على يديه تتلمذ الكثيرون، وعلـّم في صفه المدرسي كبار النجوم السوريين، تنغم الأطفال بجميل ألحانه وهو الذي أمضى معظم حياته في خدمة الصغار، فألف لهم الكثير من الأغاني وموسيقا المسرحيات التي لن تمحى من ذاكرتهم.

إنه الأستاذ "جميل أصفر الأحمدي" الذي استضاف موقع "تدوين الموسيقا السورية" في منزله وكان معه هذا الحوار الذي استهل حديثه فيه عن بداياته :«كان والدي يمتلك صوتاً جميلاً فأحببت أن أغني معه لكني لم أوهب حنجرة تساعدني على ذلك فآثرت الولوج إلى عالم الفن من باب آخر هو العزف، فبدأت وأنا صغير بصنع آلة موسيقية مما يقع تحت يدي من مكونات بسيطة وفعلاً صنعت آلة شبيهة بالقانون وكانت تعطي صوتاً جميلاً وصحيحاً إلى حد ما، هذا لأني أعشق هذه الآلة من الصغر. تطورت الأمور قليلاً وبدأت بتلقي دروس العزف على القانون عند الأستاذ المرحوم "محمد البوشي" وكان في فرقة الجيش الموسيقية، فبقيت عنده فترة ثم انتقلت للتعلم عند الأستاذ الكبير المرحوم "شكري انطاكلي" فتعلمت منه علم الصوت وهندسة القانون على الطريقة الفيثاغورثية التي تعتمد بشكل كلي على الرياضيات وما أقره الفارابي من بديهيات في صناعة هذه الآلة. وتعلمت منه عزف الريشة التركية وتركيب عربات القانون. وبقيت مع الأستاذ "شكري" حتى وفاته».

بعد هذه الفترة بدأت الدراسة في معهد دار المعلمين الشعبة الموسيقية، وكانت تلك السنة الأولى التي يفتتح هذا المعهد في سورية، وذلك أيام الوحدة مع مصر. فدرست آلة الأكورديون كآلة أساسية والقانون آلة مرافقة مع استمرار الدروس عند الأستاذ "شكري". شاركت خلال دراستي في معظم النشاطات التربوية التي كانت تقيمها منظمة الطلائع

يعد الأستاذ "جميل" من أوائل المعلمين في مدارس حلب، يقول عن دراسته الأكاديمية: «بعد هذه الفترة بدأت الدراسة في معهد دار المعلمين الشعبة الموسيقية، وكانت تلك السنة الأولى التي يفتتح هذا المعهد في سورية، وذلك أيام الوحدة مع مصر. فدرست آلة الأكورديون كآلة أساسية والقانون آلة مرافقة مع استمرار الدروس عند الأستاذ "شكري". شاركت خلال دراستي في معظم النشاطات التربوية التي كانت تقيمها منظمة الطلائع».

الفنان جميل أصفر الأحمدي

بعد التخرج تم تعيين "الأحمدي" في مدرسة "الغسانية" كمعلم صف، ومن الطلاب الذين كانوا يدرسون في تلك المدرسة آنذاك الفنانة "ميادة الحناوي"، وأختها التي درسها الموسيقا الفنانة "فاتن الحناوي". وفي عام /1979/ تم ندبه إلى مسرح الشبيبة المدرسي وهناك وجه عنايته نحو الأطفال الصغار الموهوبين، يقول: «لم أوفر جهداً في إفادتهم وتقديم المعلومة لهم، لأن الموهبة هي منحة من الله تعالى يجب تقديرها واحتضانها والعناية بها فمن الممكن أن ينتج عنها أسماء لامعة فيما بعد. خلال عملي في المسرح كنت من أوائل المشاركين والمنظمين لكل الحفلات التي تقام في المناسبات الوطنية والقومية، وبنفس الوقت أُدرِس آلة القانون في معهد الشبيبة الموسيقي ولطلاب خارج المعهد، وبقيت في مسرح الشبيبة حتى التقاعد عام /1998».

وبالتزامن مع ذلك كان الأستاذ "جميل" على صلة بالحركة الفنية والطربية في حلب وخارجها فحدثنا عنها: «بصراحة أنا مقلٌ في هذا المجال، لأن من يدخل السلك التربوي يكون قد وضع نفسه على سكة العطاء غير المتناهي، ويصبح هدفه أسمى من الشهرة وجمع المال. ومن الناحية الاجتماعية أيضاً فإنه لا يملك التفرغ اللازم للحفلات والسفر وما إلى ذلك -طبعاً هنا أتكلم عمن يحركه ضميره الإنساني والمهني ويقدس مهنة التعليم ويخلص لها- لكن ذلك كله لم يمنعني من بعض المشاركات التي تفرغ هذه الطاقة الموجودة لدي والتي لم تكن لتجد طريقها إلى الخارج إلا لتدريس المختصين في الموسيقا، وهم كانوا نادرين آنذاك بحكم الأعراف الاجتماعية التي كانت سائدة. فالتقنية الموجودة لدي يلزمها عزف احترافي مع المطربين والمنشدين حتى لا تتجمد وتتوقف عن التطور، وبناءً على ذلك عزفت مع الفنانة "طروب" والمرحوم الأستاذ "محمد خيري". والمرحوم "صبري مدلل" وشيخ المنشدين المرحوم "فؤاد خانطوماني" لكن مشاركاتي معهم لم تتعدَ "حلب" وبعض المحافظات السورية ذلك لأني متعلق بشكل كبير بأسرتي وأولادي فأنا تزوجت مبكراً ورزقت بأطفال أصبحت أرى كل الحياة بهم، ولا صبر لي على فراقهم، فرأيت أن أبقى بقربهم أرعاهم وأدير شؤونهم خير من السفر والانشغال عنهم، لأن درب الفن شائك ومضنٍ، ومن يتعمق في العمل فيه يتوجب عليه التفرغ شبه التام له، وأنا تربوي في الأساس وعملي الوظيفي أيضاً كان من الأسباب القوية التي منعتني من السفر رغم العروض المغرية التي قدمت لي. فاكتفيت بقيادة فرقة شعبية مدة سبعة عشر عاماً في "حلب" للحفلات غير الرسمية».

في منزله

وعن مؤلفاته وأعماله الخاصة تحدث الأستاذ "جميل": «كان العمل للأطفال يسرقني من التأليف الموسيقي الطربي قليلاً. فبحكم تعاملي معهم في المدرسة كنت على دراية تامة بما يشغلهم وما يفرحهم. كانت أولى الأغاني التي لحنتها في عام /1982/ خلال الحرب الأهلية في لبنان الشقيق هي أغنية عنوانها "ميسا تبحث عن دميتها في بيروت" وهي من كلمات الشاعر اللبناني "محمد أبو معتوق"، وأخرى بعنوان "متل ورود بقلب الخندق" وهي تتحدث عن الشهادة أيضاً من كلمات الشاعر "محمد أبو معتوق". كما لحنت أغنية بعنوان "لبنان" وهي من كلمات الأستاذ "يوسف طافش"، كما قمت بتلحين "أوبريت" للطلائع بعنوان "قطارات صغيرة"، وكان لي الكثير من الألحان على هذا القالب. وقدمت الموسيقا التصويرية والغنائية لستة مسرحيات مع الأستاذ "نادر عقاد". هذا بما يخص الطفولة.

أما الأدوار فلي ثلاثة ألحان هي "الورد في الوجنات" كلمات الشاعر "فخري قدورة" ودور "بسأل عليه" وهو من كلماتي وألحاني. ودور "ارحم عيني" وهو من كلمات الشاعر "محمد قباني"، كما قدمت تسجيلات لإذاعة دمشق عزفت فيها تقاسيم على القانون. كما كان لي بعض الأغاني منها "أم العيون البنية" وهي من كلمات الشاعر "عبد القادر نعسان"، وأغنية أخرى عنوانها "سمرا" وهي من كلماتي وألحاني».

وبالطبع فعازف مخضرم وموسيقي عتيق لابد أن له نظرة متعمقة فيما يحدث اليوم في الساحة الفنية. وقد رد الأستاذ "جميل" لدى سؤاله عن ذلك: «مختصر القول أنه عن طريق الوعي الثقافي تستطيع قياس الذوق العام. ولو فرضنا وجود جهاز خيالي للقياس يشبه جهاز كشف الكذب لوجدت أن الغالبية اليوم لا يتحرك فيهم أي إحساس إن سمعوا أغنية حديثة دون أن يروا التصوير المرفق معها. حتى وإن شاهدوا التصوير فإن الإحساس الذي يتحرك هو إحساس مشوه وغرائزي. والفن أياً كان نوعه هو انعكاس حقيقي لحالة الثقافة الاجتماعية السائدة، فتصور مثلاً أن يقوم بتمثيل (الكليب) مع المطربين كهول من دور العجزة فهل تجد لهم مستمعاً أو متفرجاً، ذلك يؤكد أن العامل البصري هو من يحكم اليوم بما يسمى (الساحة الفنية)».

بقي أن نذكر أن الأستاذ "جميل" من مواليد مدينة "حلب" عام /1938/ متزوج وأب لثلاثة أبناء وأربعة بنات، وأيضاً جدٌ لاثني عشر حفيداً، وإحدى بناته أصبحت جدةً أيضاً.

ومن طلابه المعروفين في الوسط الفني المطرب "أحمد أزرق" الذي أتاه طفلاً في الصف السابع. والمطرب "محمد النداف" وهو كان عازف إيقاع وتوجه بعد ذلك للغناء. وعازف القانون "جلال جوبي.

وهو الآن معتزل للعزف والتدريس لأن عمره لم يعد يساعد على ذلك. يقول عن سر نضارته وحيويته أنه يمقت الوجوه العابسة، فالابتسامة شيء محوري وضروري جداً يجب الحفاظ عليه رغم مصاعب الحياة والإيمان بالله تعالى يزرع في النفس سكينةً تطيل العمر، وسلاماً يهون الصعاب.