تشهد المهن اليدوية في مدينة "حلب" إقبالاً كبيراً من الناس عليها، إذ إنه رغم التطور الصناعي الذي تشهده المحافظة، إلا أن ذلك لم يمنع من التوجه إلى المهن اليدوية التي باتت توفر فرص عمل كبيرة لسيدات المنازل وأصحاب الورش وغيرهم.

وعن سبب توجه الناس إلى المهن اليدوية موقع eAleppo التقى السيدة "هبة حجور" عضو في جمعية التآلف الخيرية التي تعنى بالتراث اليدوي، والتي حدثتنا قائلة: «شهد هذا العام تحديداً إقبالا من الناس على منتجات المهن اليدوية، إذ إنه قلما نجد بيتا حلبيا يخلو من قطة مشغولة يدوياً، حيث يوجد طلب كبير على نسيج "الصايات" الذي برع بصناعته الحلبيون لقرون عديدة، وكذلك "الحتارة" من غزل الصوف و"الشاهية" و"الدرفلي" و"دق الليرة" والألاجه- وهو قماش قطني وجهه وظهره من نفس النوع والحياكة والمظهر- و"الأغباني".. الذي كان يطلق عليه الحلبيون اسم الزنانير الهندية، ويتميز بزخارفه ورسومه الجميلة».

إن تعرض الأشياء المصنعة آلياً للتلف مع مرور فترة قصيرة من الزمن هو السبب في جعل الناس يبحثون عن أشياء تقاوم الزمن. أنا أشتري أشياء يدوية لكوني أثق بمدى دقتها ومتانتها وقدرتها على الحفاظ على ألوانها وتصاميمها كما كانت عليه لأول مرة

وتضيف "حجور": «المهن اليدوية أثبتت أنها الأجدر في سوق العمل من حيث الكفاءة والعمر المديد، كما أنها تشهد اقبال كبير بسبب تشابه القطع العصرية مع بعضها بعضا وعدم تميزها بالجديد ولكونها فارغة المضمون، فكل قطعة تعمل عليها السيدات اللواتي نرعاهن ونروج لبضاعتهن اليدوية لها قصة مرتبطة بالتراث، وعندما يكون هناك قطع بالبيت تحتوي على مضمون تجعل الحياة أجمل وتعطي تشجيعا للأمام".

الآنسة هبة حجور

وعن طبيعة العمل بالمهن اليدوية تقول "ليلى الرفاعي"، سيدة تعمل في الزخارف التراثية والتقليدية: «طرأت تطورات على طبيعة العمل بالمهن اليدوية إذ إن المكننة دخلت سوق العمل اليدوي خصوصاً في مجال "الأغباني"، غير أن العمل بالأدوات اليدوية مثل الفرّاز والمطواة والزيكون والمدرج والمنقاش والمشط أثبتت أنها أكثر دقة وجمالاً من الآلة. كما أن هناك أشياء تعجز الآلات عن إنتاجها كما تفعل اليد مثل العباءات المطرّزة والمزركشة والحطات "الكوفيات" الشالات "اللفاعات" والمنسوجات الحريرية وقنابيز الجوج والألبسة التراثية».

وعما يميز المهن اليدوية في "حلب" هذه الأيام تقول "شامة قاسم آغا"، سيدة لديها مركز للأعمال اليدوية: «ما يميزها هذه المهن أنها لا تقل أهمية عن أي شركة حكومية أو خاصة في توفير فرص العمل، إذ إنها تحديداً في العامين الأخيرين ساهمت بتشغيل عدد كبير من سيدات المنازل في حلب لكون هذه المهن لا تتطلب تواجدا مستمرا في مكتب أو مكان العمل، ويمكن لأي حرفي أن يقوم بها في منزله. وبدأنا بتلقي طلبات من سيدات أعمال في العالم العربي وحتى الأوروبي لإرسال نحاسيات خصوصاً تلك المطعمّة بالفضة، وكذلك الصناعات الخشبية كالموزاييك وتطعيم الخشب بالصدف والعظم والنحاس، فالحرفيون الحلبيون تميزوا وبرعوا في هذا النوع من المهن اليدوية».

السيدة ليلى الرفاعي

وفي السياق ذاته تضيف السيدة "لوسي جيريشيان"، سيدة تعمل في مجال الصياغة اليدوية: «الطلب الكبير على المهن اليدوية في مختلف المجالات خصوصاً الإكسسوارات، ساهم في تميز العديد من سيدات حلب اللواتي تميزن في هذه المهنة تحديداً خصوصاً "الخلاخيل والكردانات وليرات تباريم وقلادة الغوازي والقرنفلة على الأنف ودق الألماس وغيرها. أحياناً كثيرة اضطر لرفض بعض الطلبات بسبب ضيق الوقت وهذا الحال بالنسبة لسيدات منازل يعملن في هذا المجال الذي ساهم بإحياء التراث وتوفير فرص عمل كثيرة».

وعن الاتجاه نحو سوق المهن اليدوية في ظل التطور الصناعي الذي تشهده حلب يقول "ناجي كعكة": «الإنسان يعود إلى طبيعته ونحن منذ ولادتنا عشنا وترعرنا مع الزخارف الشرقية، أنا من الناس الذين يشعرون بالملل من الأشياء الحديثة المنمقة والمصنعة آلياً إذ إنها خالية من الفن. فالإنسان يعتبر بيته المكان الوحيد لكسب قسط من الراحة، لذا يجب على هذا المكان أن يكون طبيعيا مريحا للعين. الناس بدأت تعي أهمية القطع اليدوية وقدرتها على البقاء لفترات طويلة كما هي وبذلك توفر على الإنسان مصروفا وبنفس الوقت قطعة لا يبطل طرازها».

السيدة لوسي جيريشبان

أما "ندى البيطار" فتقول: «إن تعرض الأشياء المصنعة آلياً للتلف مع مرور فترة قصيرة من الزمن هو السبب في جعل الناس يبحثون عن أشياء تقاوم الزمن. أنا أشتري أشياء يدوية لكوني أثق بمدى دقتها ومتانتها وقدرتها على الحفاظ على ألوانها وتصاميمها كما كانت عليه لأول مرة».

ويعتبر سوق "خان الشونة" الذي يقع قبالة المدخل الرئيس لقلعة حلب إلى الجنوب الغربي منها من الأسواق الخاصة بالمهن اليدوية، إذ يضم مهنة النسيج اليدوي بمختلف أنواعها من صناعة عباءات مطرزة وشالات وكوفيات ونسيج "سبع الملوك" أو "الصايات" والصوفيّات والمقصبات وصناعة البسط والسجاد اليدوي. وصناعة النحاسيات، والصناعات الخشبية كالموزاييك وتطعيم الخشب بالصدف والعظم والنحاس، والخشب المخروط .والحفر والكتابة على الخشب. كذلك هناك الصناعات الجلدية الزجاجية كالزجاج المنفوخ والمعشّق بالجص، وكذلك الصباغة وصناعات السيراميك والخزف والآراكيل والفسيفساء.