يطلق أهل "حلب" وريفها تسمية "التشارين" على فصل الخريف لأن القسم الأعظم من هذا الفصل يقع في شهري تشرين الأول والثاني، ولـ"التشارين" تقاليده وطقوسه الاجتماعية المميزة.

حول أهم هذه التقاليد تحدث العم "يوسف صاغر" من "ريف حلب" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 تشرين الأول 2014، قائلاً: «في "التشارين" تظهر تباشير فصل الخريف حيث تميل الطبيعة إلى اللون الأصفر ويميل الجو للبرودة وتهطل الأمطار الغزيرة، وهناك مجموعة من التقاليد الاجتماعية الشائعة والمعروفة لدى السكان ولهم حول هذه الفترة من السنة حكم وأمثال شعبية قديمة مرتبطة بحياتهم اليومية ارتباطاً وثيقاً، ومن الأمثال الشعبية المعروفة لدى الناس: "برد التشارين بهز المصارين"، وقيل هذا المثل لأن هذه الفترة وبحسب عرف الفلاحين تشهد برداً قارساً في العادة وهطولاً غزيراً للأمطار الرعدية، التي يقول عنها المزارعون: "مطر الخريف قاطع الحدود" أي إنه يهطل هنا بغزارة بينما يكون الجو مشمساً في منطقة قريبة مجاورة وبالعكس، وعلى الرغم من برودة الطقس في "التشارين" إلا أنها تشهد عادةً فترات يكون فيها الجو حاراً؛ لذلك يقول المزارعون: "بين تشرين وتشرين صيف تاني"، كما يقولون: "شمس الربيع بتسر، وشمس الشتاء بتضر، وشمس الخريف بتهر، وشمس الصيف بتحر"».

في "التشارين" أيضاً يتم تحضير "السوس" الطبيعي بقلع جذوره وتنظيفها قبل أن تحفظ في البيوت كمؤونة لشهر رمضان المبارك أو لبيعها في الأسواق، وخاصة في "سوق العطارين" في المدينة

ويتابع: «إضافةً لمصطلح "التشارين" هناك مصطلح خاص بالرعاة يطلقونه على فصل الخريف وهو "الصفاري"، وهو مصطلح قديم جداً ومنتشر في الريف وسبب تسمية الخريف به هو اصفرار المراعي العشبية في الجبال والسهول؛ حيث يستعد الرعاة لإطعام مواشيهم من مخزونهم من العلف، حيث تُحبس داخل الحظائر، وفي العرف الزراعي الريفي أيضاً يُجنى الكثير من المحاصيل في "التشارين"، فقديماً قالوا: "جني القطن بالتشارين"، وكذلك ينضج "الزعرور" الذي يسمى شعبياً تفاح الجبل، بينما تنتهي محاصيل أخرى، فالمثل الشعبي يقول: "في التشارين بخلص العنب والتين"، كما أن هناك محاصيل زراعية تفقد طعمها خلال فترة "التشارين"، وفي ذلك قيل المثل الشعبي: "عض على رأس حية ولا تعض على خيارة تشرينية"».

مطر الخريف - قاطع الحدود

كما أضاف العم "يوسف": «من أهم التقاليد الاجتماعية في الريف الشمالي لـ"حلب" خلال فترة "التشارين" هو صيد "عصفور التين" الذي يظهر في أواخر موسم التين حينما تصبح الثمار أكثر نضجاً وحلاوة، وقديماً وقبل حوالي نصف قرن تقريباً حينما لم تكن وسائل الاتصال الحالية والساعات والمفكرات متوافرة كان الناس يعتمدون على الطبيعة والبيئة المحيطة لمعرفة الفصول ومواعيدها، وكان "عصفور التين" أحد هذه الوسائل فهو دليل قدوم فصل الخريف، إن أول شخص كان يلمح هذا الحيوان كان يخبر أهل قريته بقدوم فصل الخريف، و"عصفور التين" حيوان صغير يأتي إلى حقول وكروم التين في "ريف حلب " خلال فترة "التشارين" حينما تنضج ثمار التين فيأكلها، ويقبل عليه الصيادون لأن لحمه طيب ويصبح أكثر لذة في هذه الفترة حيث يسمن ويملأ جسمه الدهون، ومن عادة أهل "حلب" أنهم يتناولون لحم "عصفور التين" مشوياً أو مقلياً بعد لفه بأوراق دالية العنب المغلية بالماء المالح».

وقالت العمة "زينب عبدو" من "عفرين": «من التقاليد الاجتماعية الشائعة في "التشارين" هو إعداد المؤونة ومن أهمها: إعداد مادة "الكشك"، ويتم إعدادها بنقع البرغل في الماء الساخن ومن ثم تجفيفه تحت الشمس، وبعد تجفيفه يضاف مع الملح إلى اللبن الرائب، ثم يوضع المزيج ضمن كيس قماشي من الخام الأبيض ليتسرب منه الماء ويترشح ببطء، يترك المزيج حتى يتخمر ثم تحفظ في جرار فخارية كمؤونة لفصل الشتاء؛ حيث يتناوله جميع أفراد الأسرة بجانب البقدونس والزيت والجوز؛ وهي من أشهى الأكلات الشتوية في "حلب" وريفها».

تنقية البرغل لإعداد الكشكة وحفظها

وتابعت العمة "زينب" حديثها: «في "التشارين" أيضاً يتم تحضير "السوس" الطبيعي بقلع جذوره وتنظيفها قبل أن تحفظ في البيوت كمؤونة لشهر رمضان المبارك أو لبيعها في الأسواق، وخاصة في "سوق العطارين" في المدينة».

العم يوسف صاغر