«إن تراث هذه البلدة قديم قدم البلدة ذاتها، وقررنا في "حلب" إحياء التراث الحلبي الخاص بهذه المدينة الكبيرة عن طريق إقامة حفلات تكريمية لأساتذة الملحنين ـ رحمهم الله ـ حيث كانت الحفلة الأولى بمناسبة مرور عام ونيف على وفاة المرحوم "صبري مدلل"، وكانت هناك حفلة أخرى خاصة بتكريم المرحوم "عمر البطش" والآن نقوم بإحياء حفلة للأستاذ "بكري الكردي"». هذا ما قاله الأستاذ الشيخ "محمد مسعود خياطة".

بمناسبة مرور ثلاثين عاما على وفاة الملحن الكبير الأستاذ "بكري الكردي"، أقامت "الفرقة التراثية الحلبية" للإنشاد الديني والموشحات مساء يوم الأحد 28/6/2009 أمسية تراثية طربية تضمنت غناء عدد من الأغاني التي لحنها هذا الأستاذ الكبير مع ذكر لمحة عن حياته والأمور التي قدمها خلال مسيرته الطويلة؛ يقول الأستاذ الدكتور "بكري الشيخ أمين" أحد الذين عاصروا وصادقوا الملحن "بكري الكردي":

كان ـ رحمه الله ـ يعيش عيشة الكفاف حيث كان يعمل مؤذنا للجامع الكبير في مدينة "حلب" ويعتمد في معيشته على الراتب الذي كان يأتيه من هذا العمل، كما كان يقوم بعدد من الأمسيات وتلحين عدد من الأغاني إنما بأجور رمزية قليلة جدا

«كان ـ رحمه الله ـ يعيش عيشة الكفاف حيث كان يعمل مؤذنا للجامع الكبير في مدينة "حلب" ويعتمد في معيشته على الراتب الذي كان يأتيه من هذا العمل، كما كان يقوم بعدد من الأمسيات وتلحين عدد من الأغاني إنما بأجور رمزية قليلة جدا»

الأستاذ الشيخ "محمد مسعود خياطة".

ويضيف بأنه كان صاحب كلمة ووعد حيث يروي قصة حدثت عن هذا ويقول:

«في مرة من المرات، تم الاتفاق مع السيد "بكري" على إحياء حفلة. وبعد أن جاء وأحيا الحفلة والناس تتمايل في طرب وفرح بالصوت والألحان، طلب منه الناس الاستزادة بعد أن أنهى ما كان مقررا أن يؤديه بموجب الاتفاق المسبق. فكان رده أنه لا يستطيع هذه المرة! وعندما سئل عن السبب كان الرد بأن ابنه كان قد توفي عصر نفس اليوم إلا أنه أبى إلا وأن يأتي ويلتزم بما وعد وفي الوقت نفسه الذي دعاهم فيه إلى سرادق العزاء التي كانت ستقام لابنه في اليوم التالي!».

من الحضور

دور "القلب مال للجمال"، موشح "أقبل الصبح يغني"، مقطوعة "ابعت لي جواب وطمني"، وموشح "أقبل الصبح يغني" هي كلها من تلحين هذا الملحن الكبير والتي أدتها "الفرقة التراثية الحلبية" أو "فرقة الوفاء" كما بدأ يدعونها أهل "حلب" تعبيرا عن امتنانهم للدور الذي تلعبه في الحفاظ على التراث؛ يقول السيد "محمد مسعود خياطة" المشرف على الفرقة:

«تأسست الفرقة بمناسبة "احتفالية حلب عصمة للثقافة الإسلامية" في العام /2006/ وذلك بمساعي حميدة من محافظ مدينة "حلب" السابق الدكتور "تامر الحجة" وزير الإدارة المحلية حاليا بهدف تمثيل التاريخ العريق لمدينة "حلب"، وحفظ تاريخها الكبير من الضياع. والسبب الآخر الذي دعا إلى تأسيس هذه الفرقة هو تقديم التراث الحلبي بأبهى صورة للجمهور في مدينة "حلب" وحتى خارجها».

ويتابع بأن عدد الأفراد ما بين مؤسسين ومواهب شابة جديدة وصل إلى قرابة الثلاثين منشدا حيث الهدف الأساسي هو إغناء الفرقة بالأصوات مع التركيز على الأداء الجماعي للفرقة؛ ويضيف قائلا:

«قدمت الفرقة الكثير من الأمسيات الهدف منها تكريم عمالقة الغناء الذين قدموا لمدينة "حلب" الكثير. أما على صعيد المشاركات الخارجية فكان لنا مشاركة في مدينة "أصفهان" في "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" ضمن فعاليات اختيار مدينة "أصفهان" عاصمة للثقافة الإسلامية حيث وجهت لنا وزارة الثقافة الإيرانية الدعوة التي لبيناها لهم. وكان للفرقة وما تزال العديد من المشاركات ضمن مدينة "حلب"، ونسعى ونأمل في المرحلة المستقبلية أن نقدم الفن ضمن المحافظات السورية الأخرى».

وقد استقطب الحفل العديد من كبار السن الذين اعتادوا الاستماع إلى مثل هذه الموشحات إضافة غلى جيل الشباب والذين منهم الشاب "جميل كوسا" والذي يقول عن سبب حضوره:

«كان السبب الأساسي لحضوري الحفلة هو أنها المرة الأولى التي أحضر فيها مثل هذه الحفلات المتعلقة بموضوع التراث الحلبي، وفي الوقت نفسه معرفة المزيد عن الملحن "بكري كردي" كونها المرة الأولى التي أسمع فيها به. الأمر الآخر الذي شجعني هو أن الدعوة كانت عامة والحضور مجاني وأخيرا هو الرغبة في قضاء الوقت في نشاط مفيد في فترة الصيف التي نعاني فيها من قلة النشاطات الفنية الموجودة في "حلب"».

ويتابع بأن الألحان والأمسية والفرقة بشكل عام كانت جد مميزة إلا أنه يعتب في الوقت نفسه على الهندسة الصوتية التي "شوهت" الكثير من متعة الأمسية حيث يقول عن هذا الموضوع:

«كانت الفرقة مميزة، إنما الهندسة الصوتية كانت سيئة حيث كان الصوت مرتفعا للغاية وغير واضح مما أفسد علينا متعة الاستماع. كانت الأغاني التي قدمت كموسيقى وإيقاع جميلة للغاية، ولكن كنت أتمنى في الوقت نفسه لو استطعت أن أسمع المعاني بوضوح أكبر».

شدت هذه الأمسية العديد من الشباب والرجال من مجتمع مدينة "حلب" إلى تراثهم الذين هم أحق الناس بالتعرف عليه وصيانته والحفاظ عليه وذلك في أمسية كانت مميزة وجميلة بكل المقاييس...