كان يترددُ على منطقة "نبل" و"الزهراء" كلّ فترة لدعم العملية التعليمية، بعد أن حُرِمَ وهو طفلٌ من التعليم، فقدّم منزله الواسع بغرفه المتعددة ليكون أوّلَ مدرسة في بلدة "الزهراء" مطلع عام 1970، ورحل شهيداً تاركاً خلفه مكتبة ضخمة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 تشرين الأول 2019، المربية "فاطمة حمزة" زوجة الراحل "رجب الأشقر" لتتحدث عن بداياته، فقالت: «زوجي من مواليد مدينة "حلب"، وكان قسم من عائلته يمتلك أراضي، وكرم زيتون في ريف "حلب" الشمالي بالقرب من بلدتي "نبل" و"الزهراء"، وحملت تلك المنطقة اسم العائلة "خربة الأشقر" باللهجة المحكية لسكان بعض الأرياف الحلبية.

في الثامن والعشرين من تموز عام 2016 كان يجلس في فناء المنزل يطالع كتبه، حيث كان للقدر مشيئته باستهداف المنزل بأحد الصواريخ الغادرة، فتناثرت الشظايا في جسد والدي ذي الثمانين عاماً، لينقل إلى مستشفى "حلب"، ويفارق الحياة. ترك أثراً كبير في مجتمعه وعائلته، وحتى بين كتبه لم يكن رجلاً عادياً. رحل عنا بجسده لكنه ما زال ساكناً في قلوبنا، ويكفينا فخراً أنه رحل شهيداً عارفاً ومثقفاً

العائلة تعرضت للاضطهاد في أواخر الحكم العثماني، ما دفع معظم أفرادها للهجرة، فصودرت معظم أملاكهم، وبقي قسم صغير دفع بوالد زوجي للقدوم من "حلب" والإقامة ببلدة "الزهراء" لرعاية الأراضي الزراعية التي تعرضت للانتهاكات والتخريب، وهو الأمر الذي دفع "رجب الأشقر" لقطع تعليمه الابتدائي الذي بدأه في مدرسة "السليمانية"، والإقامة في الريف الذي لم يكن يحوي مدارس، وإنما كتاتيب دينية لم تلبي طموح الطفل ذي الأعوام الثمانية والذي كان ذا ميولٍ علمية وثقافية منذ صغره، ومع بلوغه وعمله مع أخيه الأكبر في تعهد المشاريع الصغيرة، بدأ باقتناء الكتب والاهتمام بها والتركيز على المطالعة».

مئات العناوين في مكتبته الكبيرة

ويتابع ابنه الإعلامي في قناة الميادين "سمامة الأشقر" بالقول: «التحق والدي في زمن الوحدة بالخدمة العسكرية، وبعدها عمل موظفاً في سد "الفرات"، وكان مرافقاً للخبراء الروس نظراً لإجادته اللغة الروسية بطلاقة على الرغم من عدم حصوله على شهادة دراسية ما مكنه من العمل كمترجم ومرافق للخبراء الروس والسفر إلى "روسيا" للخضوع لدورات تخصّ العمل في سد "الفرات"، والحصول على مكافآت مادية ومعنوية من القيادة السورية لتقانته في العمل.

في مطلع عام 1970 قدّم منزله في بلدة "الزهراء" ليكون أوّل مدرسة في البلدة، ودعا لتعليم الفتيات، وحضّ أقرباءه ومعارفه على إرسال بناتهم للمدارس في ظلّ مجتمع البلدة الذي يرفض تعليم الأنثى، ويعدُّ ذلك أمراً غير مقبول، فتحمّل نفقات تعليمهن ودعم هذا المشروع.

الراحل في شبابه

يقول "حسن تقي الدين" المدرّس المتقاعد من بلدة "الزهراء": «جهود "الأشقر" في التعلّم والتعليم كانت بالغة الأثر وواضحة، ولا سيّما تعليم الفتيات، فهو الذي فتح الطريق لكسر جمود المجتمع الرافض لتعليمهن.

بعد تركه العمل بسبب حادث سيارة تعرض له، وأقعده عدة سنوات؛ طلب التقاعد وترك العمل، والتجأ للكتب واقتنائها والاهتمام بالعلم والثقافة، وأذكر في إحدى المرات قال لي إنّه لن يشفى ويعود لممارسة حياته الطبيعية إلا من خلال القراءة والمطالعة، لذلك كان يحضّ أبناءه على التعليم والمطالعة خارج إطار المناهج الدراسية.

جانب من مكتبته

كان ينظّم يومه بشكل دقيق جداً، ومعظم وقته ينصب للقراءة دون إغفال الناحية الاجتماعية، ويسعى دوماً لتوعية المجتمع من خلال الاجتماعات في المناسبات على اختلافها وتنوعها».

الأستاذ الجامعي المتقاعد "مصطفى الحائك" المقرّب من الراحل، قال: «كان متعةً لنا أن نستمع له وننال من علمه الوافر، وأنا كمختص بالتاريخ، وأستاذ جامعي استفدت كثيراً من ملاحظاته وآراءه فهو كان يهتم بالفلسفة والتاريخ بالدرجة الأولى، وله اهتمامات في مختلف المعارف والعلوم، وكان شغوفاً بقراءة الروايات الأدبية ولا سيّما الأدب الروسي الذي قرأ معظمه.

الاهتمام بهموم ومشاكل الناس لم يغب عن باله فهو كان يقدم العون والمشورة لمن يقصد منزله، وحلّ العديد من الخلافات التي كانت تحصل في بلدته والبلدات المجاورة، فله هيبة ووقع خاص لدى معظم السكان».

ويضيف ابنه "أسامة الأشقر": «في الثامن والعشرين من تموز عام 2016 كان يجلس في فناء المنزل يطالع كتبه، حيث كان للقدر مشيئته باستهداف المنزل بأحد الصواريخ الغادرة، فتناثرت الشظايا في جسد والدي ذي الثمانين عاماً، لينقل إلى مستشفى "حلب"، ويفارق الحياة.

ترك أثراً كبير في مجتمعه وعائلته، وحتى بين كتبه لم يكن رجلاً عادياً. رحل عنا بجسده لكنه ما زال ساكناً في قلوبنا، ويكفينا فخراً أنه رحل شهيداً عارفاً ومثقفاً».

يذكر أنّ "رجب الأشقر" من مواليد مدينة "حلب" عام 1934، لديه تسعةُ أولاد واستشهد عام 2016.