اختار "ممو" في الملحمة الكردية المعروفة "زين" معشوقة أبدية له، أما "ممو" في الملحمة الفنية العفرينية فقد اختار "الطنبور" محبوبة له ليعيش من أجلها.

في محله الصغير بمدينة "عفرين" يقضي "ممو" معظم وقته بجانب محبوبته "الطنبور" التي لم تفارقه منذ الطفولة، كيف لا يعشقها وهي ناعمة الملمس وذات صوت حنون، ولا تبكي ألحاناً شجية إلا وهي في أحضان عاشقها.

مهنة تصليح وتصنيع آلة "الطنبور" مهنة صعبة للغاية، ويحتاج الشخص إلى محبة الآلة أولاً، والتعرف إليها وإلى أجزائها بشكل علمي لكونها تتطلب عملاً دقيقاً وحساساً، فأي خلل خلال تركيب القطع مع بعضها وعدم أخذ القياسات والأبعاد بعين الاعتبار وبدقة سيؤدي حتماً إلى خلل في عملها

بتاريخ 5 تشرين الثاني 2014، زارت مدونة وطن "eSyria" السيد "ممو مجيد" بمدينة "عفرين" وسألته عن قصته مع عشيقته "الطنبور"، فأجاب: «آلة "الطنبور" هي عشيقتي منذ الطفولة على الرغم من أنها أكبر عمراً مني، فعمرها يعود لآلاف السنين أما أنا فعمري لا يتجاوز 55 عاماً فقط، ولأن العشق لا يعترف بمثل هذه الفوارق وغيرها فقد نشأت بيننا علاقة عشق عذرية، فمنذ أن كنت طفلاً أحببت هذه الآلة الموسيقية التي كانت حاضرة دائماً في مجالس السمر ومختلف الحفلات والمناسبات الاجتماعية والوطنية للأكراد، ولم يتوقف حدود عشقي للطنبور عند حدود العزف عليها بل تجاوز ذلك كثيراً، فقد كانت رغبتي هي التعرف إلى الآلة بأقسامها وأجزائها وكيفية تركيبها وأبعاد الأوتار والزند والكود وغيرها، وكيفية تصنيع الآلة أساساً، ونتيجة محبتي الكبيرة للآلة وهوايتي في اكتشافها بدأت متابعتها عن قرب من خلال مراقبة العازفين وأحاديثهم الفنية المتعلقة بأوصافها ومميزاتها حتى تكونت لدي معلومات نظرية مهمة ساعدتني على القيام بتجارب فردية عملية على هذه الآلة في البيت، ومع الزمن تطورت في هذا المجال حتى أصبح تصليح الآلة مهنتي في الحياة، وعندما تعمقت معرفتي بالآلة بمرور الأيام أردت العمل في مجال تصنيعها، وعلى الرغم من صعوبة العمل إلا أنني تابعته بحب حتى أتقنته فأصبح التصنيع هو الآخر جزءاً من مهنتي وحرفتي منذ أكثر من 20 عاماً».

ممو مجيد - صانع طنبورات

ويتابع "ممو": «صنع آلة "الطنبور" لا يقتصر على حفر الخشب وتركيب القطع، إنما يحتاج إلى معارف نظرية وعملية دقيقة بالنسبة لأبعاد القطع وثخاناتها وأطوالها لأن الأجزاء التي يتألف منها "الطنبور" تُركّب وفق قياسات علمية دقيقة، وحصول أي خلل في الأبعاد والأطوال يؤدي إلى ظهور صوت شاذ، وإن أفضل أنواع الخشب الذي يُصنع منه "الكود" في آلة "الطنبور" هو خشب شجرتي "الجوز" و"التوت"، وهما الخشبان المعتمدان لهذه الغاية في المنطقة منذ أقدم الأزمنة، ويتميزان بطراوتهما وعمرهما الطويل، لذا يكونا مطواعين خلال عملية الحفر».

وحول الفوارق بين "الطنبور" المصنوع يدوياً والمصنّع في المصانع والورشات الصناعية، قال: «المصنوع يدوياً يقوم به شخص واحد لذا يكون متناسقاً أكثر، ويقوم ذلك الشخص بإفراغ مجمل أحاسيسه ومشاعره في تكوينها وتركيبها، بينما لا تتوفر هذه الميزة المهمة في المصانع والورشات التي تعتمد على تقسيم العمل، فهذا يحفر "الكود"، والثاني يصنع "الزند"، والثالث يركب "الأوتار"، وهكذا فلا تحمل بصمات ومشاعر صانع واحد».

إدريس يوسف - عازف طنبور

وعن أجزاء "الطنبور" قال: «تتألف هذه الآلة من عدة أجزاء، وهي: "الكود" ويُصنّع يدوياً -كما قلت- من خشب "الجوز" أو "التوت"، أما في الورشات الصناعية فالكود مكون من مجموعة قطع تركب وتصفف بجانب بعضها بعضاً كالحزوز، وهناك "خشب الصدر" ويركب على صدر "الكود"؛ وهو مصنوع من خشب حساس يسمى "الشوح"، وأفضل نوع "الشوح الكندي"، "الزند" ويجب أن يكون متناسقاً من حيث الأبعاد مع "الكود"، وعلى "الزند" تُركّب "العلامات الموسيقية"، وفي نهاية "الزند" تتواجد "مفاتيح تعيير الأوتار"، ومن القطع الثانوية الصغيرة "الفرس"، و"ربطات الأوتار"، و"الأوتار"».

وحول وضع مهنته هذه الأيام وصعوباتها قال: «في "عفرين" الحالة الموسيقية ممتازة خلال المدة الأخيرة؛ فهناك معاهد عديدة تقوم بتدريس الموسيقا وتعليم الشباب والأطفال ذكوراً وإناثاً العزف على مختلف الآلات الموسيقية وفي مقدمتها "الطنبور"، لذا فإن عملي جيد حالياً ويؤمن لي ولأسرتي دخلاً جيداً لحياة كريمة.

محل السيد ممو بعفرين

تتلخص صعوبات المهنة بضرورة التركيز الدائم خلال عمليات التصليح والتصنيع؛ لأن الأبعاد والأطوال ضرورية جداً، ويتطلب العمل أيضاً أن يكون الشخص عارفاً وخبيراً بأبعاد العلامات الموسيقية التي تركب على "الزند"، وكذلك بالتطورات التي شهدتها هذه الآلة عبر الزمن، والتغيرات التي طالت الأطوال والأبعاد التي يجب أن يتم العمل بها بحرفية عالية».

وختم: «مهنة تصليح وتصنيع آلة "الطنبور" مهنة صعبة للغاية، ويحتاج الشخص إلى محبة الآلة أولاً، والتعرف إليها وإلى أجزائها بشكل علمي لكونها تتطلب عملاً دقيقاً وحساساً، فأي خلل خلال تركيب القطع مع بعضها وعدم أخذ القياسات والأبعاد بعين الاعتبار وبدقة سيؤدي حتماً إلى خلل في عملها».

السيد "إدريس يوسف" أحد العازفين على "الطنبور" في "عفرين" قال: «إن السيد "ممو" اسم معروف في عموم محافظة "حلب" في مجال تصليح وتصنيع آلة "الطنبور" منذ أكثر من 20 عاماً، وهو يمتلك خبرة واسعة في المجالين جعله أحد المبدعين والمتميزين والمشهورين في مهنته التي باتت اليوم شبه نادرة وخاصة التصنيع اليدوي، فهو قد مارس هذه المهنة بـ"حلب" مدة 15 عاماً قبل أن ينتقل إلى مدينته "عفرين"، وجميع العازفين والفنانين يعرفونه ويرتادون محله يومياً لتصليح آلاتهم أو تصنيع آلات جديدة لهم».

يُذكر أن، السيد "ممو مجيد" من مواليد "عفرين" عام 1961.