وجود الأشياء وهندستها كان منارته للبحث والاستكشاف في أسفاره، فاستطاع أن يكون مُلماًّ بعلوم عدّة ويخوض غمار العمل تاركاً بصمته أينما حلّ؛ إنه الدكتور المهندس "رامي يوسف خليل" دكتور الهندسة الوراثية النباتية والإدارة الاقتصادية، وصاحب المبادرات الإنسانية والاختراعات العلمية المبتكرة.

مدوّنة وطن "eSyria" تواصلت مع الدكتور "رامي يوسف خليل"، فتحدث عن نشأته وحياته قائلاً: «نشأت ضمن أسرة أكاديمية، وكبرت بين الكتب والألعاب كحال جيل الثمانينات، كان موضوع الثقافة حاضراً بقوة وضمن معطيات تلك المرحلة، تواصلنا مع العالم عبر مجلات وصحف ومراسلات بريدية. كنت أدّخر مصروفي الأسبوعي المتواضع آنذاك (5 ليرات سورية) لشراء القصص المصورة والروايات ومجلات: "أسامة"، و"سامر"، و"مجلتي"، و"المزمار"، و"المختار"، و"العربي"، و"المستقبل"، و"الدفاع العربي"، و"استراتيجيا"، و"مجلة العلوم"، وأظنّ أن الكثيرين من القراء الشبان لن يعرفوا ماذا كانت تعني تلك المجلات من كنز كبير لأبناء جيل لم يكن "مارك زوكربرغ" قد ولد بعد.

كان لي الشرف أن أكون أستاذاً لطالب مجدّ وذكي وعصامي يقدّر العلم والمعرفة، وهو سليل أسرة كريمة مثالية وأكاديمية أنشأته على حب العلم والقيم الاجتماعية التي ترافقت مع الأخلاق النبيلة والصدق في الوصول إلى هدفه ضمن معايير احترام الذات والآخرين في آن معاً، كما يتميز البروفيسور "رامي" بحبه وشغفه للإبداع والابتكار واحترام الوقت

كنت -ولا أزال- أشعر بتلك الرهبة حين أكون بين دفتي كتاب أو أمام الورق الملون للمجلات، وأنسى نفسي لساعات وساعات أحلّق بين السطور وأسافر عبر الزمن، وكان الفضل لوالدتي التي كانت معلمتي في المدرسة، حيث كانت معلمة اللغة العربية التي أخشى -وما زلت- أن أقع في زلة إعرابية أو نحوية أمامها».

رامي خليل في الجامعة

ويضيف: «كان لِزاماً عليّ قبل شراء أي كتاب أو العدد الجديد من أي مجلة، أن أقرأه وألخصه وأخرج بموجز عنه، حيث لم تكن ترضيها القراءة الهامشية، وعندما وصلت إلى الصف الثامن الإعدادي، كنت قد أنهيت قراءة الكثير من أعمال "حنا مينا"، و"حيدر حيدر"، و"زكريا تامر"، و"غادة السمّان"، و"غسان كنفاني"، وديوان "الحماسة"، وأشعار "أبو فراس الحمداني"، و"المتنبي"، وفحول الشعر العربي، وشاركت بمسابقة رواد الطلائع في "حلب" لثلاث سنوات متتالية 1981-1982-1983، وفزت في مسابقة رواد الفصاحة والخطابة إضافة إلى رواد الفيزياء حينئذٍ».

وعن هواياته التي أصبحت اهتمامات فيما بعد، يقول: «لا شك أن التأثر بالجو العائلي لعب دوراً في توجيه هواياتي، كنت أشعر بعزلة عن أقراني الذين كانوا يملؤون أوقات فراغهم بلعب الورق وغيرها من الألعاب التي لم تشدني. في الصف الأول الثانوي، وفي مطلع مراهقتي أحضر والدي آلة كاتبة ومجموعة أوراق وطلب مني كتابة رسالة باللغة الإنجليزية، كانت مهمة شاقة ملأى بالضجيج المصحوب بنقرات الحروف والأخطاء الإملائية العديدة، وبعد مدة وجيزة أصبحت أعزف على لوحة المفاتيح كأنني كاتب معتق، فصرت أكتب نصوص الشعر والأدب، وبدأت أبحث عن عناوين الشركات والجامعات العالمية وأتواصل معها، وكانت أكبر فرحة لي عندما أذهب إلى صندوق البريد لأرى الرسائل والكتب والمجلات تأتيني من كل أنحاء العالم، كان والدي ومازال يؤمن بالاستثمار في تربية الأبناء، وحرص دوماً على إعطائي الميزة النسبية بين أقراني، فأحضر لي عام 1984 من "بريطانيا" جهاز حاسوب شخصي ثمنه كان يعادل راتبه الشهري، وكانت تلك مرحلة أخرى فتحت لي نافذة على عالم المعلوماتية والبرمجة، وساهم في إتقاني اللغة الإنكليزية؛ لكونها لغة البرمجة والعلوم الحديثة».

من حفل آمال

تسجيله الجامعي لم يخلُ من الغرابة، وهنا يتحدث قائلاً: «بعد حصولي على الثانوية العامة كنت في حيرة من أمري؛ فبين ضغط المجتمع الذي يقيس النجاح حسب المردود المادي المرجو من تخصص جامعي دون سواه، وعروض الدراسة في الخارج؛ فقد كنت في زيارة إلى مزرعة جديّ الجميلة في "اللاذقية"، وسألني عن نبات الليف، فقلت إنه كائن بحري (ظناً مني أنّه الليف)، فابتسم وأخذ بيدي بين بساتين الحمضيات يشرح لي عن هذا النبات وذاك، وقال لي: (هذه هي الهندسة الإلهية).

كان لصدى تلك الجملة أثرها في داخلي، فقررت دراسة الهندسة الزراعية بجامعة "حلب"، وفي أول جلسة مخبر نظرت إلى المجهر لأرى أكواناً أخرى متناهية الصغر والتعقيد والتنظيم، وفي سنتي الدراسية الرابعة سافرت إلى "ألمانيا" ضمن برنامج للتبادل الطلابي مع جامعة "جيسين فون ليبغ"، حيث كانت أول تجربة لي في العيش والعمل بعيداً عن بلدي لأربعة أشهر، فتحت لي هذه الفرصة أفقاً ورغبة بمتابعة التحصيل العالي ودراسة اللغة الألمانية لاحقاً، وبعد تخرّجي وجدت نفسي أمام تحديات أخرى، وتمَّ تعييني في المؤسسة العامة لإكثار البذار، وكانت تجربة مميزة حيث العمل الحقلي مع المزارعين، وأثبت جدارتي فتمَّ اختياري لأكون مدير المركز الألماني لغربلة وإنتاج البذار، وفي الوقت ذاته كنت أتابع دراساتي العليا في كلية الزراعة وكلية التجارة والاقتصاد».

د. فيصل ميا

كما أن دراسته واهتمامه بالتكنولوجيا فتحا الباب أمامه للاختراع، فيقول: «من خلال عملي الحقلي مع المزارعين، لمست العديد من المشكلات والصعوبات التي تعيق عملية الإنتاج، وتحول دون تحقيق المردودية المنشودة؛ وهو ما يزيد من صعوبة العمل الزراعي، ولكون الحاجة أمّ الاختراع؛ فقد قمت بالعديد من الدراسات لوضع حلول لهذه المشكلات، وقمت باختراع العديد من الأجهزة والمعدّات، ولديّ أربع براءات اختراع، وهي: جهاز طرد "الخلد" وفأر الحقل بالأمواج الفوق الصوتية، وجهاز الاشتعال الإلكتروني لتوفير الطاقة للسيارات وتخفيف تلوث البيئة، ومرش المبيدات الضبابي، وتسخين ماء مساحات السيارة باستخدام حرارة المحرك.

كما شاركت بمعرض "الباسل" للإبداع والاختراع، ونلت الميدالية الذهبية في أعوام 1999-2000-2001 على التوالي، وكذلك جائزة أفضل اختراع في العالم عام 2000 من جمعية المخترعين الهنغارية. وكنت في لجنة تقييم المخترعين لاحقاً، وعضواً في الجمعية السورية للمخترعين، وجمعية المخترعين العرب».

وعن عمله يتحدث قائلاً: «عملت مع المعهد الدولي للمصادر النباتية الوراثية في "إيطاليا"، ولدينا مكتب إقليمي في "حلب"، وكنت أعمل كمسؤول للإعلام والتوعية العامة لوسط وغرب "آسيا" وشمال "إفريقيا"، وخلال عملي في هذه المنظمة الدولية أُتيحت لي فرصة العمل مع المزارعين ومؤسسات البحث العلمي في كل دول المنطقة. وأفخر بأنني ساهمت في إنشاء الكثير من البرامج الوطنية التي ساهمت وتساهم في تحسين حياة المزارعين ونقل التقانات وتوثيق المعرفة المحلية، والمساهمة في توليد الدخل والحفاظ على التنمية المُستدامة.

ومن المشاريع التي ساهمت بتنفيذها كان مشروع تحويل مكبي النفايات في مدينة "النبك" إلى حديقة بيئة لحفظ التنوع الحيوي الزراعي الآخذ في التدهور في منطقة "القلمون"؛ بالتعاون مع المجتمع المدني في مدينة "النبك" ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والسفارة السويسرية في "سورية". وكنت في ذات الوقت رئيس تحرير مجلة المركز العلمية، حيث كنا ننشرها باللغات العربية والإنكليزية والروسية. كما أنني عضو في لجنة العلوم الزراعية في المجلس الأعلى للعلوم في "سورية"، وأسست أول شبكة إعلامية متخصصة في التنوع الحيوي الزراعي في الوطن العربي، حيث ضمت خيرة الإعلاميين في الوطن العربي بهدف المساعدة على تسليط الضوء واستثمار قوة الإعلام في القضايا البيئية، ومحاربة الفقر ومشكلات الزراعة والمزارعين.

بعد ذلك انتقلت للعمل في المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة "إيكاردا"، وتابعت العمل ببنك الجينات لحفظ الأصول النباتية في "حلب"، وساهمت في بنك يوم القيامة في "النرويج" للمحافظة على الأصول الوراثية النباتية للبشرية».

وعن المنظمة السورية للمعوقين "آمال" وعمله فيها، يتحدث قائلاً: «لطالما عملت خلال عقد من الزمن مع المجتمعات المحلية ولامست هموم ومشكلات الناس، كنت أشعر بوطأة ظل الإعاقة وطرائق التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة في عالمنا العربي، في ظل غياب أو قصور القوانين المتعلقة بهذا الجانب، حيث إنها بأحسن الأحوال تأتي من وجهة نظر خيرية وليست ضمن إطار استحقاق ومواطنة، وعندما سنحت لي الفرصة للعمل في هذا الميدان، لم أتوانَ عن ذلك من خلال انضمامي إلى أسرة المنظمة السورية للمعوقين "آمال" والعمل كمدير تنفيذي لها، كانت مسؤولية كبيرة ملأى بالتحديات والنجاحات، فالعمل الاجتماعي والأهلي ليس بجديد على المجتمع السوري، لكن تنقصه البنية التنظيمية والعمل المؤسساتي.

نجحت مع فريق عملي في تكريس ثقافة الدمج بين الشخص ذوي الإعاقة والمجتمع؛ سواء دراسياً أو على الصعيد العملي والاجتماعي، وأسسنا برامج الدراسات العليا مع جامعة "دمشق" في مجال تأهيل اختصاصيين في الإعاقات السمعية لسدّ النقص الكبير في "سورية" لهذا التخصص، وكذلك تأسيس الملتقى الوطني للإعاقة الذي يجمع كل الجمعيات والمنظمات الأهلية التي تعمل في هذا المجال من أجل تبادل الخبرات ومشاركة الإمكانات وحشدها لتطوير العمل المؤسساتي. إضافة إلى ذلك ساهمنا في تنظيم العديد من الفعاليات والنشاطات التي يعود ريعها لتأهيل الأطفال ذوي الإعاقة، ومنها دعوة النجم العالمي "براين آدمز" عام 2010 لإقامة حفل غنائي في قصر المؤتمرات لدعم أطفال "آمال"، وتسلمت رئاسة تحرير مجلة "آمالنا"، وكنت أمثّل "سورية" في منظمة التأهيل الدولي، وقمت باستخدام شبكة العلاقات الدولية التي لديّ وعلاقاتي بالجهات البحثية والجهات المانحة لدعم قضايا الإعاقة والتأهيل في "سورية"».

أما فيما يتعلق بعمله في "الصين"، فيقول: «في عام 2013، تمَّ تأسيس كلية الدراسات الدولية في جامعة "سيتشوان"، وتمت دعوتي لأساهم في تأسيس هذه الكلّية والتدريس فيها، وبعد ست سنوات قمت بتدريس أكثر من 3000 طالب، وتدريس 20 مقرراً، وأشرف على 60 طالب ماجستير، و5 طلاب دكتوراه، ومازالت "سورية" تنبض في وجداني وحاضرة معي، فقمت بتأسيس مركز دراسات استراتيجية للشرق الأوسط، نحاول من خلاله تقديم دراسات ومشاريع جدوى تربط "الصين" مع العالم العربي، وإعطاء صنّاع القرار رؤية واضحة حول فرص التعاون بين "الصين" والعالم العربي، خصوصاً أن "الصين" قد أطلقت قبل خمس سنوات مشروع "الحزام والطريق"، أو ما يُعرف بطريق "الحرير" الجديد، حيث أقدم استشارات للحكومة الصينية بهذا المجال. وقمت بتأسيس التعاون العلمي والأكاديمي بين جامعتنا وجامعات عربية ودولية. كما أعمل على تأليف الكتب الجامعية والترجمة لكبريات جامعات العالم، ولديّ العديد من الأبحاث في كبريات مجلات البحوث المُحكمة على الصعيد الشخصي. لقد حملت "سورية" الجميلة معي بكل تفاصيلها إلى "الصين"، أنقل صورة بلدي إلى شعب محب وصديق. وأعمل على تأسيس جمعية أهلية في "الصين" لترسيخ الصداقة التاريخية بين الشعبين العظيمين، وأنا ضمن برنامج المهارات الأكاديمية الذي ترعاه وزارة الموارد البشرية في "بكين"».

أما الدكتور "فيصل ميا" الأستاذ في جامعة "دمشق"، اختصاص كيمياء حيوية وتغذية، وقد عمل كمساعد المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة "إيكاردا"، كمدير إقليمي لبرنامج التعاون الوطني المشترك بين "سورية" و"إيكاردا"، فيتحدث عنه قائلاً: «كان لي الشرف أن أكون أستاذاً لطالب مجدّ وذكي وعصامي يقدّر العلم والمعرفة، وهو سليل أسرة كريمة مثالية وأكاديمية أنشأته على حب العلم والقيم الاجتماعية التي ترافقت مع الأخلاق النبيلة والصدق في الوصول إلى هدفه ضمن معايير احترام الذات والآخرين في آن معاً، كما يتميز البروفيسور "رامي" بحبه وشغفه للإبداع والابتكار واحترام الوقت».

ويتابع قوله: «تخرّج في الهندسة الزراعية في "حلب" متفوقاً وشغوفاً بالعلم وطموحاً لتحقيق المزيد من التعمق في دراساته، ثم التحق بالمعهد الدولي للمصادر الوراثية النباتية في فرع "حلب"، وكنت على اطلاع حثيث على مسيرته العلمية المهنية والبحثية، لقد ترك انطباعاً رائعاً لدى إدارة وباحثي المعهد الذين عملوا معه وكانوا من جنسيات عالمية مختلفة، حيث كان مثالاً للعمل الدؤوب الجاد والملتزم بامتياز، ثم شاءت الأقدار أن ينتقل إلى "الصين" ملتحقاً بإحدى جامعاتها العريقة، وانخرط في الكثير من الأعمال العلمية والبحثية والتدريسية، إضافة إلى أعمال ترجمة الكتب العلمية المعنية بالتنوع الحيوي الوراثي من اللغة الإنكليزية إلى العربية، وكان لي شرف المساهمة في بعضها. لقد نذر نفسه لعلمه وعمله الأكاديمي بكل حرفية ومهنية، وفرض نفسه رقماً صعباً على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وهو زميل أبحاث شرف في المركز الدولي للتنوع الحيوي، وأستاذ زائر في جامعة "أبو بكر بلقايد" في "الجزائر"، وعضو في المعهد القانوني للبناء في "إنكلترا"، ومن خلال تواصلي معه علمت كم هو حريص على تقديم كل أنواع المساعدة العلمية لوطنه الأم "سورية"، وأختصر القول: إنه ظاهرة علمية سورية وذو مكانة رفيعة».

الجدير بالذكر، أن الدكتور المهندس "رامي يوسف خليل" من مواليد مدينة "حلب"، عام 1972.