لم يكن الإنتاج الحلبي والصناعة السورية حكراً على كبار السن، فها هو "جميل بركات" ابن الرابعة والثلاثين يحمل إنتاجه إلى معظم البلدان العربية متحدياً ظروف الزمان والمكان، ومبرهناً أنّ الصناعة السورية صامدة ومتجددة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الصناعي "جميل بركات" بتاريخ 22 حزيران 2020للحديث عن ماهية حرفته والأعمال والمشاركات التي قام بها حيث قال: «أعمل في مجال تصدير الألبسة النسائية الشعبية التي تتحدث عن فلكور "سورية"، والتفصيل الحلبي، والزي المغربي، والقفطان التونسي والجزائري، وأغلب صناعتي تعتمد على التصدير إلى "العراق"، "تونس"، "ليبيا"، "الجزائر"، "لبنان"، ودول الخليج بشكل عام».

يتميز "جميل بركات" بمجال صناعة الألبسة، وثوبه المنتج يعني الجودة والأصالة، فهو مبتكر لكافة الأعمار، وذوقه رفيع في التراث الشرقي الأصيل. مشاركاته في المعارض الكبرى والأسواق تثبت أن الصناعة الحلبية بخير؛ بفضل شبابها الواعد

وعن المعاناة التي عاناها كصناعي في ظل الأحداث التي تعرضت لها "سورية" بشكل عام، و"حلب" والصناعة الحلبية بشكل خاص، قال: «خرجت من معملي عام 2011 بسبب ما حصل في "حلب" من أحداث، وانتظرت فترة من الزمن على أمل العودة إلى الحياة الطبيعية، لكن طال الانتظار فقررت أن أستمر وواجهت صعوبات عديدة مثل اختيار المكان، وصعوبة تأمين المواد الأولية، وانقطاع الكهرباء، فحاولت العمل رغم ذلك، وبدأت بآلتين حتى أصبحوا مئة آلة لتاريخ اليوم على الرغم من خسارتي لكل ما أملك في الفترة السابقة، لكني كنت مصراً على العمل والاستمرار».

إحياء الأزياء العربية الأصيلة

بدأ "بركات" رحلة السفر حاملاً في داخله حب وطنه وعراقة مدينته، متحدياً الصعوبات، قال: «في عام 2013 شاركت في معرض بـ"العراق" حمل اسم "صنع في سورية"، وفي عام 2015 فتحت معملاً آخر، وبدأ الإنتاج بشكل أكبر، وبدأنا التصدير إلى عدة دول عربية.

وفي عام 2017 أُقيمَ معرض في "تونس" عن الفلكور السوري فشاركت به ضمن فقرة رقص عربي تراثي لمدينة "حلب"، لأني أمارس هواية رقص الفنون الشعبية منذ صغري، حيث قدمت مع الفنان "محمد خير الجراح" أربع لوحات فنون شعبية مع فرقة "شيوخ سلاطين الطرب"، وفي العام نفسه شاركت في معرض "دمشق الدولي 59"، حيث قدمنا أجود ما نملك من صناعات حلبية، ورأينا الدهشة على وجوه الزوار الأجانب لأنهم لم يتوقعوا أننا ما زلنا مستمرين في أعمالنا رغم الأوقات العصيبة التي مرت علينا، حيث أثبتنا كشباب وتجار في "سورية" أننا قادرون أن ننتقل إلى أي مكان، ونبدأ بالعمل مرة أخرى، ونقدم المنتج السوري الذي يضاهي غيره من المنتجات العالمية كسعر وجودة ومصداقية في العمل.

بركات مكرماً في واحد من المعارض الكبرى

عام 2018 شاركنا في معرض "دمشق الدولي 60"، وقدمنا رسالة للدول الصديقة أننا ما زلنا موجودين ومنتجين وبالجودة نفسها وأن الصناعة الحلبية ما زالت قائمة، وفي العام نفسه أيضاً شاركنا في معرض بـ"ليبيا" في "بنغازي" حمل اسم "صنع في سورية"، وهو يعتمد على البيع المباشر من المنتج إلى المستهلك، ولاقى نجاحاً رائعاً جداً، وأيضاً في ذات العام أقيم معرض دولي في "الجزائر" حيث شاركت به ولم يكن هدفي الربح أبداً، فقد كان يكفيني ما أراه على وجوه الجزائريين من الدهشة والإعجاب بمنتجاتنا وتميزها، فكانت رسالتي دائماً للشباب أنه لا يأس مع الحياة و(بكرى أحلى) وسنعمر البلد معاً».

عدة مبادرات ومساعدات قام بها "بركات" في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها أبناء بلده، حدثنا عن بعضها قائلاً: «في هذا العام عندما حلَّ وباء "كورونا" على العالم بأسره، لم أستطع أن أجلس متفرجاً، فقمت بدعم إحدى المجموعات الشبابية التعليمية التي أُقيمت على "فيسبوك" بهدف إقامة الدروس التعليمية والثقافية لإفادة الشباب وتقديم العلم في أوقات الحظر، وبعد خمسة عشر يوماً من الحظر تم السماح بافتتاح المنشآت الصناعية ضمن الإجراءات الوقائية والاحترازية التي أقرتها وزارة الصحة، فقمنا بافتتاح وتهيئة المعمل لانطلاقاته من جديد، ولاحظت في ذلك الوقت ارتفاع أسعار الكمامات بشكل غير طبيعي، ولا يمكن للمواطن العادي شراؤها، فحولت معملي إلى مكان لصناعة الكمامات، وأنتجت عدداً كبيراً منها، وقمت بشراء قفازات للأيدي ومعقمات، وبدأت وعمالي بتوزيعها بشكل مجاني على الأحياء الشعبية، ومعظم المواطنين، واشترينا غالونات معقمات كبيرة، وبدأنا بتعقيم السيارات وأبواب المحلات. وهذا ليس إعلاناً، ولكن الحديث عنه لكي يعلم الجميع أن هذه البلاد تستحق التضحية، وواجب كل سوري أن يقف بما يملك لكي ننتصر على كل مشاكلنا».

شهادة تكريم من محافظة حلب

وعن مشاركاته المحلية وتكريمه قال: «أَقَمتُ عدة عروض أزياء عن الفلكلور السوري والفتاة السورية في "حلب"، وعرض أزياء في "دمشق" في ساحة "الفيحاء"، وتم تكريمي ضمن مهرجان "ألوان" الذي أقيم في "حلب" لبعض التجار الذين ظلوا فيها وأثبتوا جدارة، وذلك بوجود محافظ "حلب" ورئيس غرفة التجارة ورئيس غرفة الصناعة».

يقول عنه "نور مسدي" المهندس وتاجر الأقمشة: «يتميز "جميل بركات" بمجال صناعة الألبسة، وثوبه المنتج يعني الجودة والأصالة، فهو مبتكر لكافة الأعمار، وذوقه رفيع في التراث الشرقي الأصيل. مشاركاته في المعارض الكبرى والأسواق تثبت أن الصناعة الحلبية بخير؛ بفضل شبابها الواعد».

يقول "أحمد مصري" أحد العاملين في منشأة الصناعي "جميل بركات": «الظروف القاسية التي مررنا بها في ظل تردي الأوضاع المعيشية كانت صعبة جداً واضطررنا في إحدى المرات للجلوس في منازلنا لمدة شهرين متتالين دون عمل بسبب صعوبة الوصول إلى مكان العمل فلم يكن من مديرنا الصناعي "جميل" إلا أن تواصل معنا وطلب منا البقاء في المنازل وأرسل لنا محاسب المعمل إلى منزل كل واحد منا لإيصال رواتبنا الشهرية، كما أنه بقي على تواصل معنا ولم يتخلَ عن أحد منا رغم فقدانه لجميع الآليات التي كانت في المعمل الذي خرجنا منه عالم 2011 وإلى اليوم نعمل معه كأسرة واحدة فنعيش معه بإنسانيته أكثر من كونه رب عمل».

الجدير بالذكر أَنَّ "جميل بركات" أحد أعضاء غرفة التجارة، ومنتسب لغرفة الصناعة، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، من مواليد مدينة "حلب" 1986.