مع دخول شركات التأمين العادية والإسلامية السوق السورية، برزت عدة قضايا تتعلق بموضوع مدى وجوب التأمين وفائدته (وحتى شرعيته في بعض الحالات) مما أدى إلى عزوف الكثيرين عن القيام بالتأمين على أنفسهم أو على ممتلكاتهم أو الاستفادة من امتيازات التأمين.

ولكي لا ندخل في موضوع متشعب وكبير على الطرح في مقالة واحدة، قررنا الخوض في أحد مجالات التأمين وهو التأمين الشخصي على الحوادث والذي إذا أردنا تعريفه فسنجد أن هذا النوع من التأمين يقوم على تعويض الشخص في حالة حصول حادث له مغطيا تكلفة تواجده في المشفى بحد معين يتم الاتفاق عليه مع شركة التأمين.

لا يوجد فحص طبي في حالة التأمين ضد الحوادث الشخصية حيث يتحدد فقط راتب طالب التأمين لكي يتحدد التعويض بناء عليه مع وضع العقد وتحديد الشخص المستفيد في حالة الوفاة

قررنا لأجل القيام بهذا التحقيق استطلاع الجانب الديني وجانب شركات التأمين العامة والإسلامية إضافة إلى رأي بعض الناس بهذا النوع من التأمين بهدف تكوين صورة واضحة عنه الأمر الذي قد يقدم فائدة كبيرة لشريحة كبيرة من الناس والتي قد لا تملك السيولة أو المبلغ اللازم لدخول مشفى خاص وتلقي العناية المناسبة فيه في حال حدوث حادث (لا قدّر الله)...

الدكتور "محمود عكام"

**ما رأي الدين؟

متى ستنتشر ثقافة التأمين قي المجتمع

كانت البداية مع "دار إفتاء حلب" حيث التقينا لأجل هذا الشيخ الدكتور "محمد عكام" وسألناه عن هذا النوع من التأمين تحديدا حيث قال لنا:

«هناك نوعان من التأمين: الأول هو التأمين التكافلي (الإسلامي) الذي لا غبار عليه، وهناك الثاني وهو التأمين التجاري والذي تجري حوله المناقشات. بالنسبة للعديد من الشيوخ فإنهم يجيزون النوع الأول ويحرمون الثاني. أما نحن كدار إفتاء "حلب"، فقد أجزنا كلا النوعين من التأمين وذلك في رسالة مرسلة إلى الشركة السورية الكويتية للتأمين بهذا الخصوص».

وفي نص الرسالة التي عرضها الدكتور "عكام" على موقع "eSyria" كان فيها السطور التالية:

"إلى فضيلة الدكتور الشيخ "محمود عكام" مفتي "حلب" المحترم:

نود الاستفسار عن بعض الأسئلة حول التأمين لدى الشركات الخاصة (التجارية) فيما إذا كان التأمين لديها حلال أو محرم وهذه التأمينات على الشكل التالي:‏

1- التأمين على شحن البضائع إذا أصابها حادث ما غير مصطنع.

2- التأمين ضد الحريق المتسبب بالضرر لأي مصنع أو منزل أو مستودع...الخ.

3- التأمين على عربات النقل (السيارات) فيما لو تعرضت لأي حادث غير مصطنع.

4- التأمين للمسؤولية المدنية للفنادق والمنشآت والبنوك والشركات في حال حصول حادث أدى إلى ضرر أو خسارة مادية.

5- التأمين الصحي (فردي أو جماعي) في حال تعرض الإنسان لأي مرض أو حادث.

6- التأمين للأموال المنقولة في حال تعرضها لحادث ما يؤدي للخسارة.

7- التأمين على مسكن الأسرة في حال تعرضه لأي حادث غير مصطنع.

8- التأمين على الحياة إذا تعرض الشخص لحادث ما أو أي مكروه غير مصطنع.

الجواب:

ثمة نوعان من التأمين:

الأول: يدعى تأميناً تعاونياً وتكافلياً، وهذا لا إشكال عليه شرعاً البتة، واتفق على جوازه العلماء.

الثاني: ويسمى تأميناً تجارياً، ولعل الشركة السائلة (السورية الكويتية للتأمين) تسأل عن هذا النوع، لأنه موضوع، عملها وقد اختلف العلماء في هذا النوع، فمنهم من أجاز ومنهم من منع، وها أنا ذا أضم صوتي وأقف بجانب الذين أجازوا، والجواز ينصبُّ على كل أشكال هذا النوع من التأمين، من تأمينٍ على الحياة، أو تأمين ضد الحريق، أو على المصانع، أو على المساكن، أو على الصحة، أو ... أو ...

وبعض من أدلة الموجزين هو الآتي:

1- وجود مصلحة من وراء عقد التأمين، وحيثما وجدت المصلحة فثمَّ شرع الله، وقد ثبت أن التأمين وسيلة تؤدي إلى استقرار الإنسان النفسي، وهذا ما يدفعه لمزيد من التقدم والإنتاج وفائدة الوطن.

2- الأصل في الأشياء الإباحة، وهذا يعني أن معاملات الناس التي تعود عليهم بالنفع إلا ما ورد فيه دليل بخصوصه، ومن جهة أخرى فإن الشرع الحكيم لم يحصر الناس في الأنواع المعروفة قبلاً من العقود، بل ترك للناس ابتكار أنواع جديدة تدعوهم حاجتهم الزمنية إلى ابتكارها شريطة ألا تنطوي على غشٍ أو تغرير أو ضرر أو ما يفضي إلى النزاع والشقاق، وعقد التأمين التجاري ليس فيه شيء من هذا البتة.

3- قياس التأمين على نظام "العاقلة" المقر شرعاً: من حيث غايته في تخفيف أثر المصيبة وصيانة دماء ضحايا الخطأ من أن تذهب هدراً عندما يكون الجاني المخطئ فقيراً غير قادر على دفع الدية.

4- ليس ثمة فرق بين هذا النوع من التأمين ونظام التقاعد والتأمينات الاجتماعية المعمول بهما والمقرين شرعاً من قبل فقهاء اليوم عامة.

نسأل الله - في النهاية- أن يجعلنا ممن ييسر على الناس ولا يعسر عليهم، وممن يسعى لمرضاة الله في أفعاله وأقواله وأحواله، والله حسبنا وهادينا."

تأمين عادي.. أم تكافل؟..

بعد الإلمام بالجانب الديني من الموضوع، انتقلنا إلى الشركات الخاصة بالتأمين السورية حيث التقينا السيدة "بدور هنيدي" رئيسة دائرة الاكتتاب في "السورية العربية للتأمين" والتي قالت لنا:

«هناك نوعان من التأمين هما: التأمين الشخصي ضد الحوادث والتأمين الصحي. بالنسبة للنوع الأول من التأمين فنحن نقوم بتصنيف طالب هذا النوع من التأمين إلى ثلاثة فئات هي: /أ، ب، ج/ حيث الفئة الأولى هي المهن ذات عوامل الخطر القليلة مثل المحاسبين مثلا. أما الثانية فهي المهن المتوسطة عوامل الخطورة مثل سائقي الباصات. أما الثالثة فهي الأكثر خطورة مثل العامل في فرن أو عامل البناء. يتم التعويض في حالة الوفاة أو العجز الكلي الدائم وقد يكون هناك تعويض أسبوعي أو مصاريف طبية. يعني التعويض الأسبوعي هو قبض الشخص "س" لمبلغ محدد هو "ع" خلال شهر كامل ما يجعل التعويض الأسبوعي هو ربع قيمة المبلغ الشهري الذي يتقاضاه الشخص طالب التأمين مثلا وذلك في حال التوقف عن العمل لدى حصول حادث. تتحدد التعويضات بناء على اتفاق سابق، وتكون متناسبة مع مبلغ التأمين والراتب والفئات التي ذكرناها سابقا».

وتتابع بأن مدة التأمين تكون في العادة سنوية ويتم تجديدها بموجب الاتفاق، و في حالة العجز الدائم أو الوفاة فإن ذلك يؤدي ذلك إلى قبض كامل المبلغ و انتهاء العقد عندها؛ وتتابع بالقول:

«لا يوجد فحص طبي في حالة التأمين ضد الحوادث الشخصية حيث يتحدد فقط راتب طالب التأمين لكي يتحدد التعويض بناء عليه مع وضع العقد وتحديد الشخص المستفيد في حالة الوفاة».

وتتابع بأن هذا النوع من التأمين مختلف عن التأمين الصحي الذي تقول عنه:

«هناك مفهوم التأمين الصحي الفردي أو العائلي نغطي فيه كل شيء سوف يعاني منه طالب التأمين ويحدث بعد عملية التأمين. بمعنى آخر، إذا جاء الشخص يطلب تأمينا صحيا ومعه مشاكل في القلب، يتم استثناء أمراض القلب من عقد التأمين. في البداية يتم عمل فحص أولي عن طريق توجيه أسئلة طبية للشخص يجيب عنها بكل شفافية ويقر بذلك ونتعامل هنا من مبدأ حسن النية حيث نفترض أن كل ما صرح عنه العميل هو صحيح. هناك استثناءات طبعا، على سبيل المثال في حالة استئصال الرحم، إذا كانت العملية ضرورية وتؤثر على صحة العميلة، دخلت في التأمين الصحي، أما إذا لم تكن ذات ضرورة و مجرد عملية استئصال أرادتها السيدة فهنا لا تدخل في التأمين، ولا يتم تغطية عمليات التجميل أيضا».

إلى من يتوجه طالب التأمين في حال حصول حادث معه أو مرض؛ تجيب عن هذا بالقول:

«لدينا شبكة متعاقدين معها من أجل الأطباء و الصيدليات هي شبكة (MedNET‎‏)‏ وهي شركة لديها قائمة من المستشفيات و الأطباء و الصيدليات. عندما يذهب الزبون إلى أحد الجهات المذكورة في القائمة فإن نسبة التغطية تصل إلى 100%، أما إذا ذهب إلى جهة أخرى فتكون نسبة التغطية هي 80%. طبعا يستثنى من هذا العمل الإسعافي حيث ليس من المعقول مثلا أن يتم إسعاف الشخص إلى مستشفى بعيد لمجرد أنه مرتبط بالشبكة المذكورة فهنا يكون استثناء و تكون التغطية كاملة حتى ولم يكن ضمن قائمة المستشفيات التابعة لنا. و لدى كل طبيب جهاز حاسب عليه رقم المشترك وكافة المعلومات عنه و كل ما على الطبيب هو إدخال الرقم التسلسلي للمريض حتى يتم معرفة ما الميزات التي يتمتع بها هذا المراجع و ما الأدوية التي يجب تقديمها له و غير ذلك».

وتتابع بأن قيمة تغطية المستشفيات تحدد مسبقا ضمن العقد الأصلي بوساطة الشخص نفسه الأمر الذي يحدد الأقساط الواجب عليه دفعها شهريا.

أما التأمين الإسلامي فلا يختلف من ناحية البرامج والخدمات عن التأمين العادي؛ إلا أن ما يجعل منه "شرعيا" ومتوافق مع الشريعة الإسلامية هو ما تعبر عنه السيدة "كندة السعدي" رئيسة قسم الإصدار في "الإسلامية السورية للتأمين" بالقول:

«يعتبر مفهوم التأمين واحدا في كل من التأمين العادي والإسلامي، إنما يكمن الفرق في طريق توزيع الأقساط. من الناحية النظرية هو متشابه في عملية تغطيته للحوادث، إلا أن الفرق يكمن في وجود صندوقين في التأمين الإسلامي: الأول متعلق بالمساهمين الذين قاموا بتأسيس هذه الشركة وأصحاب الأسهم فيها، أما الثاني فهو صندوق يحتوي على الأقساط التي دفعها حملة الوثائق الذين قاموا بالتأمين لدى الشركة والتي تتجمع ليتم صرفها في حال حدوث أي حادث لدى هؤلاء الذين قاموا بالتأمين لدينا. يدعى هذا الصندوق "الصندوق التكافلي" ويتم دفع كل التعويضات منه مع اقتطاع أجور ونفقات إدارية للشركة. وفي نهاية العام، وإذا ما كان هناك فائض في الصندوق، فإن هيئة الرقابة الشرعية تحدد الآلية التي سيتم فيها توزيع هذا الفائض والذي إما أن يستثمر أو يعاد توزيعه على حملة الوثائق كل منهم بحسب نسبة الأقساط التي دفعها وهذا هو جوهر الاختلاف ما بين التأمين التكافلي والعادي».

أما العامل الآخر الذي يحدد الاختلاف فتقول أنه وجود هيئة تدعى "هيئة الرقابة الشرعية" المسؤولة عن مراجعة العقود والنظر تجاه مصلحة المؤمن له بدون أن يضره، كما أن هذه الهيئة لا تقوم بالتأمين على أي شيء مخالف للشرع مثل التأمين على فندق يقدم المشروبات الروحية مثلا.

«في حالة أفلس ذاك الصندوق التكافلي لسبب من الأسباب، مثلا في حالة الكوارث الطبيعية التي تدفع الكثير من التعويضات؛ فإن الصندوق يأخذ ما يدعي "قرض حسن" من صندوق المساهمين "حملة رؤوس الأموال" وتعني عبارة "قرض حسن" أنه قرض بدون فوائد يتم تسديده في فترة من 2-3 سنوات حتى يتم تعويض الكسر الذي تم في الصندوق التكافلي إنما تبقى العلمية داخل الشركة».

مع ... أم ضد؟

بعد معرفتنا البرامج التي تقدمها شركات التأمين، والفرق ما بين التأمين العادي والتكافلي؛ قمنا باستطلاع آراء الشباب حول هذا النوع من التأمين حيث قال لنا الشاب "غيث علمدار" الذي يدرس في كلية الطب:

«برأيي أن فكرة التأمين تعتبر فكرة سليمة في المجتمع المتقدم خصوصا أن المجتمع المدني المعاصر فيه الكثير الحوادث التي تحدث للأفراد ضمن المدارس أو الجامعات مثلا ولذلك فمن الضروري حصول الشاب على تأمين على نفسه تجاه الحوادث».

ويتابع بأنه تعرض لهذا الموضوع حين كان يخطط للسفر إلى إحدى الدول الأوروبية للتدرب فيها حيث كان الشرط الأساسي للموافقة على قدومه إلى تلك الدولة هو خضوعه للتأمين ويتابع قائلا:

«ذات مرة سافرت، فطلبوا مني تأمين شخصي ضد الحوادث حيث منعوني من الدوام في الجامعة أو استئجار مسكن حتى أقوم بعمل عقد تأمين ضد الحوادث. قبل هذه الحادثة لم أكن أفكر بموضوع التأمين، ولكن وجدتها فكرة ممتازة وقتها على اعتبار أنني كنت آنذاك في مجتمع غريب وكان السؤال وقتها هو أنه في حال حدث حادث معي فمن سيكون المسؤول عني».

أما عما إذا كان قد يقوم بالتأمين ضمن شركات سورية فيقول أنه الموضوع غير وارد حاليا والسبب كما يقول:

«لا بد من أن الجميع قد فكر في لحظة من اللحظات أن يقوم بالتأمين، ولكن العائق هو عدم وجود شركات تأمين تقدم عروضا تجاه هذا الموضوع. صحيح أن هناك الكثير من العروض الموجودة ولكن معظمها يكون على مبدأ "كفالة الأجهزة" حيث كلما حصلت إصابة للجهاز يقولون بأن الشركة لا تكفل هذا العطل. أغلب الناس تخاف أن يحصل مثل هذا الموضوع مع شركات التأمين وألا تقوم بتغطية الإصابات التي تحصل مما يجعل كل المدفوعات تذهب دون طائل. يجب أن يكون هناك وعي تجاه مفهوم التأمين من جهة، مع القيام بحملات خاصة بالتوعية من قبل شركات التأمين تجاه هذا المفهوم».

مفهوم التأمين لا زال جديدا في بلادنا ولا تزال الشريحة الكبيرة من الناس تبتعد عنه إما لخوفهم من عدم التعويض أو لعدم فهمهم لفكرة التأمين، ويبقى الزمن وحده كفيلا بتغيير هذه الأفكار وجعل ثقافة التأمين واقعا في حياة كل الناس.