بعد أن أمّ سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور"أحمد بدر الدين حسون" المصلين في صلاة فجر/ 19/ "رمضان" وبكى وأبكى الحاضرين في"الجامع الأموي الكبير" أثناء الصلاة، وفي الدعاء وفي خطبة التي تناول فيها جوانب كثيرة من حياة الأمة ووضع المسلمين في العالم، وشرح بعض العبر التي ينبغي لنا أن نستخلصها من غزوة بدر...

تمكن eAleppo من التوقف قليلاً مع سماحة المفتي وسط زحام المريدين والمحبين لسؤاله عن وصيته لأهل "حلب" في رمضان، فقال: «أوصيهم ونفسي بتقوى الله، وأن يتصالحوا مع الله من خلال تصالحهم مع أنفسهم، ومع الأمة ومع الإنسانية ، ولايتأخروا في حفظ حق الله وحق العباد معاً، فهما حق واحد لاحقّان، وهذا يتوضح لنا من خلال فهم المنهج المتكامل للإسلام بأوامره ونواهيه. مثلاً: متى يكون التاجر تقياً حافظاً لحقوق الله وحقوق عباده؟ إنما ذلك يكون عندما يتحلى تجار "حلب" بالصدق والأمانة والتقوى، وبالإنفاق من مال الله على الفقراء. التجار في عصر النبي هم الذين نشروا الإسلام ووعوا حقيقة الإسلام وجوهره، فتمسكوا بالطاعة بعيداً عن المعاصي وعن الخداع والغش».

*وعن ظاهرة محاولة بعض الشباب الهجرة إلى بلاد أخرى يظنون أنها تشكّل فرصة للكسب السريع، ويظنون أنها تتمتع بحرية أكثر مما لدينا نحن، فقال سماحته:

«أقول وطننا عظيم باركته السماء ورعته رسالات الأنبياء، فحافظوا عليه ولا تكثروا من تجريحه. فلو خرجتم منه ستشعرون بقيمته، كل من خرج من سورية وإن صار خارجها مليارديراً ومن كبار العلماء، هو يحن إلينا ويحن إلى أرضنا لأنها مبعث رسالات الأنوار. وأعرف كثيراً ممن هاجروا إلى أجمل بلدان العالم (مونتريال، نيويورك، فيينا، وباريس) ..

كلهم حين أزورهم أشعر بحنينهم إلى الوطن وبحبهم لبلاد الشام المباركة، فلذلك أقول لأبناء الوطن لا تحطموا وطنكم ولا تجلدوا وطنكم وأنفسكم ، إنما لنعمل على بنائه ولنعمل على الحفاظ عليه، فوطننا جميل جداً جداً، بأبنائه وبسمائه وبأنواره وبأرضه وببيئته، فلا نلوثها بل نحافظ عليها».

  • eAleppo سأل الدكتور" أحمد حسون" عمّا يراه مختلفاً هذا العام في رمضان ومدى إقبال الناس على الطاعات، فقال:
  • «قد أظلّنا شهر عظيم مبارك, شهر فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر, أما قضية التكاليف الشرعية، الصلاة والصوم والزكاة والحج مع الشهادتين أرجو أن نعيد النظر في كل ما درسناه وما نُدرِّسه لأبنائنا من قضية التكاليف الشرعية، هل هي تكليف إلهي دون فهم لأسرارها قائم بالعبادات مُقلّداً, نحن اليوم ننظر إلى الطاعات على أنها تكاليف تأتي وتمر, فيها مغفرة الذنوب, فيها نوع من الراحة النفسية, فيها نوع من السمو, فيها نوع من المظهر الإسلامي الذي يجذبنا عاطفياً, أما حقيقة محور العبادات ومحور الأوامر الإلهية وقليل ما هُم الذين يبحثون عن عمقه ليصلوا إلى دلالته وغاية الله تعالى من فرضه علينا, وتحويله من تكليف للإنسان إلى تشريف,

    فالصلاة يقولون عنها تكليف, وأنا أراها تشريفاً, حين يدعوك الله تعالى للاجتماع والوقوف مع إخوتك المسلمين, بين يديه كل يوم خمس مرات فهذا تشريف ما بعده تشريف، وما غُيّب عن الناس أن شهر رمضان هو شهر بناء الإنسان الذي ينتصر على هواه وعلى نفسه وعلى شهواته, مقابل قيمه وعقيدته ورسالته, شهر رمضان هو بناء الشخصية الإنسانية على منهج يجعل الله له فيه الحلال حراماً الذي كان في حياته/ 11/ شهراً أنه حلال, الطعام حلال, لقاء الزوجة حلال، فهو قد تعود على هذا الحلال, فإذاً الحلال ماأحله الله حين يريده في الوقت الذي يريد, وليس الحلال مطلقاً في كل زمن وليس الحرام مطلقاً في كل زمن,

    فحري بنا أن ننتبه أن قضية الحلال والحرام ليست فقط منهج التكليف, إنما هو التربية النفسية أن يكون الإنسان مستمتعاً بلذة الاستسلام لعبوديته لله عز وجل, فحينما يأتي شهر رمضان يبدأ الإنسان بالتفكير بالامتناع عن كل الشهوات التي كان يستعملها ويمتنع عنها راضياً, فإذاً هي منهج لضبط جوارح الإنسان وعواطفه، وكل الأركان الإسلامية إنما جاءت لتخرجنا من شهواتنا وعاداتنا ومما تحبه أهواؤنا إلى مرحلة ما يحبه مولانا, وبهذا نحن نريد إعادة تقييم فكرة الصيام في العالم الإسلامي، هذه المتعة التي ورثناها بعد التحقق من سر معناها يمكن أن نصل إلى مراد الله من التكاليف الشرعية وليس إلى صورة التكاليف الشرعية. إذاً قضية العبادات التكليفية يجب أن ننظر إليها على أنها عبادات تشريفية للإنسان,

    ورمضان شهر الأخلاق, النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن فمن لم يسمُ بصيامه إلى مرتبة السمو الأخلاقي مع الناس ومع أسرته ومع ربه ومع وطنه, فإنني أقول له أعد نظرك في صيامك, فإن صيامك قد تحول إلى عادة لا إلى عبادة, فإن الصحابة كان إذا دخل عليهم رمضان شدوا مئزرهم وأحيوا ليلهم وأيقظوا أهلهم وبدؤوا مرحلة العمل لامرحلة الكسل, وكثير من المسلمين في العالم الإسلامي يجعلون إجازتهم في رمضان ويبعدون عن الناس ليحافظوا على صيامهم, وأنا أجد أن شهر رمضان فيه كل الفتوحات الإسلامية وبناء الأمة الإسلامية, وليس شهر النوم والخمول.‏ فنحتاج مع تعلم الأحكام الشرعية إلى تطبيقها.‏ ودعواتنا في هذه اللحظات مع اقتراب العشر الأخيرة من هذا الشهر سائلين المولى أن يحفظ بلاد الشام وأن تتألق الأمة الإسلامية بحمل رسالتها للعالم, وأهنئ أخوتنا المسلمين والمسيحيين بشهر الصوم لأننا جميعاً نشعر أن الإيمان هو بطريق السماء فلنتسابق إلى رضوان الله عز وجل».‏

    يذكر أن سماحة مفتي الجمهورية ولد في مدينة "حلب" عام /1949/ م في أسرة علم وعمل وأدب, فوالده المربّي الكبيرالمرحوم العلامة الشيخ "محمد أديب حسون"، نال شهادة الدراسة الثانوية الشرعية بـ"حلب" عام 1967م , و حاز على شهادة الليسانس في الأدب العربي والدراسات الإسلامية من جامعة القاهرة في مصر، نال درجة الدكتوراه (العالمية) بدرجة امتياز في الدراسات الإسلامية, وكانت رسالته في الدكتوراه (كتاب الأم) تحقيقاً وشرحاً, ويقع في عشر مجلدات تربو صفحاته على /4500/ صفحة ويشمل عشرة كتب إضافة لكتاب الأم، وكان قد بدأ خطيباً لـ"جامع الفرقان" بـ"حلب" وهو طالب في الجامعة. ومنذ ذلك الوقت، ومايزال، يحرّك القلوب وينير العقول بخطبته المتميزة التي تصدر من القلب والعقل معاً.