لتجار الثلج طرائقهم في حفظ الثلج بهدف بيعه صيفاً لسكان "حلب"، وذلك قبل سريان التيار الكهربائي في شرايين المدينة وريفها، وهي تجارة منتشرة وشائعة في ذلك الوقت، وتعد مورد رزق للكثيرين من سكان المنطقة.

للحديث حول تقاليد تجارة وحفظ "الثلج" التقت مدونة وطن "eSyria " بتاريخ 22 تشرين الثاني 2014، في "عفرين" الجد "عبدو محمد إيبو" 83 عاماً، فقال: «قبل نحو 75 عاماً لم تكن الكهرباء متوافرة في عموم محافظة "حلب"، وكانت الحياة بدائية ولم تشهد التطور في كافة المجالات إلا بعد تدشين المحطة الكهربائية فيها عام 1929 -حسب ما أتذكر- ومن ثم بدأت الانتشار في الريف تدريجياً.

من أشهر الأكلات الحلبية الصيفية المرتبطة بالثلج أكلة "سويق"، ويتم تحضيرها بمزج "دبس العنب" أو العصير بالثلج وتناولها بالملاعق

إن مصانع تصنيع "الثلج" و"البوظة" و"المجمدات" ظهرت لاحقاً إثر انتشار الكهرباء وقبل ذلك التاريخ كان السكان وبائعو "البوظة" تحديداً يعتمدون على ما يورده تجار "الثلج" بـ"حلب" من هذه المادة وبكميات كبيرة تكفي الاستهلاك البشري، أما في الريف وبسبب توافر كميات كبيرة من الثلوج التي تتساقط على مدار فصل الشتاء، فإن الناس كانوا يحفظونها في حقولهم لاستعمالها خلال الفصل الحار في تبريد مشروباتهم أو بغرض البيع لتجار المدينة».

الجد عبدو محمد إيبو

وحول طريقة حفظ "الثلج" يضيف الجد "عبدو": «كان لحفظ "الثلج" تقاليد شائعة ومعروفة لدى الناس ومن أهمها حفظ "الثلج" القديم أو المتساقط منذ عدة أيام، الذي تحولت بلوراته إلى كرات صغيرة بحجم كرات الملح، أما "الثلج" المتساقط حديثاً فلا يصلح للحفظ ويسميه السكان "بيشونك" وهو يشبه الغبار، وحفظ "الثلج" يجب أن يتم في الحقول بعيداً عن الدور السكنية قدر المستطاع؛ للاستفادة من درجات الحرارة المنخفضة هناك، فدرجات الحرارة تكون في العادة مرتفعة داخل القرى خلال فصل الشتاء بسبب اشتعال عشرات المدافىء ومواقد النيران التي تساهم في ارتفاع درجة حرارة الجو ضمن الدور السكنية، وهو ما يؤدي إلى انصهار "الثلج" وتحوله إلى ماء».

ويتابع: «يقوم الناس في الريف بحفر حفر عميقة في الحقول خلال أربعينية الشتاء؛ حيث تكون درجة الحرارة منخفضة جداً، ومن ثم يقومون بجمع كميات كبيرة من "الثلج" ووضعها في تلك الحفر ليقوم شخص حافي القدمين بكبس "الثلج" برجليه جيداً حتى تمتلئ الحفر، وبعد امتلاء تلك الحفر بالثلج المكبوس يتم تغطيته بطبقة كثيفة من القش وأغصان الزيتون وفوق تلك الطبقة كانوا يضعون كمية مناسبة من التراب، ويستحسن أن يكون من نوع الحوّار الأبيض الذي يعطي البرودة في الصيف، بعد الانتهاء من عملية تغطية الحفر بالقش والتراب الحوّاري تكون طريقة حفظ "الثلج" قد انتهت.

"السويق" أكلة حلبية تراثية

بهذه الطريقة يتم حفظ كميات كبيرة من الثلوج إلى فصل الصيف الحار، أتذكر حين كنت طفلاً، كانت والدتي تجلب الطعام لوالدي وهو يعمل على البيدر يدرس المحصول في شهر آب، كان الماء ولبن العيران مثلّجين، فقد كان والدي يجلب كميات من "الثلج" من حفرته الخاصة بين وقت وآخر».

أما الجد "محمود أحمد" من حي "الشيخ مقصود –غربي" فيقول: «إن نار مدينة "حلب" وحرارتها المرتفعة في فصل الصيف لم يكن يطفئها قبل أكثر من نصف قرن إلا تجار الثلوج الذين كانوا يستوردون مادة "الثلج" الطازج من الأرياف المحيطة بهم، وإذا صادف ولم تتساقط "الثلوج" في إحدى السنوات فإن التجار كانوا يشترون هذه المادة الضرورية من القرى الواقعة اليوم داخل الحدود التركية مثل: "مرعش"، و"ديار بكر"، وغيرها ويجلبونها بواسطة قوافل الجمال، وهنا في "حلب" حارة قديمة تسمى "قارلق" التي كانت معروفة بنشاطها التجاري الخاص بالثلج فكلمة "قارلق" باللغة التركية – العثمانية تعني "المثلجة"، فإذا تساقطت الثلوج بكثرة في "حلب" كان أهل الحي يحفرون حفراً ويضعون فيها "الثلج" بعد أن يكبسوه بواسطة مضارب خاصة ثم يغطونه بالتبن ثم التراب، ويخرجونه في فصل الصيف لبيعه لسكان المدينة أو تجارها، لقد كانت تجارة "الثلج" من التجارات الرابحة في تلك الفترة.

الثلج في الريف

ومن الأسماء المعروفة في مجال تجارة "الثلج" في "حلب" في فترة النصف الأول من القرن العشرين الحاج "محمود الأفندي" وأبناؤه، وعائلة "الأفندي" عائلة عريقة في هذا المجال، وما زال بعض أفرادها يمارسون مهنة تصنيع وبيع "البوظة" ومختلف أنواع "المجمدات"».

وتابع الجد "محمود": «من أشهر الأكلات الحلبية الصيفية المرتبطة بالثلج أكلة "سويق"، ويتم تحضيرها بمزج "دبس العنب" أو العصير بالثلج وتناولها بالملاعق».