من العادات الاجتماعية الشائعة في ريف "حلب"؛ تشارك النسوة في إعداد مؤونتهن السنوية من مشتقات الحليب كـ"الدوبيركي" والجبن، وغيرها عبر جمعية اجتماعية عرفية تسمى شعبياً "دور الحليب".

مدونة وطن "eSyria" التقت في "عفرين" بتاريخ 24 آذار 2015، العمة "فاطمة مستو" التي تحدثت حول "دور الحليب" وأهميته قائلة: «"دور الحليب" تقليد اجتماعي قديم جداً وهو معروف وشائع عند النسوة في منطقة "عفرين" وباقي الريف السوري؛ وهو عبارة عن جمعية تعاونية خاصة بالنساء لها قوانينها الداخلية العرفية التي تلتزم بها المشاركات فيها.

رغم التطور الكبير الذي طرأ على الحياة الاجتماعية للسكان في الريف إلا أن هناك الكثير من التقاليد والعادات الاجتماعية الإيجابية ما زالت تسود أريافنا ومدننا، ويعمل الناس للحفاظ عليها ومن هذه التقاليد "دور الحليب" الذي يمثل أحد عناصر التقارب الاجتماعي والفائدة الاقتصادية لأبناء المجتمع الريفي

"دور الحليب" -كما قلت- تقليد قديم ولا أحد يعلم من أوجده أولاً وأين، لكن المعروف أنه ينتقل وراثياً جيلاً بعد جيل، وسر استمراره إلى يومنا هذا هو الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يحققها للسكان».

الماشية

وأضافت: «يتضمن تقليد "دور الحليب" عنصراً اجتماعياً مهماً هو التشارك والتعاون في إعداد المؤونة السنوية مثل: "الجبن"، و"اللبن المغلي"، و"السمن البلدي"، وغيرها من المواد الغذائية التي تعد من مشتقات الحليب وبعمل جماعي من قبل نساء كل قرية.

إن إعداد المؤونة يتطلب كمية كافية ووفيرة من الحليب لاستعماله مباشرة في تصنيع المواد الغذائية المطلوبة من خلال غليه، إن كل امرأة تحتاج إلى وقت طويل لتجمع الكمية الكافية من الحليب لتعد مؤونتها، وبما أن الحليب يفسد إن لم يتم غليه في نفس اليوم فإنها لن تستطيع إعداد مؤونتها بسهولة لذلك تلجأ مجموعة من النسوة في كل قرية إلى تقليد "دور الحليب"؛ حيث يقمن بتبادل كميات معينة من الحليب وتقديمها لكل بيت؛ وذلك بحسب قرعة فيما بينهن؛ وبالتالي تأمين الكميات المطلوبة من الحليب في اليوم المحدد، حيث تقوم كل امرأة بإعداد مؤونتها بطريقة مريحة».

إعداد "الدوبيركي" من دور الحليب

وختمت العمة "فاطمة": «يتم البدء بتقليد "دور الحليب" في الريف مع بدء موسم تكاثر الماشية خلال فصل الربيع؛ وهو الموسم السنوي للحليب حيث تذهب النسوة إلى الجبال المجاورة للقيام بعمليات الحلب الجماعي للماشية في مناسبة اجتماعية تسمى "البيرية"؛ إذ يستخدمن قسماً من الحليب في "دور الحليب"، وقسماً لإطعام صغار الماشية، أما الفائض فيقمن ببيعه في أسواق المدن ومحال تصنيع "البوظة"».

"حميدة يوسف" قالت: «إن تقليد "دور الحليب" له فوائد اقتصادية واجتماعية جمة على السكان؛ حيث يوفر عليهم آلاف الليرات اللازمة لشراء الحليب من السوق لتحضير مستلزمات البيوت من "الأجبان والألبان والسمون والدوبيركي"، وغيرها وذلك من خلال التشارك؛ حيث تؤمن كل سيدة مؤونتها مجاناً. أما اجتماعياً فإن هذا التقليد العرفي يحقق تعاوناً وروحاً اجتماعية راقية تسودها المحبة والتآلف بين النسوة، كما يساهم "دور الحليب" في التقريب بين النساء المتخاصمات وما أكثره بين الريفيات؛ وبالتالي يحقق المصالحات الاجتماعية بينهن».

حلب الماشية في يوم "البيرية"

وتابعت حديثها: «إن مبدأ التشارك لا يتوقف عند حد تبادل كميات الحليب بين النسوة، إنما يتعداه إلى التعاون في إعداد المؤونة فيما بينهن؛ حيث يجتمعن منذ الصباح الباكر في البيت المحدد للقيام بواجب المساعدة وخاصة عند إعداد "الدوبيركي"، أو كما يسمى شعبياً "اللبن المغلي" الذي يتطلب تعاوناً بين مجموعة من النساء؛ حيث لا تستطيع امرأة وحدها إنجاز العمل لعدة ساعات.

التفاوت في كميات الحليب المقدمة من كل امرأة يسمى "دين الحليب"، وعلى المرأة التي تملك عدداً قليلاً من رؤوس الماشية والتي تسمى "المرأة المُدينة" أن تكمل كمية الحليب لباقي النسوة، ولو تم تأجيل ذلك إلى الربيع التالي».

وختمت: «رغم التطور الكبير الذي طرأ على الحياة الاجتماعية للسكان في الريف إلا أن هناك الكثير من التقاليد والعادات الاجتماعية الإيجابية ما زالت تسود أريافنا ومدننا، ويعمل الناس للحفاظ عليها ومن هذه التقاليد "دور الحليب" الذي يمثل أحد عناصر التقارب الاجتماعي والفائدة الاقتصادية لأبناء المجتمع الريفي».