تبدع أنامل الفتيات الحلبيات لوحات فنية شعبية جميلة تستخدم في تزيين البيوت، فهذا العمل يعد من التقاليد الاجتماعية الشائعة في المجتمع الحلبي.

العمة "فاطمة أحمد" تحدثت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 أيلول 2014، عن هذه اللوحات الشعبية في "ريف حلب " قائلةً: «هذه اللوحات الشعبية هي مجموعة أعمال منفذة بطريقة فنية باستعمال الخرز و"القناويجا"، والخيوط الملونة، وبقايا القماش المستعمل في خياطة الألبسة لتزيين البيوت، أفكار رسومها مستقاة من البيئة المحيطة، وتستخدم فيها خيوط كالحرير ناعمة ولامعة ولكنها ثخينة ومفتولة، وإن لوحات "القناويجا" كانت وما زالت رائجة بشكل كبير، حيث الفتيات يخترعن من خيالهن الشعبي والبيئة المحيطة بهن صوراً غريبة وعجيبة في لوحاتهن، ومن هذه اللوحات الشائعة لوحة تضم حصانين هائجين وعلى ظهر كل حصان تجلس فتاة جموح كالحصان الذي تمتطيه، وعلى رأس أو يد كل فتاة طائر ملون جميل، والفتيات الحائكات معظمهن أميّات يستعن بالمتعلمات من الفتيات ليخططن لهن كلمة أو رسماً على القماش الأبيض ليقمن بتحويلها إلى لوحة "قناويجا"، وإذا كانت اللوحة تتضمن آية كريمة كانت المتعلمات يكتبن الآية بالقلم؛ لتقوم الفتيات برسمها بالخيطان الملونة التي تشبه خيطان "الكنفا"».

إضافة إلى اللوحات الفنية الشعبية التي تصنعها الصبايا، كان السكان يشترون صوراً شعبية منفذة بالألوان من قبل فنانين مجهولين؛ وذلك من أسواق المدينة أو من الباعة الجوالين، ومن أهم الصور الشعبية التي كانت شائعة في "ريف حلب " صورة لفتاة جميلة ذات شعر أجعد هي "فاطمة المغربية"، وصورة لعلي بن أبي طالب وولديه "الحسن" و"الحسين" جالسين بجانبيه وأمامه سيفه "ذو الفقار"، وكذلك صورة "لأبي زيد الهلالي" وصورة "لجساس" قاتل "كليب" بالغدر؛ حيث يمتد شارباه طويلاً على عرض الصورة

وأضافت: «من اللوحات الفنية الشعبية لوحات "الخرز" أيضاً؛ وهي شائعة في المنطقة وتشتغل بها الفتيات على سبيل الزينة لتعليقها على جدران البيوت الريفية، وذلك باستعمال الخرز الملون، فبعد أن ترسم فتاة متعلمة وجهاً إنسانياً، أو وردة، أو حيواناً، أو آية قرآنية تبدأ الفتاة رسم اللوحة، وإن رسم هذه الصور وإبداعها من قبل الفتيات الريفيات هو في الأساس عادة اجتماعية قديمة في "ريف حلب"، فالفتيات قبل زواجهن يقمن بتحضير جهاز عرسهن، ويجب أن يتضمن هذا الجهاز لوحات فنية من صنع أيديهن سواء أكانت من "الخرز" أو "القناويجا"، أو من بقايا القماش».

لوحة فنية - شعبية للفنانة عائشة عجم مهنا

ويقول العم "مصطفى إبراهيم" من "عفرين": «إضافة إلى اللوحات الفنية الشعبية التي تصنعها الصبايا، كان السكان يشترون صوراً شعبية منفذة بالألوان من قبل فنانين مجهولين؛ وذلك من أسواق المدينة أو من الباعة الجوالين، ومن أهم الصور الشعبية التي كانت شائعة في "ريف حلب " صورة لفتاة جميلة ذات شعر أجعد هي "فاطمة المغربية"، وصورة لعلي بن أبي طالب وولديه "الحسن" و"الحسين" جالسين بجانبيه وأمامه سيفه "ذو الفقار"، وكذلك صورة "لأبي زيد الهلالي" وصورة "لجساس" قاتل "كليب" بالغدر؛ حيث يمتد شارباه طويلاً على عرض الصورة».

وفي "حلب" المدينة وحول تطور هذا الفن الشعبي وأنواعه، يتحدث الباحث الفني "طاهر البني" بالقول: «كان لمدارس الإرساليات التبشيرية التي افتتحت في "حلب" على مشارف القرن العشرين أثر واضح في تعريف الشباب على معالم النهضة الغربية، بما في ذلك إنجازات الفنانين الغربيين، ودأبت هذه المدارس على تعليم طلابها وتلقينهم فنون التصوير وحملت إليهم صوراً مطبوعة لبعض نماذج الفن الغربي؛ ما دفع طلابها الشباب إلى تذوق هذه الفنون وممارستها، ومنهم: "جبرائيل دلال". أما المطبوعات التي وصلت إلى "حلب" عن طريق الإرساليات التبشيرية أو عن طريق التجار الغربيين أو عن طريق الطلاب العرب الدارسين في "الآستانة"، أو غيرها من العواصم الغربية في القرن التاسع عشر، فقد كان أثرها واضحاً في نمو الوعي الفني لدى العديد من المثقفين بمدينة "حلب"، ومن هذه المطبوعات صورة "العشاء الأخير"، وصورة "مريم المجدلية"، وصور "فطوم المغربية"، وغيرها مما كان يعلق على جدران البيوت الحلبية، ويبدو أنه كان للرسوم المنمنمة الوافدة من "إيران" و"تركيا" أثر واضح في دفع بعض الرسامين الشعبيين بـ"حلب" إلى محاكاتها أو نسخها؛ خاصة تلك التي تجسد السير الشعبية أو المواقع والمواقف والشخصيات العربية الإسلامية، وقد رأينا نسخاً منها تتصدر بعض البيوت الحلبية، وهي رسوم نُفذت بأسلوب شعبي بسيط يعتمد على الذاكرة والموقف الديني أكثر من اعتمادها على قواعد الرسم المألوفة في التصوير الغربي».

لوحة شعبية من بقايا القماش

ويضيف: «لقد خضعت الرسوم الشعبية إلى مجموعة من السمات، كان أبرزها: الجمع بين التصوير الواقعي والمشاهد المتخيلة الصادرة عن الذاكرة، والاهتمام بالزخرفة والمنمنمات في الملابس والأدوات من أجل التأكيد على الهوية العربية في الرسم والاستخدام الجريء للألوان الحارة والبسيطة، التي لا تعتمد على المزج والاستنباط، فهي ألوان صريحة لها وقع خاص في نفس الإنسان العربي البسيط، وأخيراً المبالغة في تصوير الحدث حيث تبدو الأحداث المصورة منافية للواقع، والتأكيد على القيم الروحية والفضائل التي يتحلى بها الإنسان العربي، ففي منتصف القرن العشرين طبعت بعض المطابع بـ"حلب" آلاف الصور لهذه الرسوم الشعبية التي راجت في البيوت والقرى المحيطة بـ"حلب"، وكانت من رسم "كمال جراب" وتوزيع مطبعة "عمر الريحاوي" بخان الصابون، ولعل هذه المطبوعات دفعت الذين يعملون في حرفة الدهان والتزيين إلى محاولة تقليدها لغاية التزيين».

وقد أشار السيد "عبد الله السيد" إلى أنه شهد بحي "التلل" الحلبي منزلاً قديماً وجدت فيه صور جدارية للعذراء مع رسوم دهانية مؤطرة كانت تحيط بإطار القبة تمثل نماذج من الفن الغربي كمريم المجدلية، وواضح أن هذه الحرفة راجت خلال القرن التاسع عشر في "حلب"؛ حيث أخذ بعض أثريائها يزينون بيوتهم بالدهان الزيتي والرسوم مستخدمين في ذلك النقّاشين والرسّامين الذين امتهنوا صنعة دهان البيوت بدهان اللازورد والحل الذهبي وأشكال من النقوش وصور الأزهار، كما اشتهرت في أوائل القرن العشرين أسر حلبية بامتهان حرفة الدهان مثل: "آل الدهان"، و"آل القمري" الذين كانوا يصنعون القمريات من الجص في البيوت، ثم انتقلوا إلى صنعة الدهان؛ فظهر لدى بعض أفرادهم ميل واضح لفن التصوير، وأتيحت لي مشاهدة بعض أعمالهم التصويرية المنفذة على القماش بشكل لوحة مستقلة وهي تصور بعض المناظر الطبيعية والمواقع الإسلامية، مثل: مسجد "آيا صوفيا" في "اسطنبول" وهي موقعة من قبل "عبد الحميد القمري" في العام 1925».

لوحة شعبية مشغولة بخيوط "القناويجا"