استطاعت "منى صابوني" تحويل كل الأزمات التي صادفتها بحياتها إلى محطات نجاح، بداية من "لقمة طيبة"، حتى الحصار الذي حثّها على البحث عن بدائل للمواد المفقودة، وأخيراً وليس آخراً إبداعاتها في صنع "الكاتو" والرسم عليه.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع "منى" المقيمة في "حلب" بتاريخ 19 نيسان 2016، عبر الشبكة العنكبوتية، وعن الظروف التي دفعتها نحو الإنجاز، قالت: «حين تزوجت كنت أدرس في المعهد الهندسي، قسم الرسم الهندسي، لكن لم أكن أشعر بأنه سيضيف إليّ شيئاً، ولم يكن لدي الحافز لإكماله. وبعد سنتين توفي والدي، فكان هذا الحدث أحد أهم منعطفات حياتي، وجعلني أغيّر طريقة تفكيري، وقرّرت أن أعود إلى الدراسة في قسم اللغة الإنكليزية، جامعة "حلب"، واكتشفت أن بداخلي قوة وصبراً لم أكن أتخيل أنهما من صفاتي، وأظن أن هذه المرحلة كانت ولادتي.

تولد هذه القوالب من مطبخ منزلي، وقالب "الكاتو" الذي أصنعه يكون مخصصاً لصاحبه فقط، مناسب لهواياته أو مناسبته أو شخصيته، فهو يختار الفكرة، وأنا أحوّلها إلى رسم على القالب يعبر عن الفكرة

البداية الحقيقية لي عملياً كانت في سنة 2007، حين أصيب ابني بوعكة صحية اضطرتني للبقاء معه في المنزل مدة ستة أشهر وإيقاف كل نشاطاتي، الفراغ الذي ملأ وقتي جعلني أفكر بإنشاء موقع إلكتروني أقوم من خلاله بما أحب، مثل: الطبخ، والكتابة، والتصوير. وفي أيار من العام نفسه أطلقت مدونة "لقمة طيبة"، التي تعدّ من أوائل المدونات العربية الشخصية الخاصة بالطبخ على مستوى العالم العربي.

موقع لقمة طيبة

بالتأكيد هناك الكثير من مواقع الطبخ، لكنني خلقت شخصية مستقلة لوصفاتي، وكل وصفة أكتب قصتها أو تاريخها، أو موقفاً حدث معي أثناء تحضيرها، ولذلك يشعر الكثيرون من زوار الصفحة بأنهم في منزلهم، وأعدّ الموقع هو سبب انتشاري الأول، وكل شيء تلاه كان بسببه».

وعن صنع قوالب "الكاتو" التي تميّزت بصنعها في المدة الأخيرة، تقول: «تولد هذه القوالب من مطبخ منزلي، وقالب "الكاتو" الذي أصنعه يكون مخصصاً لصاحبه فقط، مناسب لهواياته أو مناسبته أو شخصيته، فهو يختار الفكرة، وأنا أحوّلها إلى رسم على القالب يعبر عن الفكرة».

"كاتو" فنجان القهوة

وعن فترة الحصار الذي أصاب مدينة "حلب" خلال الأزمة التي نمر بها، الذي أدى إلى فقدان الكثير من المواد الغذائية، قالت: «كان واقعاً مفروضاً علينا، حينئذ لم يبقَ في البلد مواد غذائية؛ وهو ما اضطرني إلى البحث عن بدائل، وبعض الوصفات التي ابتكرتها في الحصار أصبحت جزءاً من أكلات كل يوم، مثلاً أثناء الحصار طبخت أكثر من نوع "كبة" مما هو متوفر، في إحدى المرات لم تتوفر "الهبرة" فاستبدلتها بالطحين، والحشوة من الخضراوات أو السبانخ أو البطاطا أو الحمّص المسلوق لعدم توفر اللحمة والجوز والصنوبر، وطبخت معكرونة بالأعشاب المتوفرة في شرفتي، وأضفت إليها قطع الباذنجان كتمويه بصري بدل اللحمة، وكذلك فطائر محشوة بالبطاطا، وعدة وصفات للبرغل، كنت أضيف حسب ما هو متوفر لدي في خزانة المطبخ، وتختلف الطبخات حسب المواد التي يندر توفرها بين الحين والآخر.

ومع أنها كانت تجربة صعبة؛ إلا أنها أضافت إليّ الكثير، والحصار بطريقة أو بأخرى أجبرنا على الإبداع، والسيدات الكبيرات بالسنّ بدأن تذكر وصفات لم نكن نعرفها.

إحسان صغير

باختصار، الحصار علّمني أنه دائماً يوجد حلّ، حتى لو لم يكن ظاهراً يجب أن أبحث عنه، وعلّمني أنني بأقل المقادير أستطيع صنع شيء لذيذ».

وعن داعميها والصعوبات التي واجهتها، تضيف: «الكثيرون من الأشخاص القريبين مني كانوا داعمين لي كلّ حسب مقدرته. وأنا لا أحب أن أسميها صعوبات؛ بل هي تحديات تواجهني لأتعلم منها وأطوّر أسلوبي، كوضع الكهرباء والماء السيء في "حلب"، وبسبب موعد الأمبير لا أستطيع البدء بعملي حتى الواحدة ظهراً، والفقدان المفاجئ لبعض المواد في الأسواق، وأغلب المواد التي أستخدمها لتحضير ديكورات "الكاتو" غير متوفرة بـ"حلب"؛ فكنت أضطر لطلبها من خارج البلد.

عن أحلامها وما تطمح إلى تحقيقه مستقبلاً، تقول: «أركّز حالياً كل اهتمامي على تطوير نفسي بمجال قوالب "الكاتو"، وأحلم أن أوثّق وصفات المطبخ الحلبي بكتاب يحكي عنها كما علمتنا جداتنا، وأتمنى أن أنشئ مكاناً جميلاً يضم مكتبة وطعاماً لذيذ، مكاناً حميمياً يشعر به الضيف وكأنه في بيته».

"إحسان صغير"، أحد زبائن "منى" ومدير فرع "بريد المغتربين" بـ"حلب"، يقول: «اخترت "منى" لكثرة ما سمعت عنها، وأحببت أن أجرّب منتجاتها، وكانت النتيجة رائعة شكلاً ومذاقاً، وهي شخص ودود، تتعامل مع الزبون بتواضع؛ وهذا يشعره بالراحة.

وباعتباري واسطة بين الزبائن و"منى" فتواصلي معها دائم، وكثيراً ما تتلقى طلبات لصناعة أصناف مختلفة من الطعام، أحياناً يطلب الزبون شيئاً محدداً، وأحياناً نعرض الفكرة عليها؛ وتعطينا هي خيارات متعددة ليختار منها الزبون، وبعد انتهاء الطلب نقوم نحن بإيصاله إلى عنوان صاحبه».

يذكر أن "منى صابوني" من مواليد "حلب"، خريجة كلية آداب، قسم اللغة الإنكليزية.