للقطط والهررة حضور بارز في حياة الناس الاجتماعية والتراثية في مختلف المناطق السورية ومنها "حلب"؛ وذلك لتميزها بصفات إيجابية جعلتها أقرب الحيوانات إلى الإنسان، تعيش بجواره وفي دوره السكنية.

حول هذا الحضور في "ريف حلب الشمالي" تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 أيلول 2014، العم "خليل عبدو" بالقول: «"الهرة" حيوان أليف يعيش بجانب البشر وداخل بيوتهم السكنية، وهي من الحيوانات المحبوبة، التي تتميز بصفات إيجابية عديدة كالنظافة وصيد الأفاعي بمهارة ومطاردة الفئران، وهذه الميزات التي تتمتع بها الهررة كافية لتكون قريبة للإنسان وخصوصاً في الريف، حيث تكثر الأفاعي السامة والفئران المؤذية، وفي المعتقدات الشعبية الحلبية "الهرة البيضاء أليفة والسوداء مخيفة"، فالهرة السوداء تسمى "هرة الجان" وهي خطرة على الإنسان، وتتميز بلونها الأسود وشكلها المخيف والمرعب وخاصة بالنسبة للأطفال والنساء، حتى إن الأهالي يلجؤون إلى أسلوب تأديبي تقليدي بإخافة أطفالهم بالهرة السوداء إذا ما شاغبوا، كما ينصحون المرأة الحامل بعدم الخروج من البيت وحدها ليلاً حتى لا تلتقي "هرة الجان" حماية للجنين في بطنها، وعند حصول "الرعبة"، فعليها أن تشرب كأساً من الماء بـ"طاسة الرعبة" النحاسية كعلاج فعال لها».

في العرف الشعبي العفريني تختفي الهررة في صباح يوم عيد الأضحى المبارك بشكل فجائي؛ لأنها تزور ضريح صاحبها "أبو هريرة"، في صباح العيد لا يمكن رؤية الهررة في القرى والمدن وهذا الأمر معروف لدى كل الناس، ولكن في اليوم التالي من العيد تعود للظهور

ويضيف: «الكثيرون من الريفيين يتحدثون عن رؤيتهم للهرة السوداء في أماكن معينة وأزمنة محددة، مثل الكهوف والوديان البعيدة عن القرى وتحديداً خلال فصل الشتاء، كما يشاع بين الأهالي أن الهرة السوداء بإمكانها تقمص أية شخصية تريد؛ فمن الممكن أن تتقمص شخصية والد الشخص أو أمه أو جاره ليقوم باستدراجه إلى مواطنها لتقوم هناك بضربه ضرباً مبرحاً، وهناك الكثيرون ممن أعرفهم وقد أصبحت وجوهم سوداء من الضرب أو التوت أعناقهم وأفواههم، وللتخلص من الهرة السوداء على الإنسان وبمجرد رؤيتها أن يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"، فهذه العبارة هي الوسيلة الوحيدة لطردها».

العم خليل عبدو

وتابع العم "خليل" حديثه: «في العرف الشعبي العفريني تختفي الهررة في صباح يوم عيد الأضحى المبارك بشكل فجائي؛ لأنها تزور ضريح صاحبها "أبو هريرة"، في صباح العيد لا يمكن رؤية الهررة في القرى والمدن وهذا الأمر معروف لدى كل الناس، ولكن في اليوم التالي من العيد تعود للظهور».

السيد "سيفو فرخو" من "جنديرس" يقول حول هذا الموضوع: «المعروف عن الهررة أنها لا تتبرز على السجادات المنزلية أو الأثاث المنزلي، بل تقوم بذلك خارج البيوت بعيداً عن العيون، كما تقوم بتغطية برازها بالتراب، ولهذا يحرم على الإنسان أن يقوم بقتل الهرة وإيذائها، وإذا قام بذلك فإنه وبحسب العرف الاجتماعي سيقوم بملء جلدها المسلوخ بالذهب يوم القيامة، وللهرة حضور مهم في بعض المناسبات الاجتماعية، مثل مناسبة الزواج، فبحسب العادات الاجتماعية القديمة يقوم العريس بإدخال هرة معه إلى غرفته ليلة الدخلة حتى تخشاه عروسه، وبالتالي تقتنع برجولته وشجاعته منذ الليلة الأولى، وتصبح مطيعة له طول العمر. وحول "الهرة" وردت الكثير من الأمثال الشعبية، ومنها: "حط القطة بالزاوية واحصرا بتصير نمر"، ويقولون للإنسان الذي يدعي أنه مسكين: "ما شاء الله عليك القط بياكل عشاك"، وكذلك: "لا تدوس على ذنب القطة بتخرمشك"، "ويلّي بدو يلعب مع القط بدو يتحمل خراميشو"، وفي المعتقدات الشعبية الحلبية القديمة أيضاً تستخدم "الهرة" كنوع من العلاج الشعبي الشائع في بعض الحالات المرضية وخاصة التي تصيب الأطفال كعدم قدرتهم على المشي في الوقت المحدد، العلاج هو إطعام الطفل "معلاق" القطة فذلك كفيل بجعله يمشي بشكل طبيعي، ومن معتقداتهم أيضاً أن "القطة إذا مسحت ولحست وجّا بدو يجي عالبيت ضيوف"، وفيما يتعلق بالقطط أيضاً وفي موسم تزاوجها في شهر شباط يقول أهل "حلب" إن القطط "مهورنة أو هورنت"؛ أي هاجت جنسياً، إذ تطلق صوتاً مميزاً خلال أيام شهر شباط الباردة».

العم سيفو فرخو

وختاماً، قال: «يطلق السكان على القطة اسم "بسّة" تحبباً، ولهم في ذلك أغان خاصة للأطفال، ومنها: "حج الله يا حجيج الله، دبس وسمنة بالجرة، باكل أنا والببو والبيسة تطلع لبرا"، وكذلك: "بيس بيس نو يا بيس بيس نو، دلوعة وعم تحلو"، ومن الأغاني والأهازيج الخاصة بالأطفال: "بيسة بيسة نو، قومي اشعلي الضو، جوزك بالحمام، عم ياكل رمان، قلتلو طعميني، حط راسو ونام"».

الجدير بالذكر، أن "القط أو الهر" هو حيوان من الثدييات، ينتمي إلى فصيلة السنوريات، تم تدجينه من قبل الإنسان منذ حوالي 7000 عام، وهنالك عشرات السلالات من القطط، تزن القطة بين 4 و7كغ، وقليلاً ما تصل إلى 10كغ، وللقطط قدرة كبيرة على الرؤية في الظلام، وللقطة غطاء ثالث للعين، إذا أظهرت القطة هذا الغطاء بشكل مزمن، يعني هذا أن القطة مريضة، وكثيراً ما تلعق فراءها لتنظيفه ولكسب فيتامين سي، تعيش القطة نحو 35 سنة.

هرة الجان في المعتقدات الشعبية