على مدار عام كامل يمارس الحلبيون طقوس مناسبة الوفاة في المدينة وريفها، من خلال مجموعة من التقاليد والعادات والمعتقدات الاجتماعية؛ التي بدأت منذ أقدم الأزمنة ومنها مازال يمارس إلى يومنا هذا.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 شباط 2016، العمة "سهام حمو" من حي "الأشرفية" في "حلب"، وتقول: «تتميز مدينتنا بمجموعة من العادات والتقاليد الخاصة بكل مناسبة اجتماعية سواء في الأعراس والولادات أو الخطبة والوفاة، وغيرها. وهي عادات تمثل بمجملها التراث الشعبي الحلبي.

في صباح عيدي الفطر السعيد والأضحى المبارك يشتري أهل الميت السكاكر والحلويات، ويزورن المقبرة؛ حيث يجتمع الأطفال منذ الصباح الباكر، ويتم توزيع تلك الأكلات عليهم

وبالنسبة لمناسبة الوفاة هناك عدة معتقدات شعبية وتقاليد اجتماعية تبدأ من لحظة وفاة الشخص، وتمتد عاماً كاملاً وأكثر في كثير من الأحيان. ومن أهم هذه التقاليد ما يسمى "طقم الآخرة"؛ ويتألف من طقم لباس كامل غير ملبوس بدءاً من الحذاء وحتى شال الرأس؛ يقوم أهل المتوفى بشرائه ومنحه لأحد فقراء الحارة قبل إخراج الجنازة من منزل الميت؛ وذلك حتى لا يُحشر في الآخرة عارياً بحسب المعتقدات الشعبية.

زيارة القبور صباح العيدين من تقاليد الوفاة

كما يتم وضع بيضة تحت إبط الميت كي لا يستطيع أخذ أي شخص من أهل بيته؛ لأن المتوفى لا يستطيع في هذه الحالة مد يديه خشية سقوط البيضة، هكذا يعتقد الحلبيون».

وتتابع: «يجب عدم المشي فوق الماء الذي يتم غسل المتوفى به، ومن يتجاوز القاعدة سيتعرض للأذى. وفي هذا يعتقدون أن المرأة إذا مرت فوق هذا الماء فسوف تلد مستقبلاً طفلاً له "غطة قلب".

إعداد "السمبوسك" وتوزيعها على الجيران من تقاليد الوفاة

وفي لحظة خروج الجنازة من المنزل تقوم المرأة الحلبية برش قليل من الماء في العتبة؛ لأن ممارسة هذا التقليد تمنع المتوفى من العودة إلى منزله ليلاً وإخافة أهل بيته.

وفي المقبرة التي تسمى "الجبّانة" يقوم أهل المتوفى عادةً بزرع شجرة توت كي يأكل من ثمارها المارون وعابرو السبيل؛ فيكسب بذلك الميت الثواب، ويجلس تحت ظلالها زوار المقبرة في مناسبات دفن الموتى، وتتم زيارة القبور في الأعياد والمناسبات الأخرى؛ مثل: 15 شعبان، ورمضان، وغيرها. ولكيلا يقوم الناس وخاصة الأطفال منهم بقطع الأشجار والشجيرات التي تزين المقبرة يقول لهم الحلبيون إن الشخص إذا سرق زهرة من المقبرة فسوف يتعرض لضيق صدر.

العمة بنفش حمو

كما يعتقدون أن شواهد القبور تسلي الموتى، ولا يشعرون بالتالي بالوحشة والخوف إذا تُرك الميت في المقبرة وعاد أهله إلى البيت».

وتضيف: «من أهم التقاليد المرتبطة بمناسبة الوفاة ما يسمى "الختمية" التي تكون بعد أربعين يوماً من الوفاة، ويتم فيها توزيع أجزاء القرآن الكريم على القراء، وبعد الانتهاء من تلاوته يتم توزيع الحلويات والفاكهة عليهم، وتسمى "الختمية" لأن المناسبة هي ختام طقوس الوفاة.

وأخيراً، هناك "الحمول" ويطلق على الطعام الخاص بالمناسبة، ويقوم بإعداده أقرباء الميت أو أصدقائه ويحملونه إلى بيت المتوفى ليتناوله أهل الميت وضيوفهم».

والتقينا العمة "بنفش حمو" في "عفرين"، وعن تلك العادات تقول: «في "ريف حلب الشمالي" عادات وتقاليد خاصة بمناسبة الوفاة، وهي تقاليد تساهم في ترسيخ روح التعاون والمحبة بين السكان، فبمجرد سماع نبأ وفاة أحد سكان القرية يحمل شبابها أدوات الحفر ويذهبون إلى المقبرة ليتعاونوا معاً بحفر القبر، كما أن قسماً من الشباب يحضرون أدوات غسل المتوفى ويذبحون الذبائح، بينما تتعاون نساء القرية في إعداد الطعام للحضور.

في اليوم الثالث من الوفاة يقوم أهل الميت بتوزيع لباسه على الفقراء وعابري السبيل، وكذلك تتم ممارسة تقليد اجتماعي قديم جداً يسمى "فتح فم المتوفى"؛ حيث يقوم أهل الميت بشراء الحلاوة لتوزيعها على أهل القرية أو الحارة بعد تقسيمها إلى مكعبات ولفها بخبز الصاج.

وفي اليوم السابع الذي يسمى "الأسبوعية" يقيم أهل المتوفى وليمة مؤلفة عادة من لحم الخروف والبرغل والأرز مع مرقة الفاصولياء اليابس أو البطاطا، ومن ثم دعوة الأقارب والجيران إليها.

وبعد مرور أربعين يوماً من وفاة الشخص تتعاون النسوة الجارات مع أهل المتوفى بإعداد أكلة "السمبوسك" وتوزيعها على أهالي القرية والجيران، وتسمى المناسبة أربعينية الميت.

وبعد مرور عام كامل على وفاة الشخص يقوم أهله بذبح خروف وتقسيم لحمه بالتساوي وتمليحه وتوزيعه على الجيران؛ وخاصة الفقراء منهم».

وتختم: «في صباح عيدي الفطر السعيد والأضحى المبارك يشتري أهل الميت السكاكر والحلويات، ويزورن المقبرة؛ حيث يجتمع الأطفال منذ الصباح الباكر، ويتم توزيع تلك الأكلات عليهم».