للحصاد في مختلف مراحله تقاليد وطقوس اجتماعية جميلة ما زالت تمارس على نطاق واسع في ريف "حلب"، ومن هذه التقاليد "القرفة" و"الباشاق" و"العفّارة".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 تموز 2015، العمة "نازلي حمو" التي قالت: «يعيش أهل الريف خلال موسم جني محاصيلهم الزراعية وخاصة حصاد الحبوب ضمن أجواء اجتماعية جميلة لها تقاليدها وطقوسها المميزة.

هذه التقاليد الجميلة ما زالت شائعة في ريفنا الحلبي ومن خلالها يساهم الناس بمساعدة بعضهم بعضاً؛ فيعيش الجميع بمحبة وضمن أسرة ريفية مترابطة اجتماعياً واقتصادياً

ومن العادات الشائعة عند أهل الريف؛ أن الأسر التي تنتهي من حصاد محصولها باكراً تبادر إلى مساعدة جيرانها في العمل والتشارك هنا يكون من قبل الرجال والنسوة على حد سواء، فالرجال يحصدون والنسوة من خلفهم يجمعن السنابل ويجعلنها أكواماً لتسهيل نقلها إلى البيادر، وفي اليوم الأخير من العمل في كل حقل تقوم النسوة بإعداد الطعام لجميع العاملين تسمى شعبياً "الكشكة"؛ حيث يتم تناولها جماعياً قبل الانتقال للعمل في حقل آخر».

سلق "الباشاق"

وأضافت: «هناك تقاليد أخرى مرتبطة بالحصاد وتُمارس منذ أقدم الأزمنة ومضمونها مساعدة الفقراء وعابري السبيل؛ فأهل الريف الحلبي يعتقدون أن منح المحتاجين حصة من محصولهم يُدخل فيه بركة، وهو أيضاً حق من حقوقهم عرفياً.

ومن أقدم هذه التقاليد ما تُسمى في منطقة "عفرين" "القرفة"؛ وترتبط بوقت حصاد المحصول؛ حيث يجوب المحتاجون بين الحقول حيث يعمل السكان في حصاد محصولهم ليقوم صاحب الحقل بوضع كمية مناسبة من السنابل في أكياس خيش تحملها حميرهم، وإذا كان ذلك الشخص من فئة "الكريف" وهي شريحة اجتماعية تجيد النفخ على آلة "الزرنة" تُقام حفلات رقص جماعية في الحقول ضمن أجواء اجتماعية رائعة.

"العفارة"

بقي أن نذكر أن تسمية هذا التقليد بـ"القرفة" جاء من كلمة "القرف" الكردية ومعناها "القطع"؛ لأن صاحب الحقل حينما يمنح الشخص السنابل يقوم بقطع رؤوسها قبل وضعها في كيسه».

وقال العم "إبراهيم محمد": «"الباشاق" تقليد اجتماعي آخر مرتبط بالحصاد وفيه يقوم المحتاجون بالذهاب إلى الحقل المحصود الذي نُقل منه الحصيد إلى البيدر فيجمعون السنابل المتبقية في الأرض ثم ينقلونها إلى بيوتهم فيدرسونها بواسطة المطارق الخشبية لفصل الحبات وتنظيفها.

نازلي حمو

بعد ذلك يأخذون قسماً من الحب إلى المطحنة لإعداد الطحين والباقي يسلقونه فيعدون منه "البرغل" و"السميد" وغيرهما، عادةً تقوم النسوة بجمع "الباشاق" ودقها وطحنها.

ومن الأعراف الاجتماعية الجميلة المرتبطة بهذا التقليد أن صاحب الحقل والعاملين معه في حصاد المحصول يُبقون عن قصد كميات مناسبة من السنابل في الأرض للنسوة اللواتي يجمعن "الباشاق".

أما تقليد "العفّارة" فهو مرتبط بدرس الحصيد على البيدر، فبعد الانتهاء من الدرس بفصل الحبات عن القش و"التبن" يقوم المزارعون بجمع الحب في أكوام قبل وضعها في أكياس خاصة ونقلها إلى البيوت.

تستقطب البيادر أعداداً كبيرة من فقراء القرية والمحتاجين فيها ليقوموا بعملية "عفّارة" الحبّ المتبقي، وبما أن الحبّ يكون مختلطاً بالقش والتراب والحصى الصغيرة فإنهم يحضرون معهم مناخلهم الخاصة فينجزون العمل ويجمعون كميات مناسبة من الحب الذي يأخذونه في يوم محدد إلى ضفة نهر مجاور فيغسلونه وينظفونه».

وأضاف: «الحبّ الذي تمت "عفّارته" يُقسم إلى قسمين: الحبات السليمة؛ وتستخدم كطعام بشري، أما الحبات المتكسرة خلال عملية الدرس فيستعملونها غذاء أساسياً لدواجنهم فيزداد إنتاجها من البيض البلدي الذي يعد مصدر دخل إضافي وجيد لهم.

ومن الأعراف المرتبطة بـ"العفّارة" أن صاحب البيدر يترك كميات مناسبة من الحب عن قصد ليجمعها الشخص الذي يأتي إلى البيدر ويقوم بـ"عفّارتها"».

وختم: «هذه التقاليد الجميلة ما زالت شائعة في ريفنا الحلبي ومن خلالها يساهم الناس بمساعدة بعضهم بعضاً؛ فيعيش الجميع بمحبة وضمن أسرة ريفية مترابطة اجتماعياً واقتصادياً».