للناس في منطقة "عفرين" عادات وتقاليد قديمة خاصة بالأطفال والمواليد الجدد وهي عادات ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ويتم ممارستها من قبلهم لحماية أطفالهم من بعض الأمراض أو لمعالجتهم من بعضها الآخر وتبدأ من أول حمام للطفل العفريني.

للحديث حول هذه العادات التقى موقع eAleppo في منطقة "عفرين" السيدة "فاطمة محمد" 68 عاماً والتي قالت: «قبل ظهور القابلات القانونيات كان لكل قرية دايتها الخاصة بها وتكون عادةً إنسانة كبيرة السن وخبيرة في أمور الولادة وقد كانت كل داية تفتخر بأنّ معظم سكان قريتها قد وُلدوا على يديها».

قبل الحمام تقوم بعض الأمهات بدهن شعر الطفل بالحنّة أو استعمال "تربة البيلون" في عملية الاستحمام كمواد مساعدة في القضاء على مرض "الخَمَري" عند الطفل

وأضافت: «بعد إتمام عملية الولادة التي كانت تُجرى في البيوت كانت الداية تقوم وبمساعدة إحدى كبيرات السن بأول حمام للوليد باستعمال الماء والصابون بعد ربط سرّته بإحكام كي تنفصل عن جسد الطفل بعد أيام قليلة حيث كان والد الطفل يأخذها ليرميها فوق مدرسة القرية اعتقاداً منه بأنّ ذلك يجعله يحب الدراسة ويصبح رجلاً ذا شأن مستقبلاً، أو كان يرميها في باحة منزل رجل مشهور أملاً في اكتساب مهاراته وصفاته الجيدة، طبعاً هذه العادات ما زالت شائعة لدى الريفيين في المنطقة.

السيدة فاطمة محمد

بعد الانتهاء من الحمام الأول للطفل تقوم الداية بتحضير دواء خاص للمناسبة ويتألف من الماء المالح وزيت الزيتون من خلال خلطهما ببعض ومن ثم دهن كامل جسم الطفل به وخاصّةً مناطق ما بين الأصابع وخلف الأذن وكل منطقة يمكن ثنيها لأنّ هذا الدواء العربي التقليدي يحمي الطفل مستقبلاً من الالتهابات والتقيحات والحرقة الناتجة عن التعرق وكذلك تخليصه من الرائحة الكريهة التي تنبعث من أقدامه، كما تقوم الداية أو جدة الطفل بوضع بضعة قطرات من عصير الليمون في عينيه لتعقيمهما من الجراثيم والأوساخ».

السيدة "وحيدة جميل" 55 عاماً وهي من ناحية "جنديرس" قالت: «هناك نوع آخر من الحمام الذي يُجرى للطفل وتقوم به عادةً والدته أو جدته وهو عبارة عن حمام علاجي أو طبي للطفل بعد إصابته بمرض ريفي شائع ويرتبط ظهوره في العرف الريفي بموضوع الانقلاب الشهري».

السيدة وحيدة جميل

وتابعت السيدة "وحيدة" حديثها بالقول: «بحسب العرف الريفي في منطقة "عفرين" أنّ سبب أغلبية الأمراض الخاصة بالأطفال ناتج عن ظاهرة طبيعية تسمى الانقلاب الشهري فعند ظهور القمر في بداية كل شهر يصاب معظم الأطفال بمرض شائع يسميه الناس محلياً /خَمَري/ ومن أعراضه الإسهال والإقياء وفرك العينين وسيلان المخاط من الأنف وآلام عامة ولعلاج هذا المرض هناك طريقتان يتم اللجوء إليهما، الأول بأخذ الطفل إلى شخص يمارس الطب الشعبي ويُسمى صاحب اليد أي إنه ورث الكار عن والده، هذه الطريقة لم تعد تمارس اليوم بسبب التطور الطبي الحديث ووصول المشافي والمستوصفات والأطباء إلى معظم البلدات والقرى.

لقد كان صاحب الكار يقوم برسم شكل + /زائد بالعربي/ على جبين الطفل المريض وبطنه وكذلك رسم دائرة في معصمه ورقبته وذلك باستعمال هباب الفحم الأسود كما كان يوصي بعدم تقبيل الطفل حتى ينام ويستفيق، والجدير بالذكر أنّ أم الطفل كانت تقدم لصاحب اليد صحن ملح أو صابونا وما شابه.

نبتة المرّة /تعلك/

الطريقة الثانية وهي إجراء حمام من نوع خاص للطفل هو الحمام العلاجي من مرض الخَمَري السابق ولا يتم باستعمال الماء والصابون هذه المرة إنما باستعمال مواد أخرى طبيعية كالحنة والبرغل والقمح وتربة البيلون ونبتة محلية يسميها الأهالي في المنطقة /تعلك/ أي "نبتة المرّة" وهي ذات طعم مر جداً وغيرها من المواد».

وأضافت: «في اليوم الذي يسبق إجراء الحمام تقوم والدة الطفل بوضع قليل من القمح والبرغل وقليل من أوراق "نبتة المرّة" /تعلك/ البرية ذات الرائحة العطرة في صحن مملوء بالماء وتركه حتى اليوم التالي لتقوم بتصفية الماء بواسطة شاشة قماشية ومن ثم غلي ذلك الماء وغسل رأس الطفل وجسده به، وهذا الحمام كفيل بالقضاء على مرض "الخَمَري" وتخليص الطفل من كل أعراضه المزعجة».

وختمت: «قبل الحمام تقوم بعض الأمهات بدهن شعر الطفل بالحنّة أو استعمال "تربة البيلون" في عملية الاستحمام كمواد مساعدة في القضاء على مرض "الخَمَري" عند الطفل».