يبحر بأبي الفنون وينفرد بلغة خاصة في أدواره، يعزف الموسيقا ويلعب على أوتار خشبة مسرحها، يوغل بنقده لينحت أيقونة تتلاقى مع التقنيات الإبداعية.

تنوعت اهتمامات المبدع "أحمد قشقارة" في مجالي الأدب والفن، النقد والإخراج والتأليف المسرحي، والموسيقي؛ ليكون أول من وضع التأليف الموسيقي للمسرح في "اللاذقية" على أسس علمية درامية. أبدع في "الدراماتورجيا" والتمثيل، نسج "السيناريو التلفزيوني" بتوثيق معرفي ولا يزال.

سأسمح لنفسي استخدام المقولة التقليدية الشائعة: إن أهم جائزة حصلت عليها هي ثقة ومحبة الجمهور والوسط الفني لي.. هذه ثروتي الحقيقية التي أفخر بها، ثروة ما كنت لأحصل عليها لولا أنني كنت بالمقابل أحترم عملي وأسعى جاهداً ومثابراً لتطوير نفسي وتقديم الأفضل للجمهور الذي أكن له الاحترام والتقدير، وبالمناسبة دعيني هنا أقول وبكل صدق وموضوعية بعيداً عن النظرة الشوفينية: الجمهور الثقافي في "سورية" يتمتع بحس جمالي فطري عفوي وذائقة جمالية فنية رفيعة المستوى، هذا ما لمسته بشكل واقعي من خلال تجوالي في عدد من البلاد العربية والأجنبية. جمهور ننحني احتراماً وتقديراً بما يليق به. حصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير، وتم تكريمي أكثر من مرة من قبل مؤسسات ثقافية رسمية وخاصة في "سورية" وبعض البلدان الأخرى في مجالي المسرح والموسيقا، أذكر بعضاً منها: جائزة أفضل ممثل من مهرجان "أصفهان الدولي"، شهادات تقدير عدة من مهرجان "باري المسرحي" في "إيطاليا"، مجلة "الاعتدال الأميركية"، مؤسسة "فرح الفلسطينية"، شهادة تقدير من الجمعية "السورية للمعوقين باللاذقية"، اللجنة العليا لليوبيل الماسي "لجول جمال باللاذقية"

في لقاء لمدونة وطن "eSyria" عبر البريد الإلكتروني بتاريخ 3 آب 2014، تسللنا إلى ماضي الناقد المسرحي "أحمد قشقارة" وما ترجمه على الأرض قبيل سفره إلى "مصر" خلال مرحلة كانت تغرق بالاستسهال لكل إبداع.

خلال وجوده في جنيف

فقد شكل إدخال الموسيقا إلى مسرح "اللاذقية" على أسس علمية منعطفاً للعروض المسرحية، وقدم قيمة مضافة لعناصرها، يقول المسرحي "قشقارة":

«لكل عنصر من عناصر العرض "المسرحي" السمعية والبصرية دلالة معينة ووظيفة درامية وجمالية؛ تشكل بتكاملها وتضافرها منظومة معينة تعطي هوية للعرض المسرحي في صيغته النهائية. وقد كان أول عرض مسرحي في تاريخ محافظة "اللاذقية" نال تأليفاً موسيقياً خاصاً به هو ما قدمته لعرض "سهرة من أجل "سعد الله ونوس"، تأليف الدكتور "محمد بصل"، وإخراج الزميلين "سهيل حداد"، والراحل "حسن إسرب"، أنتجه فرع نقابة الفنانين في "اللاذقية" في بدايات تسعينيات القرن الماضي. ما شكل منعطفاً مهماً في تاريخ العرض المسرحي على مستوى المحافظة، بدأ الجمهور والعاملون في المسرح على حد سواء يدركون أهمية عنصر الموسيقا في المسرح، لكونه إحدى أهم مفردات العرض، ولم يعد وجود هذا العنصر مجرد تزييني عشوائي، بل هو دعامة مهمة من أركان العرض المسرحي، يحمل وظيفته الدرامية. منذ تلك اللحظة بدأت الفرق المسرحية في "اللاذقية"، "القومي"، "الجامعي"، نقابة "الفنانين"، الفرق "الخاصة"، ....إلخ، تطلب إليّ تأليف الموسيقا لعروضهم، وكان أن قدمت على مدى حوالي عشرين عاماً تأليفاً موسيقياً وأغاني لأكثر من مئة عرض مسرحي شارك عدد منها بمهرجانات محلية وعربية وعالمية، وكانت اللجان غالباً ما تشيد بعنصر الموسيقا في هذه العروض».

مع الفرقة المسرحية خلال عرض في جنيف

تواصل السيد "قشقارة" مع الثقافات والحضارات بعد أن شارك بالعديد من الملتقيات في بلدان متفرقة؛ فأخذ الفائدة وترجمها في عمله، قال موضحاً عن ذلك:

«الفنون والآداب والثقافة عموماً نشاط إنساني شمولي وجودي. وعلى الرغم من الخصوصية التي تميز ثقافة أمة عن غيرها بما يتلاءم وينسجم مع تاريخ هذه الأمة وعاداتها وتقاليدها وديموغرافيتها، من حيث الأشكال والأنماط التي تعطي هوية خاصة لهذه الثقافة، وتميزها عن غيرها، إلا أنه في الوقت نفسه تبقى هناك مجموعة من القضايا الكبرى، ولا سيما الجمالية منها، مشتركة بين جميع بني البشر، ومن هنا تأتي أهمية التواصل بين الشعوب والتعرف إلى الثقافات الأخرى والاطلاع على تفاصيلها وأشكالها، وهذا ما يغني فكر المثقف ويزيد من خبراته، ويفتح أمامه آفاقاً جديدة ورؤى مختلفة أكثر نضجاً وألقاً. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الملتقيات الدولية والمهرجانات هي فرصة نستطيع من خلالها تقديم أنفسنا للعالم بشكل حضاري، وتعريف الشعوب على تاريخنا وحضارتنا الموغلة في القدم. وربما تكون المهرجانات الثقافية الدولية هي الوجه الآخر الذي نقدم من خلاله أنفسنا بالشكل اللائق الذي يدحض الصورة المشوهة التي يمكن أن تنقلها عنا مافيات الميديا لأسباب سياسية دنيئة في محاولة لتشويه صورتنا أمام العالم. واسمحي لي هنا أن أذكر مثالاً أعتز به جداً حول هذه المسألة: لقد تمكنت بجهودي الشخصية من خلال إتقاني للغتين الفرنسية والإنكليزية، والقليل من الإيطالية، أن أتواصل مع العديد من المؤسسات الثقافية العالمية وإدارات المهرجانات، كان نتيجتها أنني استطعت الحصول على دعوة لفرقة المسرح "القومي باللاذقية" لتقديم عرض مسرحي في أهم منبر يعرفه العالم، وهو قصر "الأمم المتحدة" في "جينيف بسويسرا"، وكان عرضنا المسرحي هو أول عرض في العالم يتم تقديمه في هذا المكان، شعرنا حينها بفخر لا مثيل له حين قدمنا وجه "سورية" الحضاري على أهم منبر في العالم بتاريخ 1-5-2010. وبعد حوالي شهرين من العام ذاته تلقيت دعوة بصفتي ناقداً "مسرحياً سورياً" للمشاركة كضيف في أحد أهم المهرجانات المسرحية بمدينة "باري" الإيطالية، وقد تم تكريمي هناك من قبل إدارة المهرجان ومنحي شهادة تقدير مع درع المهرجان».

ضمن عرض في اللاذقية

المبدع "قشقارة" رسم خطوطاً إبداعية فنية في "اللاذقية" لكنه اغترب ليجمع إبداعه في مادة فكرية، أضاف في حديثه:

«كان المسرح ولا يزال، عشقي الأول والأخير، وهنا سأبوح بشيء من الصراحة، صحيح إنني فخور بما قدمته من نشاط بوجوهه المختلفة على مدى عشرين عاماً في الحراك المسرحي والموسيقي "باللاذقية"، إلا أن متطلبات الحياة القاسية تفرض علينا أحياناً أن نبتعد لفترة عن عشقنا من أجل تحقيق شيئاً من التوازن على الصعيد المادي كي نستطيع الاستمرار. العرض المسرحي يكلف الفنان جهداً لا يقل عن ثلاثة أشهر في حده الأدنى، ويستهلك الفنان روحه لينجز العرض، وفي النهاية فإن ما يتقاضاه من أجر مادي عن هذا الجهد الهائل الذي امتص روحه لا يكاد في أحسن حالاته يكفيه ثمن فناجين القهوة مع مكملاتها. نحن لم ولن نفكر يوماً أن نمتهن المسرح للكسب المادي، إنه مشروعنا الثقافي، بل الوطني أيضاً، وهذا أبسط واجب علينا تجاه الوطن، ولكن في الوقت نفسه، لا بد للفنان أن يأكل ويلبس ويدفع فاتورة الكهرباء وأجرة "السرفيس"، إنه في النهاية كائن بشري له حاجاته. ربما يكون "التلفزيون" قد سرقني من المسرح لكونه مصدر دخل مادي لا يقارن أبداً بالمسرح، لكنني في الوقت نفسه أيضاً لا يمكن في أي حال من الأحوال، ولا توجد أية محنة مهما قست يمكنها أن تغير مبادئي وأفكاري ومعتقداتي للانحدار نحو الإسفاف أو الابتذال في أي نوع من أنواع النشاط الثقافي أو الفني. الأهم أنني تمكنت من نيل فرصتي في تحقيق هذا التوازن في مجال الكتابة التلفزيونية، مادة فكرية مهمة بدخل مادي جيد، هذه هي باختصار القصة الكامنة وراء اغترابي»

يبقى الجمهور نقطة الفيصل له بعد أن حصد "قشقارة" العديد من الجوائز خلال عمله بالمسرح، التي لها أهميتها على ساحة العمل المسرحي، لذلك يقول:

«سأسمح لنفسي استخدام المقولة التقليدية الشائعة: إن أهم جائزة حصلت عليها هي ثقة ومحبة الجمهور والوسط الفني لي.. هذه ثروتي الحقيقية التي أفخر بها، ثروة ما كنت لأحصل عليها لولا أنني كنت بالمقابل أحترم عملي وأسعى جاهداً ومثابراً لتطوير نفسي وتقديم الأفضل للجمهور الذي أكن له الاحترام والتقدير، وبالمناسبة دعيني هنا أقول وبكل صدق وموضوعية بعيداً عن النظرة الشوفينية: الجمهور الثقافي في "سورية" يتمتع بحس جمالي فطري عفوي وذائقة جمالية فنية رفيعة المستوى، هذا ما لمسته بشكل واقعي من خلال تجوالي في عدد من البلاد العربية والأجنبية. جمهور ننحني احتراماً وتقديراً بما يليق به. حصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير، وتم تكريمي أكثر من مرة من قبل مؤسسات ثقافية رسمية وخاصة في "سورية" وبعض البلدان الأخرى في مجالي المسرح والموسيقا، أذكر بعضاً منها: جائزة أفضل ممثل من مهرجان "أصفهان الدولي"، شهادات تقدير عدة من مهرجان "باري المسرحي" في "إيطاليا"، مجلة "الاعتدال الأميركية"، مؤسسة "فرح الفلسطينية"، شهادة تقدير من الجمعية "السورية للمعوقين باللاذقية"، اللجنة العليا لليوبيل الماسي "لجول جمال باللاذقية"».

قال عنه الكاتب المسرحي التونسي "حكيم مرزوقي": «إنه رجل يفشل دائماً في الحسابات الضيقة والمصالح الآنيّة، ولا يتقن إلاّ أن يكون فنّاناً، يذهب بالمحبة نحو أقصاها. وغالباً ما تهرب من تحت قدميه الطرقات فيحتفي بالوحشة صديقاً أبديّاً ويؤنس ويحاور الطفل فيه. ومازال أصغر من أبنائه وأقدر منهم على مواجهة الألم. لم ينس أن يكبر، لكنه رفض أن يكبر. إنه شخصية هاربة من مؤلفات تشيخوف، وتر كمان، غفل أن يعزف عليه "بغنيني"، ودور لم يلعبه لا "شارلي شابلن" ولا "مارلون براندو". "أحمد قشقارة" يكاد يكون الإنسان الوحيد الذي توقّع على بياض بأنه صديقك دون حساب الأزمنة والأمكنة والدوائر وصروف الدهر. ما قلت يوماً أنني ذاهب إلى "اللاذقية" إلاّ وقال لي الأصدقاء في "الشام" (سلّم على أحمد قشقارة) والبحر و"العصافيري"، و"الشيخ ضاهر"، ما حلّ يوماً في "دمشق" إلاّ وتصالح على طاولته الأصدقاء المتخاصمون، هو من القلة التي قد تختلف معها لكنك لا تختلف عليها، لأنّه عنوان ثابت للطيبة والمحبة الممزوجة مع الأنس والبهجة والنباهة. لا يستغرب من يعرف "أحمد قشقارة" أن يكون عازفاً وملحّناً وشاعراً ومخرجاً، وربما أشياء أخرى أجهلها؛ ذلك لأنه ببساطة إنسان كبير يسكن جسداً نحيلاً مثل حرف عربي أصيل. وروح توّاقة تختفي خلف نظارات أظنها -مثلي- قد ولدت معه. تحية لك في هذا الظرف الذي تمتحن فيه القلوب ومعادن الرجال. أيها الرجل الخجول، كم أحترم الرجل الخجول».

تجدر الإشارة إلى أن المسرحي "أحمد قشقارة" مواليد "حلب"، خريج المعهد "العالي للفنون المسرحية"، عضو نقابة الفنانين السوريين، يعزف "الكمان"، "الجيتار" و"الناي"، و"الأكورديون"، أسس الفرقة الغنائية "الأمل المنشود" مع أصدقائه في ثمانينيات القرن الماضي.