يعيش أبناء "حلب" أيام شهر رمضان المبارك بألوان من العبادات والطقوس والعادات، وبأطياف متنوعة يجمعها تراث "الشهباء" العتيق بحجارتها ومياهها ولباس أبنائها، وتكاد لا تخلو كلّ ليلة أو سهرة أو (جمعة) من طرب حلب الذي مشى في عروق سكانها قرونا طويلة، وان كانت أيامنا هذه تتميز بطابع جميل وهو إقامة هذه الحفلات في المراكز الثقافية وضمن ساحاتها التي تعج بعبق التراث والقدم ...

eAleppo حض إحدى هذه الحفلات وجلست بين الناس ليقضي لحظات جميلة على أنغام القدود

كنّا في سهرة عند أحد الأصدقاء عندما جاءنا الخبر عن إقامة هذه الحفلة، فشجعتنا الفكرة وقدمنا إلى هنا، وطبعا خلال رمضان نحن دائما نحضر مثل هذه الحفلات، فمنذ يومين حضرنا حفلة في "قلعة حلب" وكانت تحمل نفس هذه الأجواء الرائعة

الأصيلة ولنستنشق سويا رائحة حجارة حلب القديمة وننقل لكم أجواء سهرات رمضان من هنا، من المركز الثقافي في "باب الفرج" وعلى أنغام صوت الفنان "عمر سرميني"..

"جهاد عز الدين" وعائلته

منذ لحظة دخولنا استقبلنا رجل وقف عند الباب ليوزع حبات التمر على الحضور وهو "سمير طه" حيث تحدث عن دوره في هذه الحفلة: «وظيفتي هنا استقبال الحضور الذين يريدون حضور هذه الحفلة، والناس يتفاعلون معي بشكل جميل، وخصوصا عندما أقدم لهم هذا الطبق الذي تعلوه حبات التمر المصطفة بشكل جميل فيدخلوا هذه الأجواء الرمضانية، وطبعا التمر فاكهة مباركة ومطلوب أكلها خاصة في رمضان».

وأكثر الأشياء الايجابية التي تعكسها إقامة هذه الحفلات هي (لمة العائلة) والتي شاهدناها بشكل ملحوظ في هذه الحفلة، ومن هذه العائلات التقينا "جهاد عز الدين" مع زوجته وحماه وابنته: «اليوم وبعد يوم رمضاني متعب تصبح هذه الحفلات ضرورية حتى يرفّه الشخص عن نفسه، وأنا من الناس الذين يحضرون بشكل مستمر هذه الحفلات، وخصوصا عندما تقام في مكان تراثي قديم، على عكس الصالات المغلقة التي نفتقد فيها هذا الهواء النظيف».

بائع السوس مع زيه التراثي

أما زوجة "جهاد" السيدة "هيفاء أرسلان": «مدينة "حلب" معروفة بطربها وأصالتها، ونحن في رمضان معتادون على هذه الأجواء المحلية، بالإضافة إلى أننا نمتلك فنانين جيدين والأستاذ "عمر سرميني" هو من نجوم "حلب" المعروفين، وكل هذه الأمور مجتمعة تكتمل عندما تجتمع العائلة لتقضي سهرة رمضانية حلبية بامتياز».

ومن الأجواء العائلية إلى الشبابية حيث لم يقتصر الحضور على العائلات بل امتد لنرى شبابا يتمايلون على صوت "السرميني" وكان منهم "عمار حسين" والذي يبلغ من العمر 23عاما وهو طالب في كلية "العلوم" قسم "الرياضيات" حيث قال عن الحفلة: «اخبرنا عن طريق صديق لي وأتينا إلى هنا لأنّ نهار رمضان الجميل يحتاج إلى حفلة من هذا النوع تضيف بهوائها النظيف وجوها الرائع جمالا أكبر على أجواء رمضان، وشعب "حلب" دائما يحب صفاء النفس والذي لا تقدّمه إلا مثل هذه الحفلات، أضف على ذلك أنه من الضروري أن نتواصل نحن الشباب -وخاصة في هذا العصر- مع هذه الأماكن الجميلة ومع هذه الأصوات الرائعة، وطبعا مع هذا المركز بالذات أنا ورفاقي دائما نأتي إليه للجلوس في قاعة المطالعة، ولكن اليوم نتواصل معه بشكل مختلف، نتواصل مع هذه الساحة القديمة ومع هذا الصوت الحلبي الأصيل، ونحن نطلب من الجهات والنوادي والجمعيات المعنية إقامة معارض فنية لنصنع تواصلا من نوع آخر».

"غسان مكانسي" بين الحضور

أمّا "شادي بصمه جي" خريج كلية "الاقتصاد" وهو صديق "عمار" فيقول: «كنّا في سهرة عند أحد الأصدقاء عندما جاءنا الخبر عن إقامة هذه الحفلة، فشجعتنا الفكرة وقدمنا إلى هنا، وطبعا خلال رمضان نحن دائما نحضر مثل هذه الحفلات، فمنذ يومين حضرنا حفلة في "قلعة حلب" وكانت تحمل نفس هذه الأجواء الرائعة».

وأثناء تجوالنا بين الناس تفاجأنا –وماأجمل هكذا مفاجآت في صيف رمضان- بكأس من (السوس) قدمها لنا رجل يرتدي زيا قديما ويضع على رأسه (طربوشا) «نستقبل ضيوفنا الكرام ونقدم لهم كأسا من السوس، والناس مرتاحون و(مبسوطون)، أنا ألحظ ذلك عندما أقدم للناس كأسا من السوس في يوم حار كهذا وفي جو تراثي جميل ومع صوت الأستاذ "عمر"، والسوس كما يعلم الجميع هو المشروب الأكثر رواجا في رمضان ولذلك قررنا أن لا يفارق الناس في هذه الليلة».

وبالعودة إلى الجهة المنظمة للاحتفال وهو "نادي شباب العروبة" حيث التقينا الفنان "غسان مكانسي" وهو عضو مجلس إدارة النادي والذي حدثنا عن حفلة اليوم: «هناك سهرات مستمرة في رمضان وغير رمضان حيث نقيم كل يوم اثنين لقاء أو أمسية شعرية أو محاضرة أو سهرة فنية يحضرها نجوم "حلب" أو شباب صاعد سيكون في يوم ما من نجومها، وكلّ ذلك حتى نأتي بالكبير والصغير لنريهم تراثنا الحجري كهذا البناء القديم ونسمعهم مواويلنا وأغنياتنا ونقدم لهم التمر هذه الفاكهة التي بارك الله بها، وكأس السوس مع رجل يرتدي لباسنا التقليدي القديم».

وعن السبب الذي دفع "مكانسي" ليتواصل مع الناس عن طريق تراثهم: «عندما أتواصل مع الناس عن طريق تراثهم، فأنا أسلك الطريق الأقرب إلى قلوب الناس، لأنّه لايوجد إنسان في بلدنا لايحب تراثه ويبحث عنه، إضافة إلى ذلك فرسالة النادي هي تعريف الناس بثقافتهم الموسيقية والفنية، وخاصة أنّنا نعيش عصر تلوث سمعي وبصري لذلك نحن نعمل على إعادة الصفاء والنقاء والأصالة وهذا البيت يعيد الراحة إلى عيون وآذان وقلوب الناس عندما تنظر إلى حجارة هذا البيت وتستمع إلى صوت القانون والعود وتعيش حالة تراثية خاصة، ومن يقول بأن اليوم هو يوم الأغنية الشبابية فلينظر إلى حضورنا في هذه الليلة، معظم الموجودين هم من الشباب، الذين قدموا ليسمعوا لغة الروح، هذه اللغة التي لايوقفها عمر محدد، بالإضافة إلى أنّ روحنا تحتاج إلى تطهير سمعنا، وتطهير سمعنا لا يكون إلا بالعودة إلى تراثنا وحضارتنا».