بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل الموسيقار السوري العالمي "ضياء السكري" أقامت مديرية الثقافة بحلب بتاريخ 19/1/2011 أمسية موسيقية شارك فيها كل من عازف الكمان السوري المغترب في ألمانيا "أشرف كاتب" وعازف البيانو الأوزباكستاني "أولوغبيك بالفانوف" وعازفة البيانو السيدة "نهلة دويدري".

موقع eAleppo حضر الأمسية وهناك أجرى لقاء مع الأستاذ "غالب البرهودي" مدير الثقافة بحلب والذي تحدث عن هذه الأمسية بالقول: «فكرة إقامة هذه الأمسية هي ليست جديدة على مديرية الثقافة بحلب لأنها وكعادتها تحتفي بأعلام الثقافة والفن والفكر سواء الأحياء منهم أو المتوفون الذين أسهموا وأنجزوا إبداعات ثقافية وفنية مهمة، ففي نهاية العام 2010 احتفلنا برحيل الموسيقار العربي السوري "فريد الأطرش" واليوم نقيم هذه الاحتفالية بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل الموسيقار السوري العالمي "ضياء السكري" الذي قدم للموسيقا العربية والعالمية الكثير وهو أوائل الذين درسوا الموسيقى وتخصصوا فيها وخاصة في مجال يصعب على الآخرين التخصص به وهو التأليف الموسيقي».

توجد حالياً مبادرة مع المخرج الكبير الأستاذ "محمد ملص" لإنتاج فيلم عن حياة الموسيقار الراحل "ضياء السكري" ونحن نحاول حالياً أن نقوم بجمع كل المعلومات والصور وأفلام الفيديو الموجودة ليكون الفيلم احترافياً يؤرخ تاريخ هذا الموسيقي العظيم

وحول خطة المديرية بإقامة حفلات تكريم دورية للمبدعين من أبناء "حلب" في شتى المجالات قال: «إذا اطلعت على برامج المديرية الشهرية فإنه يكاد لا يخلو من تكريم لأحد الأدباء أو المفكرين أو المبدعين في شتى المجالات لأننا نعتبر التكريم قيمة مهمة جداً نسير نحوها ونعمل عليها، ومن هذا المنطلق جرى التنسيق مع الأستاذ "أشرف كاتب" الموسيقي السوري المعروف عالمياً وأيضاً الموسيقي الأوزباكستاني "أولوغبيك بالفانوف" والسيدة "نهلة دويدري" ليشاركوا في إحياء هذه الأمسية الموسيقية المتميزة بحضورها والمقطوعات الموسيقية التي كان قد ألفها الراحل "ضياء السكري".

الموسيقي السوري أشرف كاتب

من خلال الأمسية يتم عزف مجموعة كبيرة من المقطوعات التي ألفها "ضياء السكري" من المشاركين وبالتالي يظهر في الأمسية بأن الراحل "ضياء السكري" كان له مساهمات كبيرة في مسألة التأليف الموسيقي على المستوى العالمي /كمقطوعات عالمية/ أو إعادة تأليف بعض المقطوعات الموسيقية العربية بحيث تتماشى مع الموسيقا العالمية وذلك من خلال إعادة تدوين الأغاني المعروفة من تراثنا العربي».

وختم: «ولد "ضياء السكري" في مدينة "حلب" في العام 1938 وكان من أوائل السوريين ممن درسوا الموسيقا والتخصص في التأليف الموسيقي وقد حقق نجاحات وإنجازات كبيرة على المستوى العالمي فكان خير مرآة تعكس صورة الموسيقا العربية وعلماً من أعلام سورية الخفاقة في العالم وخير سفير لبلده في العالم».

المهندس حلمي السكري

خلال الأمسية تم عرض فيلم قصير حول المرحوم "ضياء السكري" قال عنه الموسيقي السوري "أشرف كاتب": «الفيلم هو عبارة عن لقاء أجريته مع الأستاذ "ضياء السكري" في بداية عملنا لإنتاج سيدي وبما أن الراحل كان يعرف بأنه مريض لم يستطع الحضور إلى برلين، ولذلك وفي كل مرة كنت أرسل له القطع الموسيقية التي نقوم بتسجيلها لكي يسمعها ويبدي رأيها فيها، بالصدفة كنت أسجل حديثه عن طريق الانترنت ولم يخطر ببالي أبداً بأن هذا الحديث سيكون وثيقة هامة جداً لأنها الوحيدة التي يؤرخ فيها الأستاذ "ضياء" لحياته، لقد أجريت المقابلة في شهر أكتوبر من العام 2010 وتتضمن كلمة يوجهها إلى جمهور مدينة "حلب" الشهباء بمناسبة إطلاق الألبوم».

وأخيراً قال الأستاذ "أشرف": «توجد حالياً مبادرة مع المخرج الكبير الأستاذ "محمد ملص" لإنتاج فيلم عن حياة الموسيقار الراحل "ضياء السكري" ونحن نحاول حالياً أن نقوم بجمع كل المعلومات والصور وأفلام الفيديو الموجودة ليكون الفيلم احترافياً يؤرخ تاريخ هذا الموسيقي العظيم».

جانب من الحضور

المهندس "حلمي السكري" /شقيق المرحوم "ضياء السكري"/ قال حول شخصية الموسيقي الراحل: «لقد اجتمعت الصدفة والقدر في حياة "ضياء" لرسم طريق لا رجعة فيه فكان تلميذاً مع أخيه "نجمي" منذ السادسة من العمر لأستاذ الكمان الروسي "ميشيل بوريزينكو" الذي حط رحاله في "حلب" إثر أحداث الثورة الروسية في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، لقد كان للعمل الجاد والتمارين اليومية مع والدنا أثر في صقل الموهبة فكانت الطفولة قصيرة نسبة إلى تدريب طويل يأخذ جانباً مهماً من الليل وهكذا عزف الشقيقان من خلال زمن قصير مؤلفات وتمارين لكبار الموسيقيين ولأصعب الأعمال استمع إليها كل من عاصر وحضر حفلات عام 1948 و1950 في "حلب".

وباقتراح من الأستاذ "بوريزينكو" تم إيفاد الطفلين في العام 1951 إلى فرنسا بمرسوم استثنائي لإكمال تعليمهما في المعهد الوطني العالي للموسيقا في باريس وعاشا هناك في بداية وصولهما في رعاية صديق لوالدنا هو الدكتور "خير الدين مسكون" الذي كان يحضّر آنذاك شهادة الدكتوراه وبعدها سُجلا في مدرسة داخلية.

الحياة في باريس لم تكن سهلة في ذلك الزمان بعيداً عن الأهل في مجتمع مغاير عن مجتمع "حلب" من حيث البيئة والعادات والطقس ولكن وجود أصدقاء لوالدنا في باريس أمثال الدكتور "علي أسعد خانجي" والمرحوم "ثابت العريس" و"فريد السكري" حقق بعض التعويض عن البعد والفراق.

اتجه "ضياء" إلى التأليف الموسيقا وقيادة الأوركسترا ودرس جميع العلوم الموسيقية المتعلقة بهذه الدراسة مع كبار أساتذة ذلك الزمان ونال الدرجات والجوائز الأولى في دراسة فنون الكتابة الموسيقية، وفي العام 1968 عاد "ضياء" إلى سورية بعد إتمام دراسته أملاً بالكثير إنما تلتها عودة سريعة لفرنسة في العام 1970 حيث كانت العقبات أكثر من الطموحات.

كان "ضياء" متواضعاً خجولاً لم يبخل بعلمه على من قصده وسأله ونال بذلك احترام ومحبة كل الذين عرفوه في المهنة من أساتذة وطلاب وخارج المهنة من أصدقاء وجوار، في فرنسة عمل "ضياء" ناشطاً في تدريس العلوم الموسيقية في معاهد باريس واهتم بتبسيط المعارف والقواعد ليسهل فهمها وتلقيها من قبل الطلاب وألف لها الكتب التي طبعت وتدرس الآن في الكثير من المعاهد كما بسّط كتب الهارموني المعقدة لتكون سهلة الفهم والتطبيق وجمعها في كتاب يدرّس أيضاً في المعاهد الفرنسية كما قام بتعريب هذا الكتاب ليكون مخصصاً لطلاب بلدنا العزيز وقد سلم مخطوطه إلى وزارة الثقافة من أجل طباعته.

قلدته السلطات المسؤولة عن الثقافة الموسيقية في باريس ومعاهدها أوسمة متعددة تقديراً منها لانجازاته في حقلي التعليم والتعليم الموسيقي، وهو في فرنسا لم ينسى بلده ففي نهاية التسعينيات من القرن الماضي خصص جزء من زيارته لسورية للقيام برحلات إلى أوابدنا الأثرية من قلاع وقصور ومدن قديمة وكان شدة التعلق والإعجاب بها ذات أثر كبير على مؤلفاته التي حملت أسماء تعبر عن هذا التاريخ الجميل فنتعرف على شرقيتها بدء من أول نوتة موسيقية.

وقد عبر أحد أصدقائه في تدريس مادة الهارموني عن ذلك بالقول: لقد عرفت الشرق من خلال موسيقاك وكنا نتطلع دائماً لنسمع منك المزيد عن هذا الشرق الساحر.

كان "ضياء" مثالاً لإنسان عرف النظام في حياته فقد كان دقيق المواعيد ومنظماً في عمله حيث كان يقوم بعمل جدول يومي كي لا ينسى مواعيده مما زاده حباً واحتراماً من الجميع، وكان قدره أن يموت في الغربة بتاريخ 3 كانون الأول 2010 إثر مرض أليم حيث دفن في فرنسا بإصرار من زوجته وأصدقائه ليكون قريباً منهم وقد قال عبر أحد أصدقائه في كلمة له في الوداع الأخير: احجز لي يا أخي مكاناً بقربك حتى يتسنى لنا قريباً من إكمال أحاديثنا التي كنا نتشوق لها أيام غداء الثلاثاء».