يتميز المجتمع الحلبي بمجموعة مبادئ وقيم إنسانية نبيلة متأصلة في حياته الاجتماعية منذ أقدم الأزمنة، وقد انتقلت عبر الأجيال ورسخت في نفوس الناس عبر الزمن، ومن هذه القيم رعاية كبار السن.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 23 نيسان 2015، العم "عبد الرحمن موسى"؛ الذي تحدث قائلاً: «المجتمع الحلبي غني بالقيم والمبادئ الأخلاقية الإيجابية، وهو يتفوق في هذا المجال على معظم المجتمعات عبر العالم ومنها المجتمع الغربي الذي يفتقد إلى الكثير من هذه المبادئ؛ كالروابط الحميمية بين أفراد المجتمع وحتى العائلة الواحدة بسبب سيطرة المادة، ففي مجال رعاية المسنين مثلاً يعطون الدور الأكبر لدور رعاية المسنين، بينما في "حلب" فالأبناء أو الإخوة أو "الكناين" يتكفلون بذلك، ويعدّون وضع آبائهم في هذه الدور من الأمور المعيبة وغير المقبولة أخلاقياً واجتماعياً».

هناك الكثير من العادات الاجتماعية الإيجابية في المجتمع علينا الحفاظ عليها وترسيخها وخاصة لدى أبناء الجيل الحالي؛ ومنها رعاية المسنين لأنه وبكل بساطة تقليد إنساني واجتماعي يعزز الروابط الأسرية ويمتنها، ويحميها من الأمراض الاجتماعية وما أكثرها هذه الأيام

وأضاف: «هناك اعتبارات دينية واجتماعية وعرفية لهذا الأمر، لذا فالناس يفضلون القيام بواجبهم في رعاية المسنين في بيوتهم؛ لدرجة أن المجتمع يعدّ من لا يقوم بذلك مخلاً بالقيم المجتمعية وهو أمر معيب وغير مقبول، أما الشخص الذي يقوم بخدمة والديه ويقدم لهما ما يحتاجان إليه من رعاية فيصبح بطل أحاديثهم اليومية.

كريمة حمو

ولأهمية هذا العمل الإنساني عند المجتمع فقد وردت حوله الكثير من الحكم والأمثال والقصص الشعبية المشجعة عليه؛ مع بيان فوائد هذا العمل في الحياة اليومية للناس.

كما أن الأبناء يحتاجون دائماً إلى مشورة الآباء في حياتهم لكونهم أهل خبرة ويملكون تجارب حياتية في مختلف المجالات، وقادرين على تحمل أكبر المسؤوليات عن الأبناء؛ لذلك يقول من توفى والده أو والدته: "يا ريت أبي كان موجود بالبيت ولو كومة عظام"، كما يقولون: "إلي مالوا كبير مالو تدبير"».

رعاية المسنين تقليد شعبي وإنساني

السيدة "كريمة حمو" قالت: «إن هذا العمل واجب على الأبناء تجاه آبائهم وأمهاتهم، ولا تعرف البنت المعنى الفعلي لقيمة الأم إلا بعد إنجابها لأول طفل ومعايشتها للعذاب الذي تلقاه خلال عملية الولادة.

ولا تقتصر خدمة كبار السن على الأبناء فقط، بل على "الكنة" أيضاً؛ والتي تقوم بواجبها في هذا المجال تصبح مضرباً للمثل عند عامة الناس؛ فيقولون عنها: "بنت حلال أو بنت أصل، أو الشجرة بتطلع على جذورها؛ أي إن أهلها أصلاء".

رعاية الكبار من التقاليد الاجتماعية الشائعة في مدينة "حلب" وريفها لدرجة أن الناس يمتنعون عن طلب يد فتاة ويرفضون طلب شاب للزواج من ابنتهم إذا امتنع أي واحد منهما عن القيام بواجبه في رعاية آبائهم لأن هذا الأمر معيب، والناس يعتبرون أن من لا يخدم أهله لا يخدم الآخرين، وفي هذا يقولون: "من لا يخدم جباله لن يخدم سهول الآخرين"».

وأضافت: «من الأعراف الشعبية المرتبطة برعاية المسنين في منطقة "عفرين" أن الابنة أو "الكنة" أو الابن الذي يقوم بخدمة والده أو والدته ويقدم لهما الرعاية الكاملة يحصل على حصة الأب من الأرض أو على "بقجة" ذهب الأم أو ما شابه كنوع من العرفان والشكر، ولكن هذا لا يعني بأي حال أن الذي يقدم الرعاية ويقوم بالخدمة هدفه المال؛ لأنه كما قلت هو جزء من الأعراف الاجتماعية».

وختمت: «هناك الكثير من العادات الاجتماعية الإيجابية في المجتمع علينا الحفاظ عليها وترسيخها وخاصة لدى أبناء الجيل الحالي؛ ومنها رعاية المسنين لأنه وبكل بساطة تقليد إنساني واجتماعي يعزز الروابط الأسرية ويمتنها، ويحميها من الأمراض الاجتماعية وما أكثرها هذه الأيام».