في إطار مساهمته الفاعلة في تنشيط الحركة الثقافية في مدينة "حلب" تستضيف "دار كلمات" للفنون والنشر معرض الفنان التشكيلي السوري "عدنان عبد الرحمن"، والذي يستمر حتى 15 من الشهر الجاري حيث يعرض فيه خمسة عشر عملاً فنياً تمثل جزءاً مهماً من تجربته الفنية الغنية والتي ترصد البيئة التي عاش فيها قسماً كبيراً من طفولته وهي الجزيرة السورية.

حول المعرض والتجربة التشكيلية للفنان "عدنان عبد الرحمن" يتحدث الفنان التشكيلي "محمود الساجر" بالقول: «يقدم لنا الفنان "عدنان عبد الرحمن" تجربة تشكيلية مسكونة بروحه القلقة وهواجسه الصاعدة وأعماله المنفتحة على سقف عال من التجريب المكثف وعلى تأثيرية التعامل مع الألوان والأشكال التي تمنحه خصوصية وتفرد وأهمية.

الفنان "عدنان عبد الرحمن" ينتمي برأيي إلى جيل ما بين الكبار والشباب ولكنه على مقربة كبيرة من جيل الكبار في الفن التشكيلي السوري

إنه لا يتجه إلى التبسيط والسهولة بقدر ما يذهب إلى مغامرة أسلوبية وإلى تحدٍ في مشهده التشكيلي من خلال التكثيف البارز للمساحة واستخدام عجينة لونية شديدة التركيب والحساسية والقوة في الحفاظ على التوازن بين تعبيرية الوجوه الحاضرة والغائبة ملامحها أحياناً وبين العمل بجهد متواصل في بناء سطوح لونية فيها الكثير من النميمة والإيقاعات والمفردات المتداخلة وأجزاء المساحات اللونية التجريدية التي يمكن أن تكون مكتملة وتشكل بالتالي تأليفاً بصرياً مستقلاً لكنه متمم لما عداه».

الأستاذ عدنان الأحمد -مدير دار كلمات

ويضيف "الساجر": «الفنان "عدنان عبد الرحمن" يدور عجلة الزمن بسرعة في أعماله ليتمكن من نقل رؤاه وحقائقه التي يفترض قدومها مع البريق الحي في اللون والذي قد يظهر كبروق أحياناً وسط هذه القتامة الكارثية التي نعيشها.

نلاحظ اهتمام الفنان بتعبيرية الأشخاص والوجوه واهتمامه بمساحات اللوحة الأخرى أي بتلك التي يعمل على إغنائها بحالات لونية وجدانية وإيحاءات حسية وإيقاعات موسيقية متميزة بل إنه يعمل على مقابلة صمت الوجوه والسكون مع تلك الحركة المعنفة في معالجة مساحة صغيرة من مساحات اللوحة إلى مساحات ضاجة بحركية تغني كل مساحة صغيرة من مساحات اللوحة، كما يعمل أساساً على إغناء مساحات اللوحة بالمزيد من الإيقاعات اللونية عالية الحساسية والمفردات التعبيرية السابحة في فضاءات اللوحة والتي تأخذه إلى تركيب سماكات لونية صعبة تمنحنا إشباعاً بصرياً لا حدود له وتعكس مقدرة الفنان وجرأته بل شجاعته التجريبية وتجواله الحر بين شتى المواد والتقنيات والأنواع والأجناس وهذا ما حصّن تجربته من التكرار والأسلبة والتنميط، إنّ لوحته لم تصنع بالمصادفة قط إنما البحث الذهني العارف والتأمل العميق هو وراءها.

من أعمال الفنان عدنان عبد الرحمن

إنّ أول ما يلفت انتباهنا في المعرض هو خياره التشكيلي الذي أراد به أن يكون ممثلاً لذلك التيار الحداثوي /التعبيرية التجريدية التشخيصية/ والتجريد الغنائي اللوني».

ويختم: «اختار فناننا أن يكون منتمياً إلى ذلك الجيل الذي يبحث عن لوحة جديدة ويحاول الابتعاد عن تيارات أصبحت مستهلكة وباردة، فتأتي تجربته لتهز فينا هذا السكون الطويل والقاتل وتحرك تلك المياه الراكدة في حياتنا التشكيلية والإنسانية منذ زمن طويل».

الفنان عدنان عبد الرحمن

ويتحدث الأستاذ "عدنان الأحمد" مدير "دار كلمات" للفنون والنشر حول تجربة الفنان "عدنان عبد الرحمن" بالقول: «هو من أهم الفنانين التشكيليين في القطر، له العديد من المعارض داخل سورية وخارجها وكان آخرها في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق وفي صالة المرخية في دولة قطر وكان لهما حضور جيد واهتمام كبير من قبل المتلقي البصري والمشهد التشكيلي السوري والعربي وحتى الأجنبي لأنّ تجربة فناننا هي تجربة غنية ومهمة.

الفن عنده هو عبارة عن تجريد دائم ومستمر على سطوح اللوحات التي تفوح منها رائحة منطقته /"الدرباسية"/، وتفوح منها رائحة التبن والطين والتراب، وهو ينتمي إلى المدرسة التعبيرية التجريدية التشخيصية وفي نفس الوقت يعمل بشكل كبير على سطوح اللوحات وهذه هي ميزة التعبيرية السورية».

وأخيراً يقول مدير "دار كلمات" بالقول: «الفنان "عدنان عبد الرحمن" ينتمي برأيي إلى جيل ما بين الكبار والشباب ولكنه على مقربة كبيرة من جيل الكبار في الفن التشكيلي السوري».

وأخيراً تحدث الفنان "عدنان عبد الرحمن" حول تجربته التشكيلية قائلاً: «تجربتي الفنية تمثل أربعين عاماً من حياتي، وبخاصة مرحلة طفولتي التي قضيتها في ربوع الجزيرة وهي المرحلة التي ما زالت مترسخة في ذاكرتي والتي أعمل على نقلها إلى اللوحات بأسلوب تعبيري تجريدي وبلمسات واقعية، وأدعو الآخرين من خلالها أن يشاركونني في أن يكتشفوا عوالمي وحكاياتي عبر مفرداتي التشكيلية الخاصة، علماً أن البيئة التي أرسمها في أعمالي وبالرغم من خصوصيتها بالنسبة لشخصي إلا أنها تصلح لأي زمان ومكان وذلك من خلال الموضوعات المُعالجة فمثلاً لوحتي /العروس التي تنتظر/ هي مستوحاة من البيئة التي عشت فيها ولكنها بنفس الوقت تتضمن فكرة اجتماعية سائدة هي فكرة التخلف، والتخلف مرض أي اجتماعي لا مكان له ولا زمان.

في الحلول التشكيلية التي أطرحها في لوحاتي أحاول أن أوفق بين الطبيعة كمجموعة من المفردات كالإنسان والحيوان والأشجار والبيئة وغيرها وعلاقتها فيما بينها، كما أسعى من خلالها إلى خلق حوار بصري للمتلقي وذلك بدعوته للسفر معي في رحلة طويلة إلى عوالمي الخاصة واكتشافها، ولكي يكون دخول المتلقي إلى أعماق لوحاتي واكتشافها أمراً يسيراً ولكي تكون عملية اكتشاف أعمالي بمتناول الجميع حتى الإنسان العادي فإني أقوم بعنونتها كنوع من الشرح المبسط رغم الانتقاد الذي لقيته من الكثير من الفنانين التشكيليين».

وأضاف متحدثاً عن سبب اختياره للوحات أحجامها كبيرة ليرسم عليها بالقول: «أنا أحب الأحجام الكبيرة للوحات الفنية وهي بطبيعة الحال انعكاس للطبيعة البيئة التي عشت فيها، ففي المنطقة التي عشت فيها /منطقة الجزيرة/ والتي لها كبير حضور في تجربتي الفنية لا يمكن أن نميز بين فيها الأرض والسماء بسبب كبرها ووسعتها ولتلك البيئة الواسعة دور في هذا اختيار اللوحات الكبيرة».

وحول سر بروز ألوان /الأحمر والأسود والأبيض/ في أعماله قال: «هذه الألوان الثلاثة -حتى كيميائياً- كحلول تشكيلية يجب أن تكون موجودة في العمل الفني بشكل مستمر، بسبب أن اللونين الأسود والأبيض هي ألوان حيادية وليست أساسية أما اللون الأحمر /الحار/ هو لون معروف بهيجانه ووجوده مع اللونين /الأبيض والأسود/ يحد من توتره وهيجانه، وجود هذه الألوان في أعمالي هي حلول تشكيلية أكثر من أن تكون تعبير عن حالة معينة».

يُذكر أنّ الفنان "عدنان عبد الرحمن" هو من مواليد "الحسكة" في العام 1969 وهو خريج كلية الفنون الجميلة -قسم التصوير الزيتي بدمشق 1998 عمل مدرساً للرسم والتصوير الزيتي في المركز الثقافي الروسي بدمشق بين 2000 -2007 وهو مدرس رسم وتصوير زيتي في نادي شل الثقافي بدمشق منذ العام 2000 وحتى اليوم.