لإعداد مختلف أنواع الحلويات الطبيعية، يقوم أهل ريف حلب الشمالي خلال فصل الصيف، بالتعاون والتناوب لجمع ثمار حقولهم وحفظها كمؤونة سنوية، لتناولها خلال سهراتهم ومناسباتهم وأمسياتهم الشتوية الطويلة.

في "عفرين" بريف حلب الشمالي وبتاريخ 7 آب 2014، تحدث العم "محمد جمو" لمدونة وطن "eSyria" حول أهمية هذه الحلويات التقليدية وحضورها في حياة الناس قائلاً: «إن إعداد الحلويات التقليدية في الريف السوري عموماً هي إحدى التقاليد العريقة التي ورثها الأبناء عن الآباء والأجداد، وهي إحدى المهن الاجتماعية الشائعة للنساء منذ أقدم الأزمنة.

تتمتع الحلويات التقليدية بقيمتها الغذائية العالية فهي مفيدة لصحة الإنسان لكونها طبيعية ويتم إعدادها بطرق تقليدية ويدوية دون دخول أية مواد ضارة فيها، مثل السمون الصناعية والسكر الصناعي وغيرها، ولذلك فإنها أكلات مرغوبة جداً في الريف وغيره

إن أهم ثمرتين تدخلان في تركيب هذه الحلويات وتحضيرها هما: "التين" و"العنب" فمنهما تحضّر المرأة الريفية أنواعاً عديدة من الحلويات التقليدية الشهية في أواخر فصل الصيف من كل عام لتحفظها لفصل الشتاء».

ألماس عمر تعد "باستق" التين

وأضاف: «يرتبط وجود هذه الحلويات في البيوت الريفية بمناسبات اجتماعية عدة، ومن أهمها: سهرات الريفيين في ليالي الشتاء الطويلة التي تدوم حتى ساعات الصباح الأولى، وخاصة في الأيام الماطرة التي تعد عطلة للمزارعين والرعاة.

خلال هذا الفصل يتناوب القرويون الاجتماع والسهر في أحد بيوت القرية، فيجلسون حول مواقد النيران ويبدأ أحدهم قص الحكايات الشعبية للحاضرين، ومن تقاليد هذه السهرات تقديم هذه الحلويات، كما تقدم خلال حفلات الخطبة للمجتمعين وللضيوف بعد تناولهم طعام العشاء.

الزبيب

إضافة لهذا الحضور الاجتماعي للحلويات التقليدية في حياة أهل الريف، فإن لها حضوراً طبياً إذ يتم تناولها لمعالجة الكثير من الأمراض والعلل، مثل: "السعال الديكي"، و"الإمساك"، و"الزكام"، و"التهابات الحلق والبلعوم"، وغيرها، كما يتناولها المزارعون والرعاة في الأيام الشتوية الباردة فتمنحهم الدفء والحرارة».

وختم: «تتمتع الحلويات التقليدية بقيمتها الغذائية العالية فهي مفيدة لصحة الإنسان لكونها طبيعية ويتم إعدادها بطرق تقليدية ويدوية دون دخول أية مواد ضارة فيها، مثل السمون الصناعية والسكر الصناعي وغيرها، ولذلك فإنها أكلات مرغوبة جداً في الريف وغيره».

إعداد "السنجق" في الريف العفريني

السيدة "ألماس عمر" من "جنديرس" قالت: «يُستخدم "العنب" و"التين" في إعداد أنواع عديدة من الحلويات التقليدية، فمن العنب يحضّر: "دبس العنب"، و"الزبيب"، و"الباستق"، و"السنجق"، و"كيسمة"، و"تعك"، و"خوشاف". ومن التين يعد: "التين اليابس"، و"باستق التين".

يتم إعداد "دبس العنب" بعصر حبات العنب ووضع العصير على النار الحامية لعدة ساعات وتحريك المغلي بواسطة نبتة برية تسمى "خاشل" لمنح الدبس طعم العسل ثم يُبرّد ويُحفظ. ويتم تحضير "الزبيب" بتنظيف عناقيد العنب من القش والحبات الفاسدة ووضعها في سائل خاص معد للمناسبة يسمى "صفية" وهي عبارة عن منقوع رماد الخشب مع قليل من الزيت، ثم نشر الحبات تحت الشمس عدة أيام».

وأضافت: «يتم إعداد "باستق العنب" بعصر حبات العنب وخلط العصير بكمية من الدقيق والنشاء ووضعه على النار حتى يصبح كثيفاً قبل سكبه على القماش الخام تحت الشمس ليومين أو ثلاثة، ثم يُطوى ويُحفظ.

أما "السنجق" فيعد بنقع حزوز حبات الجوز واللوز اليابس في الماء حتى تصبح مرنة وتسمح بمرور الإبرة والخيط خلالها، ومن ثم توضع الخيوط التي مُررت بالجوز واللوز على مجموعة من الأعواد، وذلك قبل تجهيز المزيج المؤلف من طحين ونشاء يُغلى حتى يصبح كثيفاً، ثم تُغطس فيه خيوط الجوز واللوز وتُعلق على تلك الأعواد حتى تنشف وتصبح مطاطية».

العمة "بنفش حمو" من "عفرين" قالت: «هناك أنواع من الحلويات الريفية التقليدية قديمة جداً ولا يعرفها سوى المعمّرين لأن إعدادها أصبح نادراً في الوقت الحالي وهي: "كيسمة"، و"تعك"، و"خوشاف".

"كيسمة" تعد بمزج كمية من السميد الأبيض مع قليل من الطحين قبل أن تعجن بعصير العنب المغلي، ومن ثم يوضع المزيج على النار حتى يأخذ قواماً عجينياً فيُسكب على طبق كبير وسميك تحت الشمس ليجف قليلاً، بعدها يتم تقطيعه بواسطة السكين إلى مكعبات صغيرة لتحفظ لفصل الشتاء؛ حيث يُضاف إليه الجوز واللوز فتصبح من أفخر أنواع الحلويات المتمتعة بقيمة غذائية عالية.

"تعك" وتُصنع من حبات العنب الناضجة التي جفت وتجعدت تحت أشعة الشمس؛ حيث تُجمع وتوضع في "دن" من الجلد مع إضافة الماء إليها، ثم تترك فترة حتى تتحول إلى مادة غذائية لذيذة وشهية تحفظ للشتاء.

وأخيراً، "خوشاف" وهو مشروب لذيذ ومفيد للصحة ويُصنع من حبات الزبيب الناعمة الخالية من البذور؛ حيث تنقع في الماء الساخن فينتج عنه شراب طبيعي يُشرب مع الكبب بمختلف أنواعها في فصل الشتاء.

أما من "التين" فيعد "التين اليابس" وهو من أكثر أنواع الحلويات التقليدية انتشاراً في الريف، و"باستق التين" ويتم بإزالة قشر حبات التين وفركها حتى تأخذ قواماً عجينياً، ومن ثم تغلى وتمد على قطعة قماشية تحت الشمس حتى تجف قبل أن تقطّع وتطوى وتحفظ للشتاء».

وختمت: «إن إعداد هذه الحلويات يتم ضمن مناسبات اجتماعية جميلة إذ تساعد الأسر بعضها بعضاً وخاصة بالنسبة إلى "دبس العنب" و"الباستق"؛ لكونهما يتطلبان الكثير من الوقت، لذا تستيقظ الأسرة منذ الفجر للبدء بالعمل فالنسوة يعصرن ويمزجن ويغلين، أما الرجال فيجلبون الحطب ويشعلون النار ويحركون المزيج على النار وسط أداء الأغاني والأهازيج الشعبية والفلكلورية».