في صوته عبق التراث وأصالة "حلب"، هو من جيل المطربين الذي كرسوا أصواتهم لإحياء الطرب الحلبي الأصيل والأغاني التراثية التي لطالما ميزت مدينة "حلب" عن باقي مدن العالم. مقل في حواراته حيث يجد الغناء هو لغة الحوار الأولى، تم تكريمه في العديد من الأمكنة ضمن القارة الأوربية والأمريكيتين إضافة إلى الدول العربية. هو الأستاذ الفنان "عمر سرميني".

متواضع رغم الشهرة التي تسبقه في كل مكان، التقى مع مراسل الموقع في ابتسامة استمرت منذ أول اللقاء حتى آخره. حاولنا أن نستعرض في اللقاء تاريخه ومراحل حياته حيث كان الحوار التالي...

سيكون لدي هذا الصيف في "تونس" حفلتين أو ثلاثة في مهرجان "الحمامات" وفي مدينة "سوسة". وهناك أيضا بعد فترة مهرجان في دولة "البحرين" وفي "المغرب"

ـ الأستاذ "عمر"، حبذا لو تكلمنا عن بداياتك؟

الفنان "عمر سرميني" مع مراسل الموقع

«بدايتي كانت في سن مبكرة نوعا ما، كان والدي هو الشيخ "محمد سرميني" المنشد المعروف والذي توفى منذ عشرين عاما. كان الوالد خريج "المدرسة الخسروية الشرعية" ومحب للطرق الصوفية التي كانت منتشرة آنذاك مثل الطريقة "الرفاعية" و"القادرية" و"النقشبندية" و"الرشيدية" وغيرها على تعددها. كان والدي يصطحبني معه منذ كان عمري ما بين /9-10/ سنوات، وكنت أستمع لهؤلاء المنشدين الموجودين والذين كانوا هم من صفوة المنشدين في مدينة "حلب". برأيي كانت تلك البداية هي خير بداية لأي مطرب لأن الإنسان هنا يهذب أذنه عن طريق الاستماع إلى كل شيء أصيل وشرقي وصحيح كما والأذكار تهذب ملافظ الحروف الأمر الذي يتوجب على المطرب أن يتقنه جيدا».

ويتابع بأنه اعتاد في صغره ارتياد الزوايا الدينية المنتشرة في مدينة "حلب" حيث كان يتواجد في كل زاوية منشد من المنشدين المتميزين وكان لكل زاوية طريقتها بالإنشاد وما هو خاص بها حيث يضيف قائلا:

مشاركة الفنان "عمر سرميني" في الأيام السورية الألمانية

«تقوم هذه الزوايا الدينية بتعليم المطرب كيف يغني بشكل جيد، وكيف يلفظ الحروف بشكل سليم حتى يصبح عنده بالنتيجة مخزون هائل من الموشحات والقصائد والإنشاد الديني. كما عملت أيضا في مجال الأذان وتسميع الصلوات والتي كانت تعتبر من بداياتي أيضا. كنت أستمع إلى عدد من شيوخ الطرب المعروفين في مدينة "حلب" منهم الشيخ "عبد القادر رشيد" من الطريقة الرشيدية، والشيخ "عبد اللطيف قضيماتي"؛ كما عاصرت الشيخ "بكري الكردي" الذي كان يؤذن لصلاتي المغرب والعشاء على اعتبار أن منزلي القديم كان قرب "الجامع الأموي الكبير" والذي لا زال موجودا حتى الآن الأمر الذي جعلني أتعلم الكثير عن فن الموشحات».

رباعي شباب العروبة..

بعد ذلك درس الأستاذ "عمر سرميني" العود عند الأستاذ "محمد قصاب" والذي يقول عنه أنه كان أستاذا فاضلا، ومن ثم تابع عند الأستاذ "كمال أبو الفضل" و"نديم درويش" حيث تعلم بعض الموشحات في "معهد حلب للموسيقى. بعد ذلك عمل لفترة مع الأستاذ "عبد الرحمن مدلل" في مجال الإنشاد والفنان كبير "فؤاد خان طومان" الذي توجه للإنشاد لاحقا، بعدها ذهب لخدمة العلم والتي شهدت نشاطات خاصة بها إنما كانت أقل ويتابع قائلا:

الفنان "عمر سرميني" والفنان "صبري مدلل" في حفلة داخل الخزان الأيوبي

«في فترة الثمانينات كنت أرتاد نادي "شباب العروبة" بسبب نصيحة صديق لي هو عازف الناي "محمد خير نحاس". آنذاك كان مدير النادي هو الدكتور "زهير براق" حيث كانت تجري في النادي سهرات يحييها عدد من المطربين أمثال "رضوان سرميني" و"عبود بشير" و"نهاد نجار" (مع حفظ الألقاب). وقتها، خطرت ببال الدكتور "زهير" فكرة "رباعي شباب العروبة" والتي تقوم على أن نغني نحن الأربعة ضمن الأمسيات الفنية مع بعضنا البعض. في البداية لم تكن الفكرة منطقية إلا أن الموجودين قالوا بأن الأستاذ "صباح فخري" كان قد شكل رباعيا في فترة من الفترات مع "مصطفى ماهر" وآخرون في الماضي فقررنا العمل على الفكرة».

ويضيف بأن البروفات بدأت في أواخر الثمانينات حيث أقيمت عدة حفلات نالت صيتا حسنا في كل أنحاء القطر السوري ويضيف قائلا:

«بقي هذا الرباعي مستمرا زهاء فترة أربع أو خمس سنوات ومن ثم انفرط عقد الرباعي حيث اتجه "رضوان" إلى "دمشق" وسافر "نهاد" إلى "اليونان" أما أنا فكانت أعمالي قد خفت بسبب أداء الخدمة الإلزامية أما "عبود" فقد التجأ إلى الحفلات. وبعد أن شق كل واحد منا طريقا أصبح لكل واحد جمهوره الخاص به وبدأت الانطلاقة الفعلية له. منهم من أصبح يغني الأغاني الدارجة أما أنا فاخترت غناء القدود والطرب والموشحات والقصيدة ولم أغير ولكن قمت ببعض التغييرات إنما لم أخرج عن الخط الذي ما زلت ملتزما به حتى الآن».

جوليان جلال الدين...

ويتابع السيد "عمر" قائلا بأنه شارك في العديد من المهرجانات في الدول العربية حيث يضيف بالقول:

«شاركت في عدد من المهرجانات العديدة، وسافرت إلى الكثير من دول العالم ولله الحمد. بدأت على نطاق "سورية" ومن ثم البلاد العربية حيث شاركت في مهرجان "قرطاج" في "تونس" ومهرجان "فاس" في "المغرب" ومهرجان "عيد الاستقلال" في الجزائر، ومهرجان "الموسيقى" في "الكويت"».

بعد ذلك كان اللقاء مابين السيد "عمر سرميني" والمستشرق الأوروبي "جوليان جلال الدين فايس" والذي يقول عنه السيد "عمر":

«"جوليان جلال الدين" هو عازف على آلة "القانون" جاء إلى "حلب" قادما من "دمشق" يحمل رغبة كبيرة بالتعاون مع مطربي "حلب". وقد وجه لي السيد "محمد قدري دلال" مدير المعهد العربي للموسيقى الدعوة للقاء "جوليان" قائلا بأن لديه فرقة "الكندي" ويريد التعاون معي، زرته وكان شعوره بالفرح كبير حيث طلب التعاون معي في إحياء حفلات ضمن مهرجانات خارج "سورية" وقد قدمت معه أكثر من حفلة».

ويضيف بأن المرحلة التالية تمثلت في لقائه مع الحاج "صبري مدلل" حيث اقترح "جوليان" عمل (دويتو) مع الحاج "صبري" بطريقة قريبة لما كان يحدث في الصالونات الحلبية قديما، ورحب السيد "عمر" بالفكرة وكان اللقاء مع الحاج "صبري" في منزل "جوليان" حيث يقول عن هذا:

«بدأنا بعمل البروفة مع الفرقة واتفقنا على برنامج معين مدته ساعة ونصف تقريبا وقمنا بأدائه في سهرة نالت استحسان الكثيرين. بعد ذلك قام "جوليان" بتسجيل قرص مدمج لنا لتسويق العمل في الخارج وهو موجود وموثق حتى الآن وبدأ يسوقه خارج الوطن العربي بشكل كبير الأمر الذي أدى إلى أن تتوجه الدعوات إلينا حيث زرت مع الفرقة كثيرا من الدول العربية والأجنبية».

وكانت أول أمسية أحياها في "أوروبا" هي في "باريس" ضمن "معهد العالم العربي" ومن ثم "دار الأوبرا" و"مسرح المدينة" حيث كان نمط الأمسية يقوم على غناء السيد "عمر" لمقطع ومن ثم يرد عليه الحاج "صبري" وهكذا وكانت حوارية جميلة جدا كما يقول، ويتابع قائلا:

«درنا قارات "أوروبا" وزرنا "استراليا" و"نيوزيلندا" و"البرازيل"؛ وكل الحفلات موجودة وموثقة. لكن بعد فترة بدأ الحاج "صبري" يتعب من كثرة الرحلات والسفر وقرر التقاعد. فطلب "جوليان" أن نقوم بعمل برنامج يدافع عن صورة العرب أمام الغرب وذلك بعدما لطخت أحداث الحادي عشر من أيلول سمعة العرب هناك. وقمنا بإعداد برنامج جديد بموشحات جديدة لم نتناولها مع الحاج "صبري"، وسجلنا هذا العمل في "باريس" بعدما جهزناه هنا بشكل جيد حيث كنا نستغل فترة وجودنا في "باريس" أثناء الحفلات التي نقدمها للقيام بالتسجيل، وما زالت الألبومات موجودة ومتداولة "أوروبا" وبقينا نعمل على هذا النحو لفترة».

ويتابع بأنه بعد فترة تلقى دعوة من الحكومة الاسبانية لتسجيل الموشحات الأندلسية حيث كانت الفكرة أن يتم توثيقها وتسجيلها بصوت شرقي فطلبوا منة أن يسجلها بصوته مرسلين إليه مندوبا خاصا للحديث معه في هذا الموضوع وكانت الموافقة من قبله.

تكريم في أكثر من مكان...

وقد نال السيد "عمر" الكثير من التكريم في العديد من المناسبات والدول حيث يقول عن هذا:

«كرمت في مهرجان الأغنية السورية في "سورية" و"نقابة الفنانين"؛ كما كرمت في "المغرب" في مهرجان "فاس" أكثر من مرة وفي "تونس" أيضا. أما في "أوروبا" فقد تم تكريمي في "فرنسا" ضمن "مسرح المدينة"، كما تم تكريمي في "ألمانيا" أثناء عملي مع مؤلف ألماني كبير هو "كلاود أوفر" في عمل ضخم تم تكريمنا عليه».

وعن رأيه في واقع الطرب والمطربين في مدينة "حلب":

«المشكلة أن الفنانين الذين يحاولون العمل في الساحة حاليا يقومون بالتماشي مع الأجواء لقاء الكسب المادي. ويعتبر مجال الأعراس هو المجال الوحيد الذي يمكن لأي فنان حلبي أن يبدأ فيه حتى يكسب ماديا، أما بالنسبة للحفلة التي تتم على مسرح في مديرية الثقافة أو نقابة الفنانين أو أي مسرح آخر، فإن الناس تأتي لتستمع ولا تأتي لتأكل أو تشرب أو تزف العريس. أفضل أن أغني في مسرح والناس قادمة لكي تستمع لي. قد أعمل في مجال الأعراس ولكن بتحفظ حيث لا أعمل في أي عرس حتى أعرف النوعية والمكان والناس إلى حد ما؛ ومن يوجه الدعوة إلي فهو لديه فكرة أكيدة عن نمط الغناء الذي أقوم به. هناك شباب من الجيل الجديد كانوا مميزين ولكن للأسف عندما وصلوا إلى مرحلة المعاناة المادية ابتعدوا عن التراث وحاولوا مجاراة الجمهور في الأعراس».

ويتابع بأن عدد الحفلات التي أقامها في "سورية" كانت قليلة على اعتبار أنه يحاول دائما الاختيار، أما على صعيد خارج سورية فسوف يكون لديه خلال هذا الصيف (صيف عام 2009) عدد من الحفلات أبرزها:

«سيكون لدي هذا الصيف في "تونس" حفلتين أو ثلاثة في مهرجان "الحمامات" وفي مدينة "سوسة". وهناك أيضا بعد فترة مهرجان في دولة "البحرين" وفي "المغرب"».

وعن تقبل الطرب الحلبي من قبل الناس خارج "سورية" فيقول عن هذا الموضوع:

«يعتبر تقبل الآخرين للطرب الحلبي أفضل بكثير من تقبل الجمهور الحلبي للطرب الحلبي! فتلاحظ أن التفاعل من قبل المستمع الغير حلبي هو كبير وعطش لأن يسمع أكثر وأكثر وخصوصا ضمن العالم الغربي. في "البرازيل" على سبيل المثال، كنت أستغرب مدى تفاعل الجمهور مع الجملة الموسيقية؛ ربما قد لا يفهمون ما نقدم من كلمات ولكنهم كانوا مشدوهين بالموسيقى وطريقة الغناء المختلفة وردة الفعل كانت ممتازة حيث كان والجمهور لا يقوم بأي رد فعل حتى ننتهي ومن ثم ينفجر في الهتاف والتصفيق».

وقد كانت الكلمة الأخيرة التي قالها السيد "عمر" هي:

«أرجو من جيل الشباب النشيطين المندفعين من الإعلام أن يحاولوا قدر المستطاع تسليط الضوء على حياة الفنانين السوريين الشباب المغمورين حتى نوجه الأنظار إلى هؤلاء الشباب حتى لا ينسوا البدايات الصحيحة ولكي يتابعوا في مجال غناء التراث والطرب الأصيل والذي هو رمز "حلب"».