بين الحقل و"طنجرة الطبخ" الحلبية تمر حبات القمح بعدة مراحل كالسلق والطحن والقشر والتكسير؛ وذلك بأدوات حجرية تقليدية وضمن طقوس اجتماعية جميلة.

حول أهم هذه الأدوات والطقوس المرافقة التقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 أيلول 2014، المعمر "عبدو إيبو" من منطقة "عفرين"، ويقول: «تتم معالجة حبات القمح في نهاية كل موسم بطرائق مختلفة، وذلك بحسب الرغبة، فإما أن يتم تكسيرها بشكل قاسٍ لإعداد البرغل الخشن أو الفريكة، أو بشكل ناعم للحصول على السميد، أو طحنها للحصول على الطحين؛ وذلك باستخدام طاحونة يدوية منزلية تسمى محلياً "داستار"، أما إزالة القشر عن الحبات فتتم بواسطة "السُوق" أو "الدالوب" والناتج يسمى "الدان" ويستعمل في طبخات عفرينية عدة، ولكل بيت ريفي طاحونته اليدوية المؤلفة من حجرتين من البازلت دائريتين تُركّب الواحدة على الأخرى، وللحجرة العليا ثقب ومسكة خشبية تمسك بها السيدة لتدويرها بعد وضع كمية من القمح عبر الثقب، وفي منطقة "عفرين" هناك متخصصون في صنع الطواحين اليدوية؛ حيث يذهبون إلى جبال ناحية "راجو" لجلب قطع من الحجر الأسود أو الأزرق قبل تقطيعه وصقله وتحضيره، ومن ثم بيعه للزبائن».

للحلبيين معتقداتهم الشعبية حول الطاحونة، ومن هذه المعتقدات أنه إذا قام أحدهم بتدوير الطاحونة وهي فارغة فإن البلاد سوف تشهد موجة من الغلاء؛ لذلك يمنعون وخاصة الأطفال من تدويرها

ويتابع: «من المعروف أن المرأة الريفية في "عفرين" تبدأ صباحها كل يوم بإعداد خبز الصاج لأسرتها، ولذلك كانت تستيقظ في ساعات الفجر الأولى لتطحن كمية مناسبة من القمح بواسطة طاحونتها التي كانت كفيلة بإيقاظ جميع أفراد الأسرة بصوتها الجميل ليذهبوا إلى أعمالهم وأشغالهم، في المناسبات الاجتماعية مثل زيارة الضيوف والعزائم والولائم تعد النسوة كميات كبيرة من البرغل أو الفريكة لطبخه مع اللحم؛ لذا تتعاون مجموعة من النسوة أو الصبايا في تكسير حبات القمح وطحنها».

الدالوب

أما العمة "بنفش حمو" فتتحدث عن طقوس مراحل إعداد القمح، وتقول: «من الأمور الاجتماعية المعروفة عن الطاحونة اليدوية أيضاً أن النسوة كن يضعنها في فناء دورهم السكنية كنوع من الخير ليستعيرها الجيران عند الحاجة إليها؛ فاستعارة الطاحونة في الريف من الأمور الشائعة والمعروفة، أما "السُوق" فهو عبارة عن جرن حجري كبير موضوع في ساحة القرية الرئيسية ووظيفته إزالة القشر والنخالة عن حبات القمح لإعداد "الدان" أو "البرغل" و"السميد" لاحقاً، ولعملية إزالة قشر القمح في "السُوق" الحجري طقوس اجتماعية جميلة؛ حيث يجتمع عدد من الرجال حوله ليقوم رجلان بدق القمح في "السُوق" بعد ترطيبه بواسطة مطارق خشبية خاصة؛ بينما يجلس الثالث ويسمى "المردد" ليردد كلمتي: ("هُو"- "هِي") الحماسيتين ضمن إيقاع موسيقي منتظم بهدف ضبط حركة أيدي الرجلين، أما بقية الرجال فيجلسون حولهم ويسمون "المتفرجين"؛ وهم يحكون أجمل القصص والحكايات والنكات، هنا لا بد من الذكر بأن أهل "عفرين" يقولون: (إذا كان أجر الذي يدق القمح بربع ليرة فأجر "المردد" بربعين)».

وتتابع: «ومع الزمن ظهر "الدالوب" الذي يزيل القشر سريعاً وبكميات أكبر من "السُوق"، و"الدالوب" عبارة عن جرن حجري يدور عليه دولاب حجري بازلتي كبير أو من المرمر وذلك بواسطة حيوان، ومعروف عن "يوم الدالوب" في الريف أنه مهرجان اجتماعي؛ حيث تقوم عدد من الأسر بالتعاون في إنجاز العمل من الصباح وحتى المساء وسط أجواء اجتماعية جميلة من إعداد طعام جماعي ومشترك وأداء الأغاني الشعبية والفلكلورية، ترافقه الرقصات والتصفيق من جميع الحاضرين».

السُوق

وحول الأمثال والقصص الشعبية المرتبطة بالطاحونة في "عفرين"؛ تحدثت السيدة "مريم حمو"، وتقول: «في "عفرين" مجموعة من الأمثال الشعبية المرتبطة بالطاحونة أو "الداستار" كما يسمى محلياً، فمثلاً يقال للرجل الكاذب: (إذا كان ظهرك مليان طحين وقلتلي جاي من الطاحونة ما بصدقك)، وللرجل الأكول: (بطنك عم يطحن متل "الداستار"، إذا الطعام مو إلك البطن مو إلك)، ويقول الحلبيون: (الحنطة بتدور وبتدور وبترجع عالطاحونة)، وتقول المرأة القليلة الحظ عن سوء حظها: (سعدي لو أقبل على الطاحون ما دارت تهدهدت وبيوتها غارت)، ومن أمثالهم أيضاً: (لا بد ما تجي الحبة بتم الطاحونة)، وحول شخص صوته شاذ يقولون: (صوتو متل طاحونة البرغل إلي دشاليا* معطلة)».

وتختم: «للحلبيين معتقداتهم الشعبية حول الطاحونة، ومن هذه المعتقدات أنه إذا قام أحدهم بتدوير الطاحونة وهي فارغة فإن البلاد سوف تشهد موجة من الغلاء؛ لذلك يمنعون وخاصة الأطفال من تدويرها».

سلق القمح استعداداً لطحنه وتكسيره

* دشاليا: براغي.