أبدع أهل "حلب" في الطرب الأصيل والقدود والموشحات، وكذلك أبدعوا في نظم المواويل، ومن أهمها "الموال السبعاوي" الذي يعتبر صنفاً مهماً من أصناف الشعر الشعبي السهل الحفظ لأنه يركز على فكرة أو غاية واحدة في كل موال.

يقول الكاتب شهاب الدين الحجازي المصري مؤلف كتاب "سفينة الملك": «إن أول من نطق بالموال هم أهل "واسط" في العراق، والموال يتألف من سبعة أشطر يأتي الشطر الأول والثاني والثالث والسابع على قافية واحدة والرابع والخامس والسادس على قافية أخرى.

الموال أدب مشبوه، وأصل الشبهة فيه، إحلال العامية محل الفصيحة، لذلك يعتبر ملتصقاً بالطبقات الشعبية، لأنه يعبر عن بعض صور الحياة في أنماط سلوكها

الثلاثة الأولى تسمى (المطلع)

المنشد الأول للموال حسن الحفار

الثلاثة الثانية تسمى (العرجة)

المقطع الثالث يسمى (القفلة أو الطباقة)».

المطرب الكبير صباح فخري

نشأة الموال :

تقول الرواية التاريخية إن أول من نظم الموال، جارية من جواري "جعفر البرمكي" بعد "نكبة البرامكة" على يدي "هارون الرشيد" عام 187 للهجرة حيث قالت: "يا مواليّا" ليكون في ذلك منجاةٌ لها من الرشيد.

أما الكاتب والباحث الحلبي الدكتور "عبد الكريم الأشتر" فيقول في كتابه "شعراء شاميون قدامى ومحدثون": «الموال أدب مشبوه، وأصل الشبهة فيه، إحلال العامية محل الفصيحة، لذلك يعتبر ملتصقاً بالطبقات الشعبية، لأنه يعبر عن بعض صور الحياة في أنماط سلوكها».

"شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي" صاحب كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" يعتبر اللحن والإعراب في الموال عيباً كبيراً، لذلك قال الدكتور الأشتر في إحدى المحاضرات: «"إن خطأه صواب ولحنه إعراب". لأنهم يبتعدون عن إدخال عبارات حضرية في نسيج كلماته المنظومة، ويفضلون أن تدور عباراته في مناخات ريفية وشعبية بسيطة تحاكي بساطتهم ومشاكلهم، وتتعرض لأحزانهم وأحلامهم وقضايا حبهم، وما ينجم عنها من أثر البعاد والهجر، لذلك يبتعدون عن مواضيع الإعراب والنحو كي لا يكون الموال متكلفاً وهو ما يسمى "بالتزنيم"».

أنواع الموال السبعاوي:

حسب الدكتور "الأشتر": «الموال السبعاوي أو الشرقاوي، هو الموال الأول والأكثر شيوعاً لدينا، وعرف في سورية أيضاً "بالبغدادي" ومنه الموالات البغدادية التي انتشرت في شمال سورية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين في حلب وحماة وتوابعهما، ثم في حمص وتوابعها، وسمي أيضاً "بالنعماني"، أما في العراق فسمي "بالزهيري" وهو سيد المواويل. ثم الموال الرباعي وهو مكون من أربعة أشطر متحدة القافية، وهذا أصل الموال كما سلف. ثم الأعرج، وهو مكون من أربعة أشطر متحدة القافية عدا الشطر الرابع حتى ينطبق الشطر الأخير على الأشطر الثلاثة الأولى، وهو كثير في مصر التي وصل إليها- في الغالب- عن طريق بر الشام. ثم الموال السداسي وتتطابق قوافيه عدا الشطرين الرابع والخامس حتى ينطبق السادس على الثلاثة الأول. وهناك التساعي والعشاري. أما ما زاد على ذلك فيسمى المطاول الذي يبلغ بعضه خمسة عشر شطراً. أيضاً هناك "الموال الديني"، و"المواليات الإنسانية"، وأيضاً "الموال الوطني"».

ومن كلمات أحد المواويل الشرقاوية السبعاوية في سورية يقول الدكتور:

«ما يوم غير البكي حتى شغلني بكار

ناديتلا واصلي وعواذلي بليلهِنْ

اش نابني من الهوى والنوح يا ويلي

ايمتى تجيني وعيني من الدمع تنشف

مزق ثيابي وما ترك شي يا ويلي

قالت: أجيلك بليلا مظلما ما انشف

تميت أندب على الخلان يا ويلي

قلت: البدر في السما أثبت ما ينشف

حتى معي بالدمع بكيت بنات بكار

قالت: أهل الزوالف واختفي بليلهن».

ثم أضاف أن الموسيقا لعبت دوراً مهماً في الموال حيث عملت مع الغناء على إثرائه وتأكيد صورته وتثبيتها، وفيما يلي موال موسيقي يتغزل فيه صاحبه بحسناء بدوية:

«رنت بخلخالا عند المسير دواي (دوياً)

منها جنوني ومنها علتي ودواي (دوائي)

يا لائمي كفّ لومك والحكي ودواي (الدوي والكلام الكثير)

لو شفت الريم وورد أحمر بروس الوجن (الوجنات حمراء بلون الورد)

ومطاوحاً لو مشت علْخد راحَنْ وجَنْ (حلية في الأذن تنوس)

ما شافها عابد إلا تسوسح وجنْ (اضطرب في مشيته وأصابه الجنون)

هذي من الحور ما هي من عرب بدواي (البدو).

وقد انتشر الموال في دول عربية كثيرة وهو يسمى أحياناً وخاصة في "جنوب العراق" الشعر النبطي نسبة إلى "الأنباط". وقد وصل أيضاً إلى "تونس" وسمي بالمألوف أو "المالوف"، وفي "الجزائر" سمي "الوهراني"، وفي "المغرب" سمي "الملحون"، وفي الخليج "النبطي" أيضاً.

وهناك تفرعات أخرى تولدت عن الموال هي "العتابا" ويحكى فيها قصة رجل فقير من الريف ليس له من الدنيا غير امرأة يحبها هي زوجته، وفي يوم غاب ليعود فلا يجدها في بيته المتواضع، وحين سأل عنها قيل إنها هجرت إلى القصر الذي يسكنه من هو أغنى وأعتى منه فقال في ذلك:

عتابا بين يرمي ولفتي

عتابا لغيري ليش ولفتي

أنا ما بروح لقاضي لمفتي

عتابا بالتلاته مطلقا».

ويتابع: «من أهم من نظم هذا الموال "عمر فتحي" و "محمد الشامي" و"محمد خيري" الذي يعتبر أعظم من غنى الموال السبعاوي على الإطلاق، ومن أشهر المواويل البغدادية التي غناها:

يا معشر الناس

يا معشر الناس ما بالدهر صاحب وفي

كليت حتى انبرى مني لساني وفي

قال ابن شداد عنتر قول راجح وفي

وصل الحبل بالحبل يا بني عبس والزمام

وين الرفاق الذي يوفون العهد والزمام».

وفي زماننا الحاضر يعتبر الفنان الكبير المنشد "حسن الحفار" أشهر من يؤدي المواويل حيث يقول في أحدها:

«عشاق حسنك بكاسات الغرام حسّن (أحسوا الكؤوس)

صرف الصبابة (آخر الكأس) ولا من سكرهن حسّن (لم يشعروا بالسكر)

يا مجهد النوق (ياسائق) أرفق بالهجن واحسن (اكرم معاملاتهم)

للي جمار النوى (البعاد) مست حشاه وحوى (أصابت أحشاءه)، لائذ بمن يرتجي آدم إليه وحوّا

إن كان يوسف ملَك شطر الجمال وحوى (من الجمال)

أحمد لا شك أكمل بالبهى واحسن».

وبعد أن شرح لنا هذه الأبيات تحدث السيد "الحفار" عن ذلك فقال: «إن الموال السبعاوي هو من أشهر المواويل في حلب والجميع يحب سماعه إذا ما قورن ذلك بسماع الشعر، لأن الناس قديماً كانت أميل إلى سماع هذا النوع خصوصاً أن نسبة الأمية كانت أعلى، ولم يكن لديهم الرغبة في التعب في فهم الشعر، أما الموال فكان الأقرب إلى قلوبهم وهو الأكثر اعتياداً بالنسبة لهم. وأنا حين أغني هذا الموال أكون مسروراً بسرور الناس لدى سماعهم لي وغالباً ما تكون ردود أفعالهم الحافز الدائم للاستمرار في هذا المجال».

أما الأشهر محلياً، عربياً وعالمياً فهو الفنان الكبير "صباح فخري"، ومن أهم المواويل السبعاوية التي غناها:

«يا لائمي في الهوى العذري كفاك شجار

ما أنت ملوع ولا عالم بحالي اش جار

ظلم اللي أحبه عدل مهما بحكمه اش جار

راضي ولو صرت عند أهل العشق عبره

عالجت روحي فلم أحصل لها عبره

يا قلب إنعي وياعين اذرفي عبره

تروي وتنبت بقاع الماحالات اشجار».