تخفي مواقع التواصل الاجتماعي في صفحاتها الكثير من الأسماء والصفحات الوهمية التي أنشأها أصحابها للتخلص من تبعات وارتدادات اجتماعية وثقافية وسياسية، تحكمها القوانين والأعراف والتقاليد الاجتماعية.

الأسماء المستعارة نافذة للتواصل والتعبير بعيداً عن رقابة الأهل والمجتمع، والدوافع التي تقف وراء هذه الظاهرة كثيرة سواء أكانت سياسية أم اجتماعية، أو حتى ضمن إطار التسلية والترفيه، وفي حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 1 نيسان 2015، مع "إبراهيم الفارس"، طالب جامعي، وهو يرى أن عامل إبداء الرأي هو أحد أهم الأسباب وراء التخفي بأسماء غير حقيقية، ويقول: «يقوم العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام أسماء وهمية وذلك لإبداء بعض الآراء والإفصاح عن بعض المعتقدات التي تخالف البيئة السائدة في المجتمعات التي يعيشون فيها، سواء كانت تلك الآراء تمثل تمرداً على الواقع السائد الذي تحكمه بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، فتبعدهم عن أي انتقاد مجتمعي مباشر، وتجنبهم -بحسب اعتقادهم- أي ملاحقة قانونية تترتب على بعض ما ينشرونه في صفحاتهم».

هناك فارق بين أن نكون قد عرفنا هذا الشخص وهمياً أم لا، وفي كلتا الحالتين فإنه سوف يضيع بين آلاف الأشخاص الذين أضفناهم كأصدقاء ثم ننساهم، فأغلب الأشخاص يقبلون، ثم يتجاهلون، ثم ينسون تلك "البروفايلات"

أما الخجل والانطواء فهو أحد الأسباب وراء تلك الأسماء، هذا ما تراه المدرسة "سحر معروف" قائلة: «هناك العديد من الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تقف وراء تلك الظاهرة، كطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه والضغوط الاجتماعية والنظرة الشرقية للمرأة، إضافة إلى الخجل والانطواء ونوع من الذكاء الوجداني الذي يدفع الشخص للخصوصية وعدم إبراز هويته الأصلية، إضافة إلى التحايل باستخدام أسماء ذات مواقف سياسية واجتماعية وشهرة فنية لكسب الأصدقاء».

إبراهيم الفارس

ومن جهته يضيف "نوح حمامي" أن مراقبة الناس عن بعد، والاحتيال في تقمص أدوار شخصيات مهمة ومؤثرة في المجتمع من أهم تلك الأسباب، حيث يقول: «إن مراقبة الناس والتجسس عليهم من أهم الأسباب التي تدفع بعض مستخدمي مواقع التواصل لاستخدام أسماء وهمية، إضافة إلى إنشاء علاقات اجتماعية من دون التزام، سواء كانت تلك العلاقات عاطفية أو حتى صداقة وألفة عادية، فهذه الأسماء تمنحهم حرية التنصل من تلك العلاقات متى أرادوا، وتمكنهم من التحرر من القيود الأخلاقية والاجتماعية.

أيضاً هناك مقاصد شريرة لدى بعضهم كالإيقاع بين الناس، وأنا أعرف أحد الأشخاص يتنقل بين العديد من الصفحات الوهمية التي أنشأها ويضع عليها صور أشخاص مهمين من سياسيين ورجال دين، وينشر في تلك الصفحات المواعظ والعبر والنصائح الأخلاقية، حتى تجد أن كبار الشخصيات تكتب له وتشيد بما يكتب وينشر، ولا أدري كيف تتم الإشادة والتعامل مع شخصية لم يكلفوا أنفسهم عناء التأكد من حقيقتها».

هبة ماردين

ويوضح "يحيى باشي" أن الخوف غير المبرر أحياناً هو ما يدفع العديد من الأشخاص إلى استخدام أسماء وهمية، ويتساءل "يحيى" عن مبررات هذا الخوف قائلاً: «هناك الآلاف من حالات الزواج والارتباط في المجتمعات الأوروبية سببها علاقات تعارف وصداقة على "الفيسبوك"، بينما مجتمعاتنا تغص بحالات عدم الثقة والشكوك حتى في الصداقة بين الطرفين، وبالتالي يقف الخوف من مواجهة الحقيقة وعدم الثقة بالنفس وراء العديد من حالات التخفي خلف ستارة الاسم المستعار».

تختلف الآراء التي استطلعناها عن ارتباط الاسم المستعار بالمجتمع الأنثوي وخصوصاً في المجتمع الشرقي الذي تحكمه عادات وتقاليد معينة، حيث يرى الشاب "إبراهيم الفارس" أن الإناث من أكثر المتخفين وراء أسماء وهمية للحيلولة دون التعرض لمشكلات اجتماعية قد يتسبب بها الاسم الصريح، ويقول: «طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه وما يرتبط به من عادات وتقاليد تدفع بعض الفتيات لإخفاء أسمائهن الحقيقية واستخدام أخرى وهمية لإمكانية التواصل مع المجتمع الذكوري، وقد لا يكون ذلك خوفاً من تقاليد معينة، وإنما كنوع من الحذر في التعامل مع أشخاص غير معروفين، فتفضل الفتاة البقاء خلف ستارة الاسم المستعار الذي ترى فيه مساحة أوسع للاختلاط الافتراضي لإشباع رغبات معينة بعيداً عن أي حرج أو مساءلة».

نوح حمامي

إن التسلية والترفيه والبعد عن الرقابة قد تدفع الذكور أكثر لاستخدام أسماء وهمية؛ هذا ما بينه "حمدي الراغب"، بالقول: «لا أعتقد أن التخفي بالأسماء الوهمية مرتبط فقط بالمجتمعات الأنثوية، فكثيرون من الشباب يفعلون ذلك سواء لإبداء الرأي أو التسلية لكسر حالة اجتماعية، أو لتعويض نقص معين أو لإشباع رغبة لا يجد إلا الإنترنت مكاناً لإشباعها؛ من دون رقيب أو حتى انتقاد قد يتعرض له إذا ما استخدم الاسم الصريح».

وفي ذات الإطار تذهب الشاعرة "هبة ماردين" في رأيها معتبرةً أنه لا يمكن الجزم بارتباط الأسماء المستعارة بالمجتمع الأنثوي فقط، وتضيف: «هناك العديد من الأسباب التي تدفع كلا الجنسين للتخفي وراء أسماء مستعارة، فهناك بعض الذكور يتخفون بأسماء إناث لأغراض غير لائقة كإزعاج الآخرين والإساءة لهم، أو كشف أسرار بعض الأصدقاء والأقارب.

من جهة أخرى فنحن في مجتمع محافظ؛ لذا قد نرى أكثر الفتيات يستخدمن أسماء مستعارة حرصاً على سمعتهن أو حرصاً على غيرة الزوج أو الإخوة والأقارب، هذا إن لم يكن للأنثى مكانة اجتماعية معروفة».

على الرغم من اختلاف الدوافع والأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، والتي جعلت منها واقعاً مفروضاً تغص به صفحات التواصل الاجتماعي، والسؤال هنا: كيف يتم التعامل مع تلك الأسماء؟

يمثل الحذر العامل المشترك بين جميع الآراء التي تحدثت على الرغم من الاختلاف بين من يرفض التعامل رفضاً قاطعاً، وبين من يتعامل ضمن إطار الحذر. فترى "سحر معروف" ضرورة عدم التعامل مع أشخاص لا نعرفهم، فتقول: «تختلف طريقة التعامل بحسب مستوى الشخص المتعامل وطريقة استخدامه لمواقع التواصل؛ فكل شخص يتعامل حسب نيته وغايته من التواصل.

وبرأيي علينا التعامل مع الواقع بشخصياته المعروفة جيداً بالنسبة لنا، وعدم التعامل مع تلك الأسماء والصفحات، ويجب طلب الإفصاح من كل شخص يتحدث معنا من وراء تلك الأسماء؛ لما لهذا الأمر من مخاطر جمة وخاصة بالنسبة للأنثى قد تؤذيها في سمعتها».

في حين يقول "نوح حمامي"، إن مصير هذه الشخصيات الضياع بين مئات الأشخاص الذين يمرون علينا باستمرار، ويتابع: «هناك فارق بين أن نكون قد عرفنا هذا الشخص وهمياً أم لا، وفي كلتا الحالتين فإنه سوف يضيع بين آلاف الأشخاص الذين أضفناهم كأصدقاء ثم ننساهم، فأغلب الأشخاص يقبلون، ثم يتجاهلون، ثم ينسون تلك "البروفايلات"».

على الرغم من تعدد الأسباب واختلاف طرائق التعامل، إلا أننا نجد أن آلاف الصفحات الوهمية والأسماء المستعارة تحتل زوايا مهمة في العديد من صفحات وصداقات مواقع التواصل، لأنها جزء مهم من طبيعة التواصل في هذا الواقع الافتراضي.