في منطقة "عفرين" الجبلية المشهورة بالأنهار والينابيع وجداول المياه، ولد المطرب الشعبي المعروف "إبراهيم يوسف"، وفي هذا البيت الريفي الذي يعود تاريخ بنائه إلى النصف الأول من القرن الماضي عاش مطربنا جلّ حياته، وقد شهد معه كل ذكرياته الحلوة والمرّة، وقد تحوّل ذات يوم إلى صالة فنية وموسيقية ومعهد لتخريج مطربي ذلك الزمان وعازفيه.

وبغية التعرّف على حياة ذلك المطرب المعروف في تلك المنطقة زارت مدونة وطن eSyria بتاريخ 5/9/2008 منزل ابنته الكبرى "كليزار" في قرية "كوردان" – ناحية "جنديرس"، والتي ما زالت تمارس فن الغناء رغم أنّها تجاوزت الخامسة والتسعين من عمرها، وتعتبر أكبر مغنّية في محافظة "حلب".

لقد كان والدي مطرباً شعبياً مشهوراً، ولد في قرية "جقاللي جوم"– منطقة "عفرين" في العام /1881/، عمل منذ طفولته بالزراعة كباقي أبناء المنطقة، حيث قضى فيها طفولته ومعظم شبابه

وبعد أن رحّبت بنا في بيتها الريفيّ الجميل، سألناها عن حياة والدها فقالت: «لقد كان والدي مطرباً شعبياً مشهوراً، ولد في قرية "جقاللي جوم"– منطقة "عفرين" في العام /1881/، عمل منذ طفولته بالزراعة كباقي أبناء المنطقة، حيث قضى فيها طفولته ومعظم شبابه».

"كليزار".. أكبر مغنية في محافظة حلب

وعن بداياته الفنية قالت: «لقد تأثّر كثيراً بمجالس السهر التي كانت تُعقد في بيت والده "جدي"، حيث كان المطربون المحليّون والجوالون - الذين كانوا يجوبون القرى لعرض فنونهم - يقدّمون فيها أجمل ما لديهم من فنون وإبداعات في الغناء بشكل شبه يومي، وكذلك تأثّر بالموالد والاحتفالات الدينية التي كانت تُقام في أيام الأعياد والمناسبات الدينية، كليلة القدر وعيد المولد النبوي الشريف، حيث كان يؤديها رجال دين ذوو أصوات جميلة وحزينة، وعندما بلغ سن الشباب رافق المطرب الجوّال حينها "سيدي برازي" وتعلّم منه المقامات الفنية وأصول الغناء والعشرات من الأغاني الملحمية والتراثية، فقد كان والدي يمتلك ذاكرة فولاذية وحنجرة قوية ورئتين ذات قدرة فائقة على التحمل في مجال أداء الأغاني والملاحم التراثية والفلكلورية، فقد حفظ العشرات منها في ذاكرته وكانت الواحدة منها تطول لمدة تزيد على ست ساعات غناءً».

وأضافت "كليزار": «في الثلاثينيات من القرن الماضي أصبح مختاراً لخمسة قرى هي (مسكة فوقاني– مسكة تحتاني– آشكان شرقي- سنديانكي– جقاللي جوم) ووكيلاً لأعمال أحد أغوات المنطقة "خليل آغا سيدو ميمي" فتفرّغ للغناء ومارسه على نطاق واسع حيث كان يدير بأغنياته التراثية الرائعة والفلكلورية الخفيفة جميع الحفلات في قريته والقرى المجاورة حتى ذاع صيته في شمال القطر، وتحوّل منزله الريفيّ المقنطر إلى صالةٍ فنيّةٍ يجتمع فيه مطربو ذلك العصر من كل حدبٍ وصوب».

منزل السيدة "كليزار"

وأنهت حديثها: «في العام /1961/ توفي المطرب الشعبي "إبراهيم يوسف" عن عمر ناهز الثمانين سنة، دون أن يتمكّن من تسجيل رصيده الفنيّ الكبير، تاركاً وراءه عشرات المطربين والعازفين من تلاميذه، الذين استطاعوا فيما بعد تسجيل معظم أغنياته ولكن بأصواتهم وعزفهم كخطوةٍ مهمّةٍ لحماية فنه الغزير وبالتالي حماية تراث وتاريخ منطقة "عفرين" من الضياع».

الفنان التراثي المعروف "عبد الرحمن عمر" هو أحد أبرز تلامذة الفنان الراحل سألناه عن تأثير المطرب "إبراهيم يوسف" على فنّه فقال: «لقد كان المرحوم بحق موسوعة تراثية وفلكلورية، إضافةً إلى امتلاكه صوتاً جبلياً رائعاً ولذلك كان من الطبيعي أن يتأثّر به وبفنّه الذي كان يتسم بالأصالة العديد من المطربين، وأتشرّف بأنني واحد منهم».

(*) تم تحرير المادة بتاريخ 13/9/ 2008.