تحمل لوحاته طابعاً فكرياً ضمن رؤيا تعبيرية يسعى إلى تطويرها بشكل دائم ومستمر ليواكب الحداثة مع الحفاظ على الهوية المحلية والوطنية فكراً وجمالاً، إنه الفنان والناقد "إبراهيم داوود".

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان بتاريخ 20 تموز 2014، وأجرت معه اللقاء التالي:

تتمتع تجربة الفنان "داوود" في الذائقة البصرية السورية بروح الإبداع والبحث عن جماليات الشكل الخاصة به من خلال الألوان التي يمزجها بريشته من عناصر النفس الداخلية وكأنه محلل نفسي يبحث عن الكيان الأساسي في الحياة، ولهذا نجد مواضيعه تتنوع ما بين الإنسان والطبيعة المعمارية والزهور الناعمة. عندما يرسم الإنسان يحاول رسمه من الداخل، وهو لا يعتمد على التفاصيل الدقيقة بقدر ما يعتمد على إظهار أشكال الحالات الداخلية متأثراً بحياته الريفية وذكرياته المدفونة، وعندما يرسم العمارات يرسمها وكأنه يعيش فيها من جديد ويجعل تكويناتها متراصة وقريبة من بعضها بعضاً تعبيراً عن الحالات التعاونية والحب، وتلك التقاليد الشعبية الجميلة. وعندما يرسم الأزهار نراه يرسمها وهو في حالة صفاء نفسي وروحي حتى إننا نشعر برائحتها العابقة من خلال ألوانها المتناسقة والمتلائمة مع الحالة الصوفية التي تتنامى نحو المطلق

  • هل لك أن تحدثنا عن البدايات مع الرسم؟
  • بروشور معرض "تحية إلى سورية".. مدريد

    ** بدايتي كانت مبكرة، حيث استهواني الرسم والزخرفة في المرحلة الابتدائية، وحينما عُلقت أعمالي في باحة مدرستي تشجعت على المتابعة، وفي المرحلة الإعدادية بدأت الرسم بالألوان المائية حيث تعرفت على الفنان "طاهر البني" الذي ساعدني حينها في اختيار 40 عملاً للمشاركة في معرض المدرسة في المتحف الوطني بـ"حلب" في العام 1971، الذي كان له وقع مهم في حياتي فقد نلت خلاله الجائزة الأولى، وتم اقتناء بعض أعمالي في المركز الثقافي بـ"حلب".

    المعرض شكل بدايتي الفنية والمنعطف الأساسي الذي ساهم في تنمية موهبتي وتنميتها، فانتسبت بعدها إلى مركز "فتحي محمد" للفنون التشكيلية الذي يمثل الأكاديمية الصغيرة للفن وذلك عام 1971، وفيه تعرفت على عدة فنانين منهم "أسعد المدرس"، و"سعيد طه"، و"عبد الرحمن مهنا"، و"وحيد مغاربة"، و"إسماعيل حسني" وغيرهم، وبعدها شاركت في معارض الشبيبة، وعندما تم تعييني المسؤول الفني في الشبيبة أقمت أول معرض فردي في المتحف الوطني عام 1976. وفي العام 1977 انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق باختصاص تصوير زيتي تدربت خلالها على يد كل من الفنانين: "نذير نبعة"، و"خزيمة العلواني"، و"فاتح المدرس"، و"نصير شورى"، وحصلت على إجازة بالفنون في العام 1983، ولكن ظروفي الخاصة منعتني من إتمام البعثة الدراسية التي منحتني إياها الدولة لدراسة الدكتوراه.

    من أعماله

    عملت في مجال التحضير الطباعي وخضعت لعدة دورات مع خبراء ألمان وفرنسيين بفن الأوتوغراف والتصوير الضوئي.

  • ما هي أهم المعارض التي أقمتها؟
  • من أعماله

    ** أهم هذه المعارض كانت في العام 1976 بالمتحف الوطني بـ"حلب"، الذي شكل منعطفاً لنشاطي الفني ورسم خط مستقبلي بالفن، ثم تلته مجموعة معارض فردية وجماعية داخل وخارج "سورية"، وفي العام 2010 شاركت في معرض أقامه في مدينة "مدريد" الإسبانية المركز الثقافي السوري بعنوان "تحية إلى سورية" بمشاركة 34 فناناً من مختلف أنحاء العالم، وفي العام 2011 شاركت مع مجموعة فنانين عرب وأجانب بمعرض جوال بين "مدريد" و"باريس" وعدة مدن إسبانية وفرنسية، ولي لوحات مقتناة في "فرنسا" و"إسبانيا" و"ألمانيا" و"تركيا" و"الكويت" و"دبي".

    وخلال مسيرتي نلت عدة جوائز وشهادات تقدير من وزارة الثقافة بدمشق واتحاد الفنانين التشكيليين واتحاد الصحفيين، وشهادة تقدير من المركز الثقافي السوري بمدريد بإسبانيا والسفارة الهولندية.

  • حدثنا عن أسلوبك في الرسم؟
  • ** في البداية كنت أرسم الأماكن الأثرية والأحياء القديمة في مدينة "حلب"؛ حيث كنت أخرج لأتجول في أحيائها وأرسم بيوتها "كروكي" لأعيد رسمها بالألوان المائية بأسلوب واقعي مع شفافية المائي، وكنت معجباً ومتأثراً بالفنان "بول سيزان" والمدرسة الانطباعية، وبعد الدراسة الجامعية ودراساتي وبحثي في الفن وفلسفته بدأت أشعر أكثر بهموم الحياة والوطن والمستقبل، فاندفعت إلى متابعة بحثي عن أدوات فنية وأشكال تعبيرية تستوعب معاناة الحياة وتصوراتها الفكرية والجمالية، فاستهوتني المدرسة التعبيرية التي أعمل خلالها الآن لتجسيد الحس الإنساني وهواجسه الفكرية العميقة، ودائماً يأخذ مني الجانب الإنساني ومكامنه الفلسفية الداخلية الحيز الأكبر، فللمرأة غالباً حضور في رسمي، وكذلك دمج الإنسان بالطبيعة التي بدأتها بأسلوب تعبيري فلسفي حديث. لوحاتي تحمل طابعاً فكرياً "ميتافيزيقياً" حول المرأة التي تمثل العطاء والإنسان والبيوت برؤيا سوريالية تعبيرية، حيث يساهم الفكر والخيال بصياغة بصرية تهدف إلى إبراز الحقائق للوصول إلى حالة أستطيع من خلالها استيعاب ما أود طرحه وتطويع الشكل من أجل المضمون الإنساني مع الاهتمام بالقيم التعبيرية التي أنتمي إليها.

  • وكيف هي تجربتك مع النقد الفني؟
  • ** النقد الفني هو عملية بحث موضوعية للعمل يحقق فيها العقل سيطرته على العاطفة، وهدفه يكون الموجه نحو الأفضل في جميع الحالات واستيعاب مشاعر ورؤية الفنان الجمالية والفكرية ومعارفه الشخصية المتنوعة وإيصالها إلى القارئ والمتلقي. وبدأت تجربتي في النقد الفني والكتابة عن الأعمال الفنية في العام 1988 بـ"دمشق"، حيث كنت المدير الفني لدار "الفاضل" للنشر والتوزيع، وفي العام 2000 أنجزت صفحة متخصصة للفنون التشكيلية في جريدة "الجماهير" الحلبية حيث أقوم أسبوعياً بإعدادها وتحريرها وإخراجها. وتهدف الدراسات التي أقدمها في الصحف التوثيق والإيضاح وقراءة اللوحة أو العمل الفني، كما أنشأت صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي باسم اتحاد الفنانين التشكيليين - فرع "حلب"؛ كل هذا كان على حساب نتاجي الفني مع أنه يعطيني فهماً أكبر لطبيعة العمل الإبداعي وتقدمي في تجربة الحداثة الفنية.

    الناقد التشكيلي "محمود مكي" تحدث عن تجربة الفنان "إبراهيم داوود" بالقول: «تتمتع تجربة الفنان "داوود" في الذائقة البصرية السورية بروح الإبداع والبحث عن جماليات الشكل الخاصة به من خلال الألوان التي يمزجها بريشته من عناصر النفس الداخلية وكأنه محلل نفسي يبحث عن الكيان الأساسي في الحياة، ولهذا نجد مواضيعه تتنوع ما بين الإنسان والطبيعة المعمارية والزهور الناعمة.

    عندما يرسم الإنسان يحاول رسمه من الداخل، وهو لا يعتمد على التفاصيل الدقيقة بقدر ما يعتمد على إظهار أشكال الحالات الداخلية متأثراً بحياته الريفية وذكرياته المدفونة، وعندما يرسم العمارات يرسمها وكأنه يعيش فيها من جديد ويجعل تكويناتها متراصة وقريبة من بعضها بعضاً تعبيراً عن الحالات التعاونية والحب، وتلك التقاليد الشعبية الجميلة. وعندما يرسم الأزهار نراه يرسمها وهو في حالة صفاء نفسي وروحي حتى إننا نشعر برائحتها العابقة من خلال ألوانها المتناسقة والمتلائمة مع الحالة الصوفية التي تتنامى نحو المطلق».

    يذكر أن الفنان "إبراهيم داوود" من مواليد "حلب" في العام 1956.