شاعر سوري مبدع تكونت تجربته الأدبية وترعرعت على أرض الوطن وتطورت وصارت أكثر غنى في الغربة. في لقاء مدونة وطن eSyria افتتح الشاعر والأديب "نوزاد جعدان" حديثه حول تجربته الإبداعية في الغربة قائلاً:

«في مطلع العام 2010 بدأت رحلتي في الغربة كحياة أخرى وولادة جديدة حيث تبدل كل شيء من اللحظة التي أقلعت فيها الطائرة، أسلوب الكتابة، طريقة الحياة والتأقلم مع المجتمع الجديد، عبارات جديدة تدخل إلى قاموس الأديب ومفاهيم حديثة تسكن لجة القلب، تلاقح الثقافات والتعرف على ثقافات الآخر ينمّي عند الفرد معارف ويكسبه خبرات كثيرة. أعتبر الغربة معلماً مكملاً في مدرسة الحياة تغني المعارف والخبرات وتجعلك تكتشف أشياء ثمينة وجوهرية سمعت عنها ولكن لم تصدقها إلا بمرورك من خلالها وفي النهاية الحياة رحلة سفر نجوب محطاتها بين العبق والشوك نتعلم من آلامها ونكمل مع آمالها كالرمل دون أجنحة ننتقل من مكان إلى آخر ومن لحظة لأخرى.

أدعو كل شاب في وطني أن يتسلح بالثقافة والعلم ولا يتحجج بالظروف والإمكانيات وإنما عليه أن ينمي موهبته وأن يتخطى الحدود التي تحول دون تحقيق الهدف المنشود وذلك بالإرادة والصبر والاستفادة من أبسط الأشياء التي حولنا، فالأديب يؤرخ وطنه وينقل صورته للعالم بكل إخلاص

في الحقيقة لم أفكر يوماً في الكتابة نفسها كحضور وإنما استخدمتها كباقي الاحتياجات التي نستخدمها دون الالتفات إليها ذاتها كأنها تحديق في سطح البحر لتكتشف ما داخل الأعماق ولتعبر ما وراءه دون أن يكون همي النظر إلى السطح وهناك لحظات جوهرية من التبدل والتغير تفرض تبدلها المائز في حياة الإنسان، لحظات بحث عن كنز كبير يملكه كل منّا هي الذكريات، الخزانة الترابية الممثلة بالإنسان تحمل بداخلها كنزاً ثرياً».

أمسية في النادي الثقافي العربي بالشارقة

بالنسبة له يعتبر "جعدان" عملية إثراء التجربة الأدبية نتاج صداقة يعقدها بينه وبين القلم، يقول: «أحاول التعلم دوماً والقراءة أكثر وأشعر بأن العمر قصير جداً أمام طموحاتي لذا أحاول دوماً استثمار الوقت، وأذكر هنا رسالة الشاعر الألماني "ريلكه" إلى أحد تلامذته يقول فيها: لا أحد يستطيع نصحك ومساعدتك هناك طريقة واحدة فقط، امضِ إلى داخلك وابحث عن أسباب الكتابة من الجذور المنحدرة من أعماق قلبك واعترف لنفسك إذا ما كنت تموت لو توقفت عن الكتابة واقترب من الطبيعة دوماً".

الكتابة برأيي ليست مسألة للتسلية والإلهاء والشهرة هي حالة من حالات الجلوس مع الوعي والوصول إلى قمة الحالات الانفعالية وتعرية المشاعر للوصول إلى حالة التغير هناك البعض حاول ابتكارها كموضة ثقافية وخاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ولكن الماركة الأصيلة ستبين في النهاية الغث من السمين».

أمسية في أبو ظبي

وقال متابعاً: «في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث أقيم لا توجد نواة محددة أو رسمية تضم أدباء سوريين في مجموعة واحدة ولكن هناك نشاطات هامة لاتحاد أدباء الإمارات، وللأدباء السوريين نصيب كبير فيها ولهم دورهم الأدبي الفعال في كل محفل خاص بها.

في العام 2010 وصلت أرض "أبو ظبي" تلك الأرض التي تشهد تحولات جذرية في بنيتها التحتية واسمها الثقافي حيث أصبحت مقصداً لكل حالم عن حياة كريمة وقد تعرفت هناك على شاعرية أدباء الصحراء وعذوبة كلامهم وعفويتهم ومزاجية كتاباتهم وعشقهم الأساسي للبحر، أقمت أول أمسية شعرية لي في المسرح الوطني العام 2010 وسط دعوة كريمة من اتحاد كتاب وأدباء الإمارات وانخرطت في وسطهم الأدبي أكثر فأكثر حيث كنت احضر كل ثلاثاء اجتماع جماعة الأدب ونقاشاتهم الثرية التي زادت من اطلاعي ومعارفي.

أمسية بمناسبة معرض الكتاب الثلاثين

في نفس العام حصدت جائزة "كاستلو دي دوينو" الشعرية العالمية في إيطاليا عن قصيدة من شعر التفعيلة بعنوان "علام البكاء" ترجمتها إلى الإنجليزية وكنت الوحيد من الوطن العربي في ذلك العام وصدر ديوان شعري عن المؤسسة باللغتين الإيطالية والإنجليزية يحمل قصائد الفائزين، بعد ذلك بشهر حصدت جائزة "أرت أتاك" العالمية الشعرية من كرواتيا عن قصيدة بعنوان "أحلام متشرد" وكنت أول شاعر من الوطن العربي يحصد هذه الجائزة، وأصدر المنظمون انطولوجيا شعرية باللغتين الكرواتية والإنجليزية تحمل القصائد الفائزة، وبعد شهرين من الإقامة في الإمارات اتجهت إلى تركيا وقطنت هناك أربعة أشهر بين جمال الطبيعة والحنين إلى زيتون "عفرين" وصور الأهل التي تعلق الروح على كل سنبلة في طريق العودة.

كتبت في تلك الفترة مسرحيتي "بانتظار مهتاب" التي نشرت كاملة في مجلة "الكلمة" الشهرية وهي تتكون من مئة صفحة وثلاثة فصول.

الوطن دوماً في مخيلتي والذاكرة متقدة بخطواته الطازجة هي صور متفرقة متوزعة في كل مكان للأسف مشاغل الحياة هنا تشغلنا عن التواصل معهم وعن أشياء أخرى كثيرة».

وقال متابعاً حديثه حول رحلته الاغترابية: «عدت إلى "أبو ظبي" وشاركت في برنامج "أمير الشعراء" الذي وصلت فيه إلى مرحلة الـ150 شاعراً كما أني شاركت بأمسية شعرية مشتركة في السفارة الفلسطينية في "أبو ظبي" بدعوة كريمة من اللجنة الثقافية وأيضاً أقمت عدة أمسيات في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بأبو ظبي وأمسية في النادي الثقافي العربي بالشارقة وأخرى في فندق جولدن توليب بالشارقة بدعوة من جماعة "صدانا" الأدبية وصدور الجزء الثاني من "موسوعة الشعراء العرب" الثانية حيث تم تكريمي أيضاً، وأمسية في معرض الكتاب الثلاثين بالشارقة بدعوة من دائرة الثقافة والإعلام.

وتعددت أسفاري بين مدن الإمارات "أبو ظبي" و"دبي" و"الشارقة" وكذلك تركيا وإيران وقطر، كل ذلك ألقى بظلاله على أوراقي فأغناها واستهلك نزيف قلبي، الأديب بصفة خاصة ينبذ الروتين والمكان الثابت وتراه مسافراً بجسمه وقلبه وحتى حين جلوسه في مكان تراه شارداً يحدق إلى الماورائيات ويبحث عن الرؤية».

تلك الأسفار أغنت تجربة "نوزاد" وصقلتها ترجمات لعدة قصائد من التركية والإنجليزية حتى أصبح عنده مخطوط جاهز للنشر: «كتبت في عدة صحف ومجلات إماراتية منها "المنارة" و"الرافد" و"هماليل"، كما أصدرت شبكة "صدانا" الثقافية كتاباً أدبياً في "دبي" بعنوان "بوتقة المسك" يحمل قصة مترجمة لي بعنوان "قصر نظر" إلى الفرنسية، كما أصدرت كتاب "سير على أريج صدانا" يحمل السير الذاتية لعدد من الأدباء باللغات الاسبانية والفرنسية والعربية والإنكليزية، وتمت ترجمة عدة قصائد لي إلى اليونانية من ترجمة الشاعرة الإغريقية "فالي تروسي" وصدرت في أنطولوجيات شعرية في اليونان، كما ترجم بعض الأدباء الإيرانيين أعمالاً إلى الفارسية.

وفي مطلع العام 2012 نالت قصتي "خزانة ترابية" جائزة مجلة "العربي" -قصص على الهواء بالتعاون مع إذاعة البي بي سي البريطانية، كما أني تلقيت دعوة من جامعة "أكسفورد" لحضور ملتقى أدبي في الشهر التاسع بمناسبة وجود اسمي بين 2000 شخصية مميزة أدبية من حول العالم، كما تلقيت دعوة من إيطاليا لحضور ملتقى شعراء العالم الشباب في مدينة "تريسته" الإيطالية أيضاً في شهر أيلول والتي نلت جائزة من قبلها عام 2010.

واستقرت رحلتي بنهاية المطاف في الشارقة الإمارة النابضة بالثقافة والعلم، وأعمل حالياً محرراً صحفياً في دائرة الأشغال العامة بعد رحلة مشقات طويلة.

لقد ساهمت هذه الرحلات والأسفار بين مختلف المدن والبلدان بطبيعة الحال إلى صقل تجربتي الشعرية وتطويرها وإغنائها من خلال اكتساب الخبرات بالاطلاع على ثقافات وتجارب متنوعة والاحتكاك بالعديد من التجارب الإبداعية العالمية».

وحول الرسالة التي يرغب في إيصالها للعالم من خلال تجربته قال: «في كل كلمة نخطها يرنو اسم الوطن ويرتبط به، إذاً نحن أمام تمثيل حقيقي للوطن، ونحمل أمانة وطن وشعب بأكمله فإن دلوت حسناً فأنت سوري وإن لم توفق أيضا فأنت سوري هي مسألة ارتبطت بك وعليك كسفير لوطنك أن تحمل اسمه عالياً وأن تحاول أن تمثله خير تمثيل الكثير من الناس يؤمنون بردود الأفعال والنظرة الأولى.

الحمد لله نحن في سورية بلد غني بثقافاته ومعظم من في الخارج من السوريين هم من المثقفين والذي تبوؤوا مناصب عليا لذا سنحاول أن نزرع في كل درب نمر منه شتلة زيتون وأن نهدي كل شخص يمر بمحاذاتنا ياسمينية دمشقية لترصع صورة الوطن الجميل بتيجان النجوم».

وختم "نوزاد" حديثه بالقول: «أدعو كل شاب في وطني أن يتسلح بالثقافة والعلم ولا يتحجج بالظروف والإمكانيات وإنما عليه أن ينمي موهبته وأن يتخطى الحدود التي تحول دون تحقيق الهدف المنشود وذلك بالإرادة والصبر والاستفادة من أبسط الأشياء التي حولنا، فالأديب يؤرخ وطنه وينقل صورته للعالم بكل إخلاص».

من قصيدة "انتحار في القطار" اخترنا هذا المقطع:

من القطارات يسطعُ وجه الرحلات

في المحطات تتماهى صورة الآمال

ويسير بنا القطار لتختفي في دربه الأشجار

الغيمة في المد تسرق ضوء القمر ينطفئ المدى

والصبية الصغار ما أشقاهم!

بفم موحلٍ على أقدامنا الغائمة بالتراب يسخرون..

ما من مطرٍ في شارعنا!

بين سنابل القمح حلوة شقراء كانت يا ما كانت!

عرّاها المنجل...

يذكر أن الأديب المغترب نوزاد جعدان هو من مواليد حلب في العام 1985 يحمل إجازة في الإعلام من جامعة دمشق في العام 2009 وعضو فخري دائم في دار ناجي نعمان بلبنان وفي حركة شعراء العالم بتشيلي وفي دارة الشعر المغربي، يعمل حالياً محررا صحفيا في دائرة الأشغال العامة بالشارقة.