يغوص التشكيلي "علي علو" في تفاصيل لوحاته ليجسد ذكرياته التي كان لها تأثير كبير برسوماته، فبريشته وألوانه عبّر عن مكنوناته بأسلوب انطباعي بلوحات تلامس الحسّ الإنساني رسم من خلالها هويته الخاصة به.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان التشكيلي "علي علو" في مكان إقامته الحالي بـ "استنبول" بتاريخ 3 آذار 2019، ليحدثنا عن تجربته الفنية قائلاً: «الفن موهبة تخلق مع الإنسان منذ الصغر وترافقه خلال مسيرة حياته، يعبر من خلالها بوعي عن حاجاته ومكنوناته، وبالنسبة لي بدأت الرسم بعمر 12 عاماً عندما كنت بمدرسة أبناء الشهداء في "دمشق"، فقد كان في المدرسة مرسم كبير وأساتذة مختصون بالفن، فتطورت موهبتي تطوراً ملحوظاً، وخصوصاً أنني نشأت ضمن مدرسة داخلية، وكان الخروج بالنسبة لنا غير مسموح إلا في أيام العطل، فكان الرسم هو المتنفس بالنسبة لي مع ذكرياتي لطبيعة قريتي "عفرين" وتأثري بطبيعة المدن السورية التي كنا نزورها خلال رحلات مدرسية أغنت خيالي وطورت ملكاتي بانتقاء مواضيعي، وكانت ملجأي للتعبير عما يجول بخواطري من أفكار ومكنونات عبرت عنها بألواني وريشتي، فبدأت الرسم على الكرتون بالألوان المائية، ولاحظ أساتذتي أن رسمي بالألوان المائية قريب إلى الزيتية، فمنحوني علبة من الألوان الزيتية، فرسمت منظراً طبيعياً منقولاً بالأسلوب الانطباعي، وقد نال إعجاب أساتذتي الذين شجعوني على متابعة مسيرتي الفنية، وعلى الرغم من أنني لم أدرس في كلية الفنون الجميلة، إلا أنني تابعت دراستي للفن بأسلوب خاص، فمنذ الثمانينات كنت أتابع دائماً مجلة الحياة التشكيلية التي تحتوي مقالات مهمة حول الفن، إضافة إلى اطلاعي على الكتب المختصة واللوحات العالمية، ومتابعتي المستمرة للمعارض التي أضافت الكثير إلى موهبتي وأغنت خيالي الفني، إضافة إلى أن الموهبة والدراسة شرطان أساسيان لإبداع وتميز الفنان، لكن وجود الموهبة هو الأساس، والممارسة تصقل وتغني تجربة الفنان، وعندما يجمع بين الموهبة الخلاقة والدراسة ومواكبة العصر، إضافة إلى الحس الفني القوي والمرهف، يميز عمله ويبدع بأعماله فنية، فالتكنيك اللوني والنشاط المستمر المترافق مع عمل الفنان اليومي هو من يخلق الفنان».

يعدّ التشكيلي "علي علو" من الفنانين الناجحين والمتميزين في طرح واختيار مواضيع اللوحات التي تلامس الحس الإنساني، يحمل الكثير من الشفافية بحساسيته اللونية المعهودة في لوحاته كشخصيته، حيث تأخذنا أضواؤه وألوانه الطيفية عبر قطرات الندى في صباح ربيعي جميل إلى عالمه الساحر إلى حدّ الحلم، يتداخل فيه المرئي باللا مرئي، المعلن بالمكبوت في لا شعوره وأغوار ذاكرته عن الطفولة في مسقط رأسه "عفرين"، محملة بتدفقات لا متناهية من الجمال في جبالها ووديانها، وأعراسها ودبكاتها، كمهرجانات أسطورية للون والعشق، فالتشكيلي "علي" بريشته الفائقة وهي ترقص بين أصابعه يعيد تشكيل هذا الزخم المفرط من الجمال بقدسية طفولية وتناغم فاضح على سطوحه البيضاء ليدهشنا أمام ملامح شخوصه المحلقة في فضاءات واسعة من الحزن والغارفة في الصمت والتأمل الوجداني، كخشوع القديسين في طقوس الصلاة

وعن علاقته باللوحة، قال: «الفن بالنسبة لي تعبير عن الحياة بكل أبعادها، وملكة التعبير عما يحسه الفنان من مشاعر وهواجس تجول بخواطره، فالقماش والألوان هما متنفسي في الحياة؛ أجد فيهما راحتي النفسية التي من خلالها أجسد رؤيتي الفنية للأشياء التي حولي، وخصوصاً أنني أعيش مع اللوحة في خيالي قبل ولادتها، فكل لوحة مخاض ولادة جديدة لأفكار ومفاهيم يظهرها الفنان بألوانه وريشته بكل صدق وعفوية، والقماشة والألوان هما من يستقبل تلك الولادة، وأجد أن غايتي من الفن فيها أنانية؛ لأنني أبحث عن إرضاء نفسي من خلال أعمالي، فإن كانت اللوحة هي المولود الجديد، فلا بد أن يكون جميلاً جداً، ويسعدني إرضاء وتفاعل المتلقي مع اللوحة، أضف إلى أن اللون بالنسبة لي أحد عناصر التصميم المهمة في اللوحة، وله دلالات نفسية كثيرة، فلكل لون تعبير معين ودلالة في لوحاتي، ويخضع للحالة المرسومة في الخيال مسبقاً، وأعشق كل الألوان، وهي أساسية للرسم، وعلى الرغم من أن لي تجارب عدة بالرسم بأسلوب التعبيرية والتجريدية، إلا أنني أجد نفسي بالأسلوب الانطباعي. إضافة إلى أن الفن هو التعبير الجمالي عن الواقع الذي يقدمه الفنان بأبهى صورة، فقد رافق البشرية بكل مراحلها التاريخية عبر الزمن، وجسّد حضاراتها ونقل من خلاله قيم وثقافة حضارات مرّت عبر الزمن، فهو رسالة الفنان؛ يسعى من خلالها إلى الرقي الحضاري للأمة، فهو متنفس الشعوب لنشر الفرح والأمل، فكم ستكون حياتنا بائسة من دون الفنون المتنوعة! فالرسم يتعلق بكل مفاصل حياتنا؛ وكل شيء حولنا صمّمه فنانون، والحضارات خلدها فنانون، وأبرز المعالم لأهم العواصم صمّمها فنانون؛ كبرج "إيفل"، وتمثال "الحرية"، وغيرهما».

من أعماله الفنية

الفنان التشكيلي والنحات "عيدو الحسين" حدثنا عنه: «يعدّ التشكيلي "علي علو" من الفنانين الناجحين والمتميزين في طرح واختيار مواضيع اللوحات التي تلامس الحس الإنساني، يحمل الكثير من الشفافية بحساسيته اللونية المعهودة في لوحاته كشخصيته، حيث تأخذنا أضواؤه وألوانه الطيفية عبر قطرات الندى في صباح ربيعي جميل إلى عالمه الساحر إلى حدّ الحلم، يتداخل فيه المرئي باللا مرئي، المعلن بالمكبوت في لا شعوره وأغوار ذاكرته عن الطفولة في مسقط رأسه "عفرين"، محملة بتدفقات لا متناهية من الجمال في جبالها ووديانها، وأعراسها ودبكاتها، كمهرجانات أسطورية للون والعشق، فالتشكيلي "علي" بريشته الفائقة وهي ترقص بين أصابعه يعيد تشكيل هذا الزخم المفرط من الجمال بقدسية طفولية وتناغم فاضح على سطوحه البيضاء ليدهشنا أمام ملامح شخوصه المحلقة في فضاءات واسعة من الحزن والغارفة في الصمت والتأمل الوجداني، كخشوع القديسين في طقوس الصلاة».

يذكر، أن التشكيلي "علي علو" من مواليد "دمشق" عام 1968، له العديد من المشاركات والمعارض داخل "سورية"، منها: معرض بالمركز الثقافي الفرنسي والروسي، ومعرض في جمعية "العاديات" في "حلب"، وغيرها، ومعارض خارج "سورية"، منها: ومعرض "أوسكدار كابيلار" في "استنبول"، معرض "قصر الاونيسكو" في "بيروت"، وغيرها.

الحزن من لوحاته
طبيعة بألوان زاهية