شقّ طريقه الفني بنفسه تاركاً للبيئة والمجتمع والمحيط رأيهم الخاص بعيداً عن ذاته الفنية التي عشقت اللون، وتاهت بين الخطوط، حتى باتت من أبرز الوجوه الفنية في الساحة السورية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان التشكيلي "علي حسين" بتاريخ 9 أيلول 2018، ليتحدث عن بداياته في عالم اللوحات الفنية، حيث قال: «كانت طفولتي في مدينة "حلب"، ضمن بيئة شعبية تمتلك سحراً خاصاً من بساطتها وعفويتها، لكنها لم تكن تهتم بالثقافة أو الفنون عامةً، ووجدت فرصة للتعبير عن ذاتي عبر رسومات طفولية بسيطة وبدائية على الأرض والجدران، كنت أستخدم لرسمها (الحوّار) الأبيض أو الفحم، حيث لم يتوفر لي توجيه لدخول هذا العالم السحري من الألوان، ولم أدرس الفن أكاديمياً لكوننا أقمنا لاحقاً في مدينة "الطبقة" مكان عمل والدي في سد "الفرات"، ولم يكن بالإمكان السفر إلى محافظة "دمشق" لدراسة الفن التشكيلي في كلية "الفنون الجميلة"».

يؤسفني أن يتحول النقد أحياناً إلى النيل من الفنان، فبعضهم عندما يكتبون عن لوحتي يقولون أشياء لم أفكر بها نهائياً، ففي أحد معارضي في بداية التسعينات بيعت اللوحات جميعها، لذلك كتب عني بعض النقاد في الصحافة أنني أرسم لصالونات الأغنياء، وكأن هناك فناً للفقراء وآخر للأغنياء، ومع الأسف كتب هذا الكلام اثنان من أهم النقاد في "سورية" آنذاك. ولا شك أن هناك كثر ممن كتبوا عني بأسلوب منطقي وجميل

أما عن توجهه لاحقاً إلى الفن التشكيلي، فقال: «في بداية مرحلة الوعي والاهتمام بالثقافة والفن، لم يكن في مدينة "الطبقة" صالات معارض كي أشاهد لوحات أو تجارب فنية حقيقية على الواقع؛ لذلك كانت نافذتي الوحيدة على الفن المركز الثقافي الوحيد في المدينة، والكثير من الاطلاع على الصحف والقراءة عن المعارض التي كانت تقام في المحافظات. وعندما شاهدت أعمال الفنان "عمر حمدي" في بداية السبعينات من القرن الماضي، وفي إحدى المجلات التي كان يرسم لها رسوم داخلية، سحرني أسلوبه وعفويته والتصاقه ببيئته، وكنت في قمة سعادتي عندما شاهدت له معرضاً في مدينة "حلب" عام 1976، وكان أول معرض حقيقي أشاهده في حياتي، وكنت حينئذٍ في العشرين من عمري، وفي ذات العام شاهدت معرضاً للفنان "لؤي كيالي"، فغمرني شعور من الفرح والسعادة، وما زلت أذكر الندوة التي أقيمت لمناقشة أعماله بحضور الكاتبة "كوليت خوري". بعدها كانت هناك تجارب عديدة لي غير مكتملة ولوحات غير منتهية، وكنت أرسم فوق اللوحات القديمة كالعديد من الفنانين بسبب ضيق الحال حتى اختمرت الفكرة، ورسمت أول لوحاتي "الحلم" عام 1988، وهي أول لوحة مكتملة ومنتهية، وبعدها أقمت أول معرض فردي في صالة "أمية" للفنون بمحافظة "حلب"».

جمال وحرفية

وأضاف: «أرسم أغلب الأحيان في الليل حين يرخي الظلام ظلاله، وتلتف السكينة حول المدن، ولا أنتمي إلى أي مدرسة فنية مطلقاً، لكن النقاد أطلقوا على لوحاتي أسماء ومدارس كثيرة، منها الواقعية التعبيرية، والواقعية السحرية، أما أنا فأعدّ كل لوحة تعبيراً عن طابعي وأسلوبي وانعكاساً لكل ما يدور حولي مباشرة من دون رموز معقدة، لأن اللوحة ليست درساً أو عظة أو وسيلة من وسائل التحريض، وإنما هي متعة ورسالة وموسيقا بصرية أولاً، ثم يأتي الموضوع الإنساني الذي يتماشى مع كل الأزمنة، وأظن أنه يجب ألا يكون آنياً، إنما يتحدث عن حدث ما».

وعن وجهة نظره بالنقد لأعماله، قال: «يؤسفني أن يتحول النقد أحياناً إلى النيل من الفنان، فبعضهم عندما يكتبون عن لوحتي يقولون أشياء لم أفكر بها نهائياً، ففي أحد معارضي في بداية التسعينات بيعت اللوحات جميعها، لذلك كتب عني بعض النقاد في الصحافة أنني أرسم لصالونات الأغنياء، وكأن هناك فناً للفقراء وآخر للأغنياء، ومع الأسف كتب هذا الكلام اثنان من أهم النقاد في "سورية" آنذاك. ولا شك أن هناك كثر ممن كتبوا عني بأسلوب منطقي وجميل».

لوحات ساحرة

أما حول وجهة نظره بمستوى الفن السوري، فقال: «نستطيع القول إن الفن السوري وصل إلى العالمية بجهود بعض الفنانين الكبار، مثل: "لؤي كيالي"، و"عمر حمدي". وهناك تجارب جادة تبحث عن مكان يليق بها، وكل فنان ينتظر شيئاً من وزارة الثقافة أو اتحاد الفنانين التشكيليين يضيع وقته وجهده، لذلك على الفنانين الشباب أن يطوروا أنفسهم ويعتمدوا على إمكانياتهم، فالفنانون في كل العالم يعملون مع مؤسسات خاصة وصالات تحتكر أعمالهم باتفاق الطرفين، وليس على الفنان سوى الرسم، لذلك هم منفصلون عن المؤسسات الثقافية العامة».

الفنان التشكيلي "غازي عانا" تحدث عن أعمال الفنان "علي حسين" بالقول: «في لوحاته كثير من الحلم وبعض الواقع، ورجع صدى موسيقا يتردّد في الفضاء الذي هو أغلب الأحيان هواء المشهد على اختلاف موضوعه، وما يضمّ من أشياء وتفاصيل بتوافق لافت يعكس حساسية الفنان في تلك اللحظة من الرسم، أو تدفّق التعبير من صدق الأداء، وهذا ما نلاحظه في معظم أعماله نتيجة تصادم بعض الألوان لتعيد تناغمها من جديد بتوافق أكثر العناصر أهمية في المساحة، وهذا الشكل من الصياغة يخصّ الفنان دون غيره، وهذه ميزة الخصوصية التي يسعى بعضهم إلى امتلاكها عبر كل سنوات التجربة، ولا تتحقّق في كثير من الحالات».

الفنان التشكيلي غازي عانا

وأضاف: «"علي حسين" رسام وملوّن باحتراف ممجوج بالحبّ والصدق، وكأنه يرسم ابنته الوحيدة المدلّلة، أو حبيبته، يجمّلها، يزيّنها، حتى تكاد تشعر أن جزءاً من روحه فيها، وفي الوجه بصورة خاصة، لتقترب تلك اللوحات بأجوائها من فن الأيقونة في بعض الأحيان، وكل هذا الاحتفاء دائماً بشهادة الضوء الذي يطلّ من خلف سماكات اللون من قلب المشهد باتجاهنا، ومن ورشاقة الخطوط التي تحدّد نهايات الجسد الرشيقة والأنيقة، وهو يرسم ما يعشقه ليستمتع قبل كل شيء، وتكتمل سعادته عندما يشعر بمشاركتنا له تلك المتعة بكل حواسنا من روحنة العناصر فيها، وفيض تعبيرها، وصدق الأداء».

الجدير بالذكر، أن الفنان التشكيلي "علي حسين" من مواليد مدينة "حلب".