يعدُّ الشاعر الغنائي الراحل "عمر البابا" واحداً من أهم شعراء الأغنية المحلية التي جسدت التراث والفلكلور الغنائي السوري بأسلوب فني جميل، حيث تميزت أشعاره بسهولة تراكيبها وغنائها وعذوبتها، ما جعل غالبية المطربين يتسابقون لغناء أشعاره.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 10 أيار 2020 مع الدكتور "محمد البابا" ليحدثنا عن مسيرة والده الراحل الشاعر الغنائي "عمر البابا"، فقال: «ولد في مدينة "حلب" عام 1935، وعمل في مهنة التدريس لمادة اللغة العربية، ومفتشاً للتعليم الإلزامي، وأوفد إلى "الجزائر" للتدريس هناك، ومع مطلع شبابه بدأ بكتابة الشعر الغنائي للمطربين المحلين في مدينة "حلب"، و"سورية".

كان "البابا" نموذجاً وطموحاً للذين أعطوا بسخاء لأهله وبلده وشعره وفنه

البداية الشعرية والفنية بتقديمه قصيدة (يابو العيون مكحلة رموشها) للفنان "حسن بصال" بصوت الفنانة "سمر حداد" في عام 1960، وسجلت في إذاعة "حلب" التي كانت منطلقاً لأغلب الفنانين الكبار وقتها، مثل: "صباح فخري"، "محمد خيري"، "مها الجابري"، "مصطفى ماهر"، "سمير حلمي"، "عبد الكافي أحمد" وغيرهم، وكذلك سجل في إذاعة "لندن" بصوت "عبد الرحمن عطية"، وأولى الأغنيات الوطنية التي كتبها كانت للفنان "إلياس كرم" يقول مطلعها: (سبعة نيسان سطر حروفه مضوية).

الدكتور محمد عمر البابا

وتعامل بكثير من أشعاره مع الملحن "فتحي الجراح"، والملحن "محمد قدري دلال"، وأعطى الفنان الكبير "صباح فخري" أغنية "يا رب يا عالي"، وكتب قصيدة "موسم الحب" حيث قال في أحد أبياتها:

يا من أحبً أما زال الهوى لعباً في ناظريك وهل قلبي على الوتر، وقام "منير أحمد" بتلحينها.

صورة أرشيفية مع الفنان شادي جميل

وغنى له الفنان التونسي "لطفي بوشناق" قصيدة "القدس"، والتعاون الأكبر والأشمل له كان مع الفنان "شادي جميل" بغنائه لأربع عشرة أغنية من أهمها: "مجدك يا قلعة حلب"، "عايل ماني عايل"، "كنت بزماني سلطان زماني"، "يم المحرمة"، و"رشرش حبك يا جميل"، والأشهر كانت من كلماته وتلحينه أغنية "أسمك يا شهبا".

وأعطى الفنان "نهاد نجار" كلمات أغنية "واسمعوا أش قال المعنىّ"، وحازت هذه الأغنية على الجائزة الذهبية لـ"الأورنينا" في مهرجان الأغنية الثالث، وغنى له الفنان الراحل "سمير حلمي" قصيدة "آه ياقمر"، وكتب ولحن هو بنفسه قصيدة للفنان "سمير جركس" حملت عنوان "قلبك من سنة يا ساكن عندنا"، وغنى من أشعاره الفنانين المحليين "عمر سرميني"، "هدى عطار"، "نهاد نجار"، "أركان فؤاد"، وله عدة مشاركات بالبرامج الإذاعية كلاماً ولحناً مثل "حزورة رمضان"».

ويتابع الدكتور "محمد": «مسيرة والدي كانت حافلة وغنية، وترك بصمة شعرية وفنية لا تنسى، وجمعت أشعاره بين روح التراث والمعاصرة في آن معاً، وبسهولة الغناء واللحن، وتم تكريمه في عيد التلفزيون عام 1985 وحصل على براءة تقدير لما قدمه من جهد وعطاء متميز، حيث استطاع بحسه المرهف وتجربته الطويلة أن يغرف من معين التراث العربي الأصيل، وهو صاحب الكلمة الشفافة والإحساس المرهف الذي طالما أبدع بكتابة أغنيات تراثية تفنن الفنانون في عزفها على أوتار الحداثة».

الفنان الكبير "صباح فخري" رثاه بالقول: «كان "البابا" أخاً وصديقاً وإنساناً وشاعراً مرموقاً تعاونت معه في أكثر من أغنية تراثية، وأهمها أغنية "يا رب يا عالي».

الفنان "سمير جركس" قال عنه: «كانت أعماله مميزة، ما زالت كلمات أغانيه رائجة؛ وتغنى وتردد بقوة من الجميع، ولها وقعها الخاص، وللأسف تجربتي مع الراحل كانت قصيرة من خلال أغنية وحيدة وموال فقط».

المؤرخ والباحث الراحل "محمد قجة" كتب عنه قائلاً: «كان يسكن في أعماقه فنان أصيل، امتزج بتراث البلد وتاريخ الوطن، هو فنان يلخص نبض الكلمة ورشاقة اللحن الجميل، ورهافة الحس».

فيما قال عنه الأديب "وليد إخلاصي": «كان "البابا" نموذجاً وطموحاً للذين أعطوا بسخاء لأهله وبلده وشعره وفنه».

الجدير بالذكر أن الشاعر "عمر البابا" توفي بحادث سير عام 1998 وهو في طريقه إلى مطار "حلب"، متجهاً إلى "الشارقة" لحضور معرض الكتاب هناك. له ستة أبناء جميعهم من حملة الشهادات الجامعية العليا.