لعل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم أثرت في حياة أغلب فئات المجتمع، إلا أن الإرادة القوية كانت البلسم الذي داوى جراح الكثيرين ودفعهم للمضي في دروب حياتهم، عبر أمل جعلوه المنارة لتلك الدروب.

كيف استطاع الكثيرون ممن واجهتهم المصاعب تجاوزها والاستفادة من إرادتهم في مجابهة تلك الظروف والاستمرار في حياتهم؟ وهل استطاع الأمل أن يقوي تلك الإرادة؟

علينا عدم التكيف مع الواقع الذي نعيشه حالياً، لأن الواقع الحالي لا يمثل الواقع الحقيقي للحياة الكريمة أو حتى الحياة الطبيعية للسوريين

"بكرا أحلا" هو الشعار والنافذة المضيئة التي استطاعت من خلالها "دعد إسماعيل" وهي طالبة جامعية، أن تتجاوز الكثير من الصعوبات التي ألقت بتبعاتها على طلاب الجامعة إن كانت تلك الظروف مادية في ارتفاع تكاليف دراستهم، وصعوبة الدراسة في ظل ظروف صعبة تعيشها مدينة "حلب"، فكان الأمل أهم مصادر الطاقة الإيجابية التي تمنح الإنسان القوة للتعامل مع أصعب اللحظات.

دايفد كاتو

ففي حديثها لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 نيسان 2015، قالت: «من المؤكد أننا استطعنا الحفاظ على الأمل والتفاؤل ودائماً من منطلق أن الغد جميل ويحمل لنا السعادة والانفراج، لا بد أن يكون إيمان أي شخص بـ "بكرا أحلا" وما يخفيه المستقبل يحكمه الأمل الجميل، ذلك الأمل الذي لا يراه اليائسون الذين حرموا أنفسهم من أهم مصادر الطاقة الإيجابية ألا وهي الأمل والتفاؤل، وليس هذا فقط بل استبدلوها بطاقة سلبية أنتجها الاستسلام واليأس، وبذلك زادت همومهم وأرقت لياليهم ودفعتهم إلى الرضوخ ليكونوا الأكثر خسارة وتعاسة».

وترى "دعد" أن حاجتنا إلى الأمل تتعمق وتملك طاقتها في الظروف الصعبة وليس وقت الرخاء، وأن الأمل هو القاعدة الأساس لانطلاق الإرادة التي تمنح الإنسان قوة وإصراراً للتغلب على أحلك الظروف وأصعبها، وتتابع: «الأمل بذرة موجودة وضامرة داخل كل فرد منا، وهذه البذرة تزداد نمواً ونضجاً في أحلك الظروف وأصعبها؛ فالأمل يحمل قيمة عندما نحتاج إليه كقيمة الدواء وقت المرض.

الأمل أولاً ثم الإرادة؛ فلولا إرادتنا لما كنا الآن نجري هذا اللقاء، ولما كنت أنت في عملك وأنا في جامعتي والمزارع في أرضه. وعندما ننظر إلى هذه الظروف الصعبة وبالمقابل نرى الطلاب في مدارسهم وجامعاتهم والأطباء في عياداتهم والأسواق تعج بالباعة والمتسوقين نكون أكثر جزماً بأن إرادة الحياة هي من دفعت كل هؤلاء ليعيشوا ويستمروا، إرادتنا القوية هي التي تفتت أعظم الأزمات وتحولها إلى جزيئات يمكن التغلب عليها».

ويرى "دايفد كاتو" وهو مخبري أسنان، أنه على الرغم من وجود الأمل إلا أن قسوة الظروف جعلته يتضاءل كلما تعقدت وصعبت، ويقول: «في ظل هذه الظروف الطاغية والقاسية بكل اتجاهاتها بدأنا نرى الأمل يتلاشى تبعاً لاطراد الظروف القاسية، وعلى الرغم من أن الواقع يؤكد أن الظروف تشتد على الجميع إلى أن فسحة الأمل تبقى موجودة، وهذه الفسحة تختلف من شخص إلى آخر تبعاً لقوة إرادتها وصعوبة ما يحيط به والمهام الموكلة إليه إن كان فرداً مسؤولاً عن نفسه فقط أو كان مسؤولاً عن عائلة أو حتى فئة مجتمعية بأكملها».

ويتابع "دايفد": «ثوابت الإنسان إن كانت الشخصية منها أو الوطنية كلها تعزز لديه قوة الإرادة التي تمنحه المزيد من التجذر بالأرض والمجتمع والقيم التي تربى ونشأ عليها، وقبل كل شيء بهذا الوطن الذي عشنا فيه أجمل الأيام، وأيماناً بأن هذا الوطن لا ولن يتكرر، كل هذا يدفعنا وبقوة إلى التمسك بإرادتنا والعمل على أن نبقى ونستمر رغم كل الظروف والمحن».

ما تفرضه متغيرات الحياة وبالأخص الأصعب منها تدفع الإنسان إلى البحث عن حلول للتأقلم ربما لفترات طويلة أو قصيرة أحياناً مرهونة بتلك الظروف، ليضع الإنسان لنفسه خطوطاً عريضة يتعامل من خلالها مع هذا الواقع، ويرسم حياة أفضل لمستقبل يبحث من خلاله عن أيام أجمل.

وبهذا استطاعت "حلا خطاب"، اختصاص علم اجتماع، التكيف مع الظروف المعيشية القاسية، ومتطلبات الحياة الأكثر ملامسة لجميع الناس، وجعلت التعاون مع كل من يحيط بها من أقرباء وأصدقاء أهم تلك الخطوات، وتضيف: «نستطيع التكيف مع واقعنا الجديد عندما نفكر بالعقل الجمعي، ولأننا في واقع جديد يجب أن نستغل الظروف المناسبة حينما نتهيأ للتعامل مع مجريات الحياة.

لا نستطيع التفكير كثيراً بالغد لأن عقولنا باتت مرهونة بمتطلبات الحياة اليومية التي أضحى الحصول عليها من الأمور المستعصية علينا».

وبدوره يرى "حمدي حداد" وهو موظف، أن أي إنسان باستطاعته الحفاظ على الأمل والتفاؤل والتطلع إلى غدٍ أجمل، وأنه استطاع أن يتعامل مع ظروفه الصعبة بامتصاص الصدمات وتحويلها إلى واقع لا بد من التعامل معه بحلته الجديدة مستنداً إلى الصبر الذي يعده المفتاح لدخول المتغيرات الجديدة، ويقول: «يأتي الأمل أولاً من قوة الإيمان، وحتمية أداء كل منا لدوره البناء في هذه الحياة، وإذا علمنا أن الحياة امتحان قد يكون صعباً أحياناً وسهلاً أحياناً أخرى؛ حينها سنجيد التعامل مع هذه الظروف والتغلب عليها والانطلاق منها إلى غدٍ أجمل».

ويتابع "حمدي": «الصبر والتحمل هو أولى الخطوات في امتصاص أصعب الأمور وأعقدها، ثم علينا الإصرار وبذل الجهد لتخطي ما نمر به؛ وذلك بقدر المستطاع، ومن خلال الإرادة التي تملكها جميع المخلوقات وأولهم البشر نستطيع أن نبدأ التفكير في تلك الظروف ثم نبذل الجهد والتعاون مع الآخرين للتغلب عليها، وإن لم يستطع الإنسان التغلب على أزماته بإمكانه حتماً امتصاص ارتداداتها والتخلص من تبعاتها قدر الإمكان؛ وبذلك يتكيف مع ظروف الواقع الجديد ويستمر في حياته لأداء دوره في هذه الحياة حتى آخر لحظات عمره».

ومن جهتها ترى الصحفية "نسرين علاء الدين" أن الظروف لا تمثل الواقع الحقيقي الذي لا بد أن نتعامل معه، وتضيف: «علينا عدم التكيف مع الواقع الذي نعيشه حالياً، لأن الواقع الحالي لا يمثل الواقع الحقيقي للحياة الكريمة أو حتى الحياة الطبيعية للسوريين».

وتتابع "نسرين": «لا أعتقد أن الغد هو ما يشغل بال السوريين، فمسألة الخروج من الوضع الحالي وعدم استمراره هو الهاجس الأكبر؛ حيث يعول السوريون على الأمس القريب الذي كنا نعيشه ونتمتع به بالأمن والاستقرار، ولذلك وبحسب معظم السوريين الغد لا يمثل غموضاً بل إن امتداد الأزمة واستمرارها هو الغموض».

وترى "دعد إسماعيل" أن خفايا المستقبل مرهونة بما يزرع الإنسان في الحاضر، لأن الجني مرهون أصلاً بما زرعنا، وتتابع: «بإمكاننا التفكير بالمستقبل من خلال البناء الذي رسخنا قواعده في حاضرنا ونستمر في بنائه مع مرور الأيام، وكلما كان زرعنا متقناً ومستنداً إلى عوامل النجاح كان تفاؤلنا وأملنا بالمستقبل أكبر.

فالوقوف على أطلال الماضي لن يساهم في التكيف مع الواقع والبحث عن المستقبل الأفضل، فلكل ظرف جديد أدواته ولا بد من البحث عنها وتنميتها للحصول على غد أفضل، فأدوات الأمس لن تنفعنا اليوم».

حصيلة ما يراه من التقيناهم تذهب في اتجاه مفاده: مع فسحة الأمل التي نرتكز عليها في كل يوميات حياتنا الصعبة تنمو الإرادة التي تمثل أهم عوامل الصمود والصبر والتحمل، التي تهيئ لنا الأرضية الأنجع لامتلاك أدواتنا الجديدة للحصول على مستقبل أفضل.