عندما ينقطع المطر عن الهطول فترة طويلة، يلجأ أهالي مدينة "حلب" وريفها إلى مجموعة من طقوسهم التقليدية التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم عبر مئات السنين؛ لاعتقادهم أن ممارستها تجلب لهم الغيث والفرج.

العم "يوسف أحمد" من حي "الخالدية" تحدث لمدونة وطن "eSyria" حول أهم التقاليد التي كان أهل "حلب" يمارسونها عند انحباس المطر، وذلك بتاريخ 28 حزيران 2014، قائلاً: «يعد انقطاع المطر عن الهطول مدة طويلة -كما هو الحال في هذه الأيام- من المصائب الكبيرة التي يتعرض لها الإنسان؛ حيث تقل المحاصيل الزراعية وترتفع الأسعار، وتهلك الماشية ويحل الفقر وتقل الحركة في الأسواق وغيرها، ولذلك تعارف الناس منذ أقدم الأزمنة على ممارسة طقوسهم الخاصة بالمناسبة متضرعين ومتوسلين إلى الله على أمل أن يشملهم برحمة من عنده فيرسل الغيث؛ لتعود الحركة للناس والسعادة للقلوب.

"اسق العطاش" منظومة ملحنة على غرار "التواشيح"، تُغنى على ضرب معين من الرقص أبدعتها "حلب"

ومن هذه التقاليد خروج أبناء المدينة أو أحد أحيائها كباراً وصغاراً في موكب جماعي بينهم المشايخ وهم يلبسون جببهم بالمقلوب، بينما يلبس الصغار فراء الماشية بالمقلوب أيضاً، ويجوبون حيّهم والأحياء المجاورة ترافقهم الطبول، ومن عاداتهم المتعلقة بهذا الموكب أن يضعوا في مقدمته خراف ضعيفة وبعض المجاديب والأطفال الصغار؛ وذلك ليستدروا بها عطف الله سبحانه وتعالى فيرحمهم بإرسال المطر. وخلال تجوالهم تصيح الجموع متضرعة لله: "يا رب أمطرنا كرمال هدولين* يا رب"، كما يصيحون: يا رب يا مفرّج المصائب، وكذلك: يا رب يا رب.

العم يوسف أحمد

ومن أهم الأهازيج التي يرددها الأطفال ضمن الموكب: "يا الله شتا يا الله طين، نحن صغار بدنا طحين"، وكذلك يهزجون: "يا ربنا يا ربنا نحن عبيدك كلنا، إذا الكبار أذنبت إحنا الصغار إش ذنبنا؟"، وأيضاً: "يا الله الغيث يا الله الغيث نحن صغار مانا خبيث"».

العمة "فاطمة أحمد" قالت: «في "عفرين" يمارس الناس تقليداً طريفاً وقديماً جداً، وهو قيام ثلاث أرامل بغسل رأس حمارة لأنهم يعتقدون أن هذا التقليد من شأنه جلب المطر.

الاستسقاء

كما يجوب الأطفال على بيوت القرية ليلاً ويتقدمهم طفل دهن وجهه وساعديه ورجليه بـ"الشحوار" الأسود يسمى "قشمر"، وهم يغنون: "أبو الحشيش طفران بكرة بيجي باران**"، ويقوم أهالي البيوت برش الموكب وخاصة "القشمر" بالماء أملاً بهطول المطر، ومن ثم منحهم مبلغاً من المال أو مواد عينية أخرى كالبرغل والزيت وغيرها، وفي اليوم التالي يقيم أهل القرية غداء جماعياً يتناوله جميع سكان القرية وعابرو السبيل.

ومن التقاليد الاجتماعية والدينية التي يمارسها سكان "حلب" وريفها بعد انحباس المطر هو "صلاة الاستسقاء"، أو كما تسمى شعبياً "صلاة المطر"، وهي صلاة خاصة بهذه المناسبة تُقام بشكل جماعي خارج المساجد في مكان مرتفع جانب المدينة كهضبة».

وصلة من أغنية "اسق العطاش" الحلبية

وأخيراً، ورد في "موسوعة حلب المقارنة" للعلامة والباحث "خير الدين الأسدي" منظومة غنائية تسمى "اسق العطاش"؛ وهي مرتبطة بانقطاع المطر وتعد تحفة فنية أبدعها الحلبيون بهذه المناسبة، يقول "الأسدي": «"اسق العطاش" منظومة ملحنة على غرار "التواشيح"، تُغنى على ضرب معين من الرقص أبدعتها "حلب"».

ويتابع: «بناء على طلبي قدم السيد "صبحي القسطلي" وهو أحد أركان حلقة الهلالية دراسة حول منظومة "اسق العطاش"، وتضم الدراسة أنه قبل حوالي 300 عام تعرضت مدينة "حلب" لموجة من الجفاف وشح الأمطار ونضوب الينابيع.

كان في الزاوية "الهلالية القادرية" بحي "الجلوم" بمدينة "حلب" منشد وناظم يُدعى الشيخ "محمد الوراق" نظم قصيدة مطوّلة في التضرع إلى الله ولحنها بنغم الحجاز الذي يعبق بأريج النبوة، وعرض النظم واللحن على شيخه فوافق عليها وعلمها لتلامذته، ثم خرجوا إلى العراء يتلونها راقصين باكين متوحدين فاستجاب الله إلى توسلات عباده، وكان ولع النصارى بالمنظومة أشد من ولع المسلمين بها لكونها تحفة فنية خالدة، فاستمدتها الكنائس واستمدت الكثير من لحنها.

ومن مقاطعه: "اسق العطاش" تكرّما، فالعقل طاش من الظمأ.

ثم أُدخلت إليه القدود الحلبية وغدا للغناء أكثر منه للابتهال، وتبقى المنظومة إبداعاً حلبياً صرفاً وهي تحفة فنية غنائية خالدة في المشرق والعالم».

  • هدولين: كلمة عامية تعني "هؤلاء" والمقصود بذلك الخراف الضعيفة والمجاديب والأطفال الذين يتقدمون الموكب.
  • ** باران: كلمة كردية معناها المطر.