تُعتبر الحمامات العامة أو الشعبية المنتشرة في مدينة "حلب" ذات حضور بارز في الحياة الاجتماعية للحلبيين منذ أقدم العصور وقد ولّد ذلك الحضور العديد من العادات والتقاليد والطقوس الاجتماعية التي ما زالت تُمارس حتى يومنا هذا وبالتالي صارت جزءاً من تاريخهم وتراثهم.

للتعرّف على الحمامات الشعبية وأقسامها بدايةً وكذلك على أهم العادات الحلبية التي كانت تُمارس فيها التقى موقع eAleppo بالدكتور والمهندس "محمد نور الدين التنبي" مستشار في جمعية العاديات بحلب والذي حدثنا عن الحمامات الحلبية بالقول: «تُعرف الحمّام بأنها البيت الحارّ الذي يتم الاغتسال فيها، وفي العادة تجعله "حلب" مؤنثة بينما أهل الشام يذكّرنها وجمعها الحمّامات وفي "حلب" تُجمع بالحْمامين ويدعى صاحبها الحمّامي.

أهم هذه المواد هي /الصابون/ وهو مادة تنظيف الجسم الأساسية وتشتهر "حلب" بصابونها ومصابنها التي لا تزال تزاول طبخه، ومن أنواع صابون "حلب": صابون الغار والصابون المطيّب والنصّ غار والبلدي وتسمى قطعة الصابون الصغيرة بروة الصابون

يتكون الحمّام من الأقسام التالية: /البرّاني/ وفيه تُترع الثياب وتُلبس ويغلب أن يتوسط صحنه حوض، و/الوسطاني/ وهو مدخل الحمّام وفيه يغتسلون ودرجة حرارته معتدلة، و/الجوّاني/ وهو أقصى الحمّام وفيه يعرقون ويتكيّسون ويتصبّنون وقد يغتسلون».

الدكتور محمد نور الدين التنبي

وحول العادات والتقاليد الحلبية المرتبطة بالحمامات والأدوات التي يستخدمها المستحمون فيها يضيف "التنبي" بالقول: «بالنسبة للعادات والتقاليد الحلبية في الحمامات يجب القول بدايةً أنّ الذهاب إليها يكون في يوم الجمعة وذلك للاغتسال وتغيير الملابس قبل صلاة الجمعة، ومن العادات الحلبية في يوم طهر المرأة النفساء بعد أربعين يوماً من ولادتها إذا كان المولود ذكراً وستين يوماً إذا كان المولود أنثى أن تذهب للحمام مع أقاربها من النسوة وربما أفردت لها الحمّام خاصّة بها وبمن معها حيث يُطلى جميع جسدها بالشدود وهو مركب من العسل والزنجبيل وقد سُمي بالشدود لأنه يشدّ قوتها، ويوضع منه مقدار تحتها ويكبّس جسمها بالمرزنوش القبرصي والخزامى المغربية وتجلس على هذه الحالة نحو ساعة في طرف سطح بيت النار ثم تغتسل وتمضي حيث تقام حفلة فرح، كما يطيب للنساء في "حلب" أن تصحبهم الكبة في الحمّام وهي من البرغل حيث يجبل ممزوجاً بالهبر المدقوق وقد تقلى أو تشوى أو تطبخ أو تؤكل نيئة.

عادة الأكل في الحمام تدعى /المقندلة/ وهي من مفردات العامة في الحمّام ويعنون بها الأكل في الحمام حيث يتم حجز الحمام /من بابا لمحرابا/ ويأكلون فيها ما لذ وطاب ويغنون، كما يحصل الضرب بالطاسات للعب».

الجواني، من أقسام الحمام الشعبي

وحول المواد التي تُستخدم في الحمام للاغتسال والتنظيف قال "التنبي": «أهم هذه المواد هي /الصابون/ وهو مادة تنظيف الجسم الأساسية وتشتهر "حلب" بصابونها ومصابنها التي لا تزال تزاول طبخه، ومن أنواع صابون "حلب": صابون الغار والصابون المطيّب والنصّ غار والبلدي وتسمى قطعة الصابون الصغيرة بروة الصابون».

وأضاف: «هناك /البيلون/ وهو حجر صلصالي غضاري نقيّ يستعمل في "حلب" بأن يُطلى بمعجونه الرأس في الحمّام فيمتص الموادّ الدهنية منه ويزيل قشرته، وقد يُطلى به البدن فيطرّيه ويزيل حرارته، ويُجلب /البيلون/ إلى "حلب" من قرية "كشتعار" الواقعة شمالي "حلب"، والحبلى لدى توحّمها تأكل منه لأنه يقوم بتعديل حموضة المعدة.

الأستاذ حسن بيضة

/البيلون بْورْد/ أو الترابة الحلبية، وتشتهر "حلب" بصنعها على شكل أسطوانات مجوّفة من البيلون المدقوق المنخول والمجبول بماء الورد حيث تنقع في الحمّام في وعاء ويدهن بها الرأس فيمصّ البيلون المادة الدهنية منه ويشرب بشرته رائحة ذكية.

/الدْريرة/ وهو مسحوق قشر الصندل الهندي مضافاً إليه مسحوق قش الورد ويتم التطيب فيه لدى الاستحمام ويدخل في تركيب /البيلون بورد/ ويباع لدى العطارين في سوق العطارين بحلب وكان يصنع في "العدسات" قرب جامع "الدبّاغة العتيقة".

ومن المواد التي تستخدم في الحمامات الحلبية أيضاً: "الدَوا" وهو الطلاء المزيل للشعر المكون من الكلس والزرنيخ وتسمى الخلوة الخاصة باستعماله /خلوة الدوا/ وتُجعل دائماً آخر خلوة وقد يدعى الحاجة، فإذا استخدم لكل الجسم سمي /القميص/ ولبعض الجسم سمي /نص دوا/ و/نص حاجة/ و/نص قميص/.

ومن أهم ما يُستخدم في الحمام /الميزر/ وهو قطعة قماشية تستر القسم السفلي من الجسد وغالباً ما تكون بألوان غامقة تميل للأحمر المقلم، أما ما يستخدم في تنشيف الجسم فهي مجموعة من المسميات منها: /المَحرمة/ وهي المنشفة التي تبسط فوق المناشف ليتمسح بها، و/المقدم/ وهي المنشفة الظاهرية وتشمل ما تحتها من المنشفتين، و/الوسْط/ وهي المنشفة السفلية الداخلية ويبسط فوقها المقدم، و/الضهْر/ وهي المنشفة التي تلف على الصدر والظهر معاً بعد الاستحمام وهي قسمان داخلية تسمى /الضهر الأبيض/ وخارجية تسمى /الضهر الحرير/، و/المْلَف/ وهي المنشفة التي تلفّ على الرأس.

وهناك /كيس الحمّام/ أو /كيس التفريك/ وهو كيس صغير متسع الكف صنع من نسيج خشن كشعر ذنب الدواب يُدلك به جسد المستحم بعد أن يعرق فتخرج تحته فتائل الوسخ وهي الفضلات الجلدية.

/الطاسة/ وتستخدم لحمل الماء من جرن الحمام وسكبه على الجسم وهي عادة من النحاس المزخرف بالرسوم وقد اشتهرت منها /الطاسة المكاوية/ نسبة لمكة المكرمة، /القبقاب/ وهو الحذاء الخشبي الذي يلبس في الحمام ويصدر صوتاً مميزاً عند ارتطامه بأرض الحمام، و"اللَّقْن" وهو شبه طشت كبير من النحاس متسع الفتحة يستخدم للغسيل في الحمام، أو "اللّگن" وهو الطشت الكبير للغسيل أو الاستحمام وعادة يكون وعاء بيلون الحمّام نصف مخروطي الشكل ومن النحاس المموّه بالقصدير».

وتابع الدكتور "محمد نور الدين التنبي" حديثه عن بعض الأناشيد التراثية المتعلقة بالحمامات قائلاً: «من الأناشيد الشعبية التي تتعلق بالحمام أن تغني الأم لابنتها:

"جانم جانم بالتركي / وأحمد باشا ناطركي

أحمد باشا قدامك / شايل بقجة حمامك

حمامك تحت القلعة / وأسنانك ستة سبعة".

ومن مداعبات الشباب للبنات:

"يا رايحة عالحمام خديني معاكي/ لأشقل لك البقجة وامشي وراكي

وإن كان أبوكي ما عطاني ياكي/ لأعمل عمايل ما عملها عنتر".

ومن أناشيد أولاد "حلب" في هذا الموضوع:

"ألف با بالتركي /شافوا الباشا ناطركي

شايل بقجة حمامك / حمامك تحت القلعة / وبناتو ستة سبعة...".

ومن أمثال الحلبيين في الحمام: /الحمام في الشتا لا تعدي على بابا وفي الصيف اجعال دابك ودابا/، وكذلك يقول الحلبيون: /هالعيلة متل قباقيب الحمام.. كل فردة شكل/».

وحول وصف الحمامات الشعبية وحضورها في الحياة الاجتماعية في "حلب" يقول الأستاذ "حسن بيضة"*: «"حلب" مدينة شتاؤها بارد وصيفها حار وتتميز الحمامات بأن حيطانها سميكة لعزل الحرارة وتنقسم بشكل عام إلى ثلاثة اقسام هي قاعة الوافدين وتتوسطها بركة ماء مزخرفة فيها نافورة تنطلق منها أصوات عذبة وحولها طاسات وصابون غار ومآزر ومساطب لخلع الملابس وهي مفروشة بالسجاد، بعدها تدخل إلى الوسطاني حيث يستعد الجسم للتلاؤم مع المحيط أثناء الدخول والخروج من الحمام وأخيراً هناك بيت النار وفيه الحرارة مرتفعة والسقف تزينه قطع من البلور الملون يتسرب منها النور.

في الحمام تشم رائحة الصابون والدرديرة المعطرة والبيلون وكلها تساعد في نظافة الجسم حيث يخرج المرء وقد اغتسل وصفى روحه إلى قاعة الاستقبال لتوضع عليه المناشف ويبدأ باحتساء الشاي أو القهوة.

من أهم العادات المتبعة في حمامات النساء بحلب عادة البحث عن العرائس حيث تقوم الحلبيات باختيار العرائس لأبنائها فهناك لا غطاء ولا زينة وتكون العروس المستقبلية في وضع يسمح للنسوة من اكتشاف كل العيوب التي من الممكن أن تشوه جسدها.

في الحمامات الشرقية كل شيء مفتوح الغرف والقاعة الكبيرة والنفوس والأجسام تتبدى واضحة، ومن العادات الحلبية التي تتبع عند اختيار العروس أن تقوم المرأة التي تبحث عن عروس/ وتكون عادة أم العريس/ بتقبيلها وذلك للتأكد من خلو فمها من أية رائحة كريهة قد تفسد حياة ابنها مستقبلاً وما إلى ذلك.

أخيراً في الحمامات الشعبية كانت تقام العزائم بين النساء حيث كن يقمن بصنع وطبخ أفضل وألذ أنواع الحلويات والطبخات كما تمارس فيها عادة حلبية قديمة تسمى /الصبحية/ وذلك للعريس حيث يقوم بالاستحمام والاغتسال يعقبه إقامة فطور فاخر وممتاز له ويقوم به أصدقاء العريس، الحمامات بشكل عام تشهد أفراح الناس وأتراحهم من عزائم وولائم وأعراس وغيرها.

  • الأستاذ "حسن بيضة": أمين "مكتبة الصابوني" في كلية الآداب بجامعة "حلب" له العديد من المقالات والدراسات والكتب حول "حلب" أهمها: /"حلب"، بحوث وأعلام/.
  • من الجدير بالذكر أنه بلغ عدد الحمامات في مدينة "حلب" 170 حماماً عاماً و31 حماماً خاصاً. بعضها بني في العهد الأيوبي في القرن الثالث عشر والآخر جدّد وقسم ثانٍ بني في العهد العثماني. وازدادت الحمامات مع ازدياد عدد السكان وتوزَّعت في أمكنة التجمُّعات السكنية أو في المراكز التي يرتادها العابرون على مفارق الطرق المهمة داخل وخارج أسوار المدينة القديمة. ومع الأسف، بعد عام 1970 غاب 22 حماماً عن الحياة الحلبية ليبقى منها اليوم: حمام النحاسين، حمام البياضة، وهو من الحمامات التي لا تزال تعمل بحلب، وهناك أيضاً عدد من الحمامات الأخرى مثل حمام الذهبي وحمام الصالحية وحمامات محمد باشا وحمام البساتنة وحمام يلبغا الناصري وغيرها.