول: «يعود أساس المكتبة الموجودة هنا إلى مكتبتي الخاصة في منزلي والمؤلفة من /600/ كتاب بالأصل وتختلف في مضامين كتبها وتتنوع فتبدأ من الكتب المصورة ولا تنتهي عند كتب الأسرة والتربية وكتب العلوم والطاقة والتصوف والدراسات الدينية والتاريخية إضافة إلى القواميس المختلفة وكتب التراث المتنوعة، ومع مرور الزمن توسعت المكتبة واصبح عدد كتبها يتجاوز/1600/ كتاب وذلك من خلال الكتب التي أقتنيها في كل فترة إضافة إلى كتب الإهداءات التي تأتي من خلال تقديم أصحابها لي فكل كاتب أو مؤلف يزور المكتبة يقدم كتابه هدية لي ويضع توقيعه عليه ويبقى الكتاب متاحاً للزوار، وأحاول أن أنشئ قسماً جديداً في المكتبة يحمل اسم "الأدب السوري" ليختص بكتب الأدباء السوريين كما أفكر بإنشاء قسم خاص للكتّاب الحلبيين وبدأت بكتب الأستاذ "سمير طحان" و"خير الدين الأسدي" و"وليد إخلاصي" وغيرهم.

الشاب عبيدة دباغ

طبيعة المكان وترتيبه تحمل في طياتها حلماً ثقافياً كبيرة حاول "ساغاتيل" أن يتمسك به قدر الإمكان، فحتى طاولات المقهى استطاع أن يستغلها ضمن مشروعه الثقافي بأسلوب مميز فكل طاولة لها قصة وعنوان، ووحده "ساغاتيل" الذي يضعنا بالتفاصيل فيقول: «تتوزع طاولات المقهى على غرفه الثلاث وحاولت أن أضع لكل طاولة اسماً خاصاً بها تحمله وربطت هذه الأسماء بأسماء أدباء عالميين منهم الكتّاب ومنهم الشعراء ومنهم الفنانون فاخترت اسم الأديب "جبران خليل جبران" والشاعرين "نزار قباني" و"محمد الماغوط" كما اخترت كاتبين من أرمينيا هما "باروير سيفاك" و"وليام سارويان" إضافة إلى الكاتب الروسي "تيودور دستويفسكي" والكاتب الإنكليزي "جورج أروويل" إضافة إلى طاولات وضعت فيها بعضاً من قرطاسياتي التي كنت أستعملها في دراستي وأخرى تضم بعضاً من ألعابي التي أحتفظ بها منذ طفولتي».

كوَّن "ساغاتيل" علاقات اجتماعية كثيرة وتعرف على أصدقاء جدد كان "نهر الفن" هو صلة الوصل بينهما، وعن هذه الصداقة فيها يحدثنا فيقول: «تعرفت على أناس كثر من خلال وجودي هنا لكن الشيء الأجمل هو أنني ألتقي بأشخاص أحببتهم دون أن أراهم وهذه المعرفة أعتبرها أقوى بكثير من رؤيتي لهم لأنني أتخيلهم حسب صوتهم وحسب طريقة كلامهم وتعبيرهم وعندما أكون معهم أشعر بإنسانيتي فعلاً».

إحدى طاولات المقهى وتتجمع فيها قرطاسية "ساغاتيل"

زوار دائمون

الشاب "عبيدة دباغ" يحمل إجازة في علم الاجتماع من جامعة "حلب" وهو أحد الزوار الدائمين لمقهى "نهر الفن" وعندما سألناه عن سبب اختياره لهذا المكان للتواجد فيه بشكل دائم قال: «صار لي أرتاد هذا المكان منذ ثلاث سنوات تقريباً لأني أجد فيه الجانب العملي تماماً بحيث أستغله على اعتباره مكتبة بإمكاني القراءة فيها، وكل قارئ يبحث عن مكتبة مناسبة تتوافر فيها الشروط العملية ليستطيع القراءة والاستمتاع بآن إضافة لما يرتبط به هذا المكان من مكونات جمالية أخرى كالهدوء وتنسيق المكان وهو سبب انجذابي إلى هنا، كما أن اختصاصي بعلم الجمال ساعدني خلال الفترة السابقة إلى تأليف كتاب فلسفي يتناول جوانب هذا المكان من خلال دراستي للمثاقفة البصرية ومن خلال وجودي شبه الدائم هنا تبين معي أن هناك بعض المقاطع البصرية التي تستطيع أن تتلو ثقافة المكان بشكل انسيابي وهذه كانت دراستي».

أما السيد "هاكوب نالبنديان" فأضاف: «نحن نعرف هذا المكان منذ تأسيسه تقريباً وتعرفنا إليه بالمصادفة لكن مع مرور الوقت أصبح كل من "ساغاتيل" وفريق عمله هنا من ضمن أصدقائنا الذين اعتدنا على رؤيتهم في كل يوم إضافة إلى أن هذا المكان أتاح لنا التعرف على أصدقاء جدد مازلنا نتواصل معهم، أشعر بالراحة النفسية عندما أتناول كتاباً ما من المكتبة أو أستمتع بالموسيقا الدافئة وهذا يصنع لي جواً مختلفاً عن الحياة اليومية وضجيجها».