تتعرض أشجار الجوز في "ريف حلب الشمالي" لهجمات موسمية مركّزة من قبل طيور "حفار الخشب" التي تلحق أضراراً فادحة بالمواسم؛ وهو ما دفع المزارعين إلى مطاردتها بأساليبهم التقليدية الشائعة.

مدونة وطن "eSyria" التقت المزارع والمعمّر "خليل عبدو" 87 عاماً، فقال: «تزرع أشجار الجوز بكثرة في الريف الشمالي لـ"حلب" وخاصة في منطقة "عفرين"؛ حيث التربة الخصبة والمناخ المناسب لنمو هذه الشجرة.

باعتماد هذه الطرائق التقليدية يعمل الفلاحون على مطاردة "حفار الخشب"؛ لحماية محصولهم من أذاه وبنفس الوقت يمتنعون عن اصطياده وقتله ليتكاثر سنوياً فيساعدهم في مكافحة دود الزيتون حيوياً؛ ليكون إنتاجهم من الزيتون والزيت صحياً وخالياً من المواد الكيماوية

حتى فترة الثمانينيات من القرن الماضي -تقريباً- لم تدخل هذه الشجرة في المجال التجاري والاستثماري، إنما كانت محصورة في إطار الاستهلاك المحلي للمزارعين؛ حيث كان الفلاحون يزرعون بضع شجرات منها بين أشجار الزيتون وفي الحواكير المنزلية لاستعمال الثمار واستهلاكها منزلياً.

الأضرار التي تخلفها طيور حفار الخشب في ثمار الجوز

إضافة إلى الثمار كان الناس يستعملون قشور الحبات في تحضير صبغة الشعر الطبيعية التي كانت تمنح الشعر سواداً قاتماً لمدة طويلة لخلوها من المواد الكيماوية التي تساهم في تساقط الشعر».

وأضاف: «بعد فترة الثمانينيات من القرن الماضي بدأ المزارعون يتوسعون في زراعة هذه الشجرة بسبب أهميتها التجارية؛ لأن مواسمها صارت تدر على المزارعين وأسرهم دخولاً موسمية مهمة تعينهم في تأمين متطلبات حياتهم اليومية؛ وبالتالي دخلت الشجرة في طور الاستثمار التجاري ببيع الثمار الفجة لأفخم المطاعم لإعداد مربى الجوز منها، كذلك تسويق الثمار الناضجة؛ حيث وصل سعر الحبة الواحدة في العام الحالي إلى عشر ليرات سورية والكيلوغرام الواحد إلى 150 ليرة سورية».

الجد خليل عبدو

وتابع متحدثاً: «إن أهم مشكلة تتعرض لها أشجار الجوز هي هجمات طيور "حفار الخشب" وتحديداً خلال شهر آب من كل عام؛ وهو ما يخلف أضراراً بالغة بالمحصول؛ حيث تقوم هذه الطيور بإحداث ثقوب في الثمار الناضجة وأكل قلوبها بالكامل باعتبارها الغذاء المفضل لديها، وإذا لم يقم المزارعون بمطاردتها فإن مواسمهم تكون في خطر بالغ؛ ففي عدة سنوات وبسبب إهمال بعض الفلاحين قضت أسراب هذه الطيور على مواسمهم بالكامل».

وحول أهم الطرائق التقليدية التي يلجأ إليها المزارعون لمطاردة "حفار الخشب" قال المزارع "عصمت إبراهيم": «كان السكان قبل نحو عقدين من الزمن يلجؤون إلى صيد هذا الطائر وقتله للتخلص من أذاه وإضراره بالمحاصيل الزراعية وخاصة الجوز واللوز، لكن مع مرور الوقت أحجموا عن ذلك لسببين أساسيين، هما: قانون منع الصيد الذي صدر في البلاد، والعقوبة التي تم فرضها على المخالفين، كذلك استخدام هذا الطير كمكافح حيوي لدود الزيتون الذي يصيب أشجار الزيتون سنوياً. وبما أن الزيتون هو المحصول الأول في المنطقة فإن رعايتها والاهتمام بها أمر مهم وضروري».

موسم الجوز

وأضاف: «في هذه الحالة كان على المزارعين أن يخلقوا نوعاً من التوازن بين أمرين هما: منع الطائر من إتلاف محصولي الجوز واللوز وبنفس الوقت حماية هذا الطائر من الانقراض بسبب أهميته لمكافحة دود الزيتون؛ لذا كان عليهم أولاً الابتعاد عن اصطياده والامتناع عن رش الأشجار بالمبيدات الكيماوية ثانياً.

لذا لجأ المزارعون إلى ابتكار طرائق تقليدية الهدف منها إبعاد "حفار الخشب" عن مواسم الجوز بمطاردته وإخافته وليس قتله.

من أهم هذه الطرائق وأكثرها شيوعاً وانتشاراً في "ريف حلب الشمالي" صنع "الفزّاعات" من خلال وضع عودين متصالبين على شكل آدمي بين الأشجار وإلباسه لباساً عتيقاً مؤلفاً من "شروال" أسود وفوقه "جاكيت وطربوش" قماشي؛ وهي تمثل اللباس الشائع عند فلاحي "عفرين"، عند رؤية "الفزّاعة" يعتقد الطائر أن صياداً ينتظره بين الأشجار فيطير بعيداً.

وبما أن الأفعى السوداء هي العدو اللدود لحفار الخشب فإن الكثيرين من المزارعين يقصون خرطوماً أسود اللون ويمدونه على أغصان الشجرة لتبدو للطيور على شكل أفعى فتتابع طيرانها من دون أن تحط على الأشجار وتؤذي الثمار، وهناك من يعلق أكياس نايلون ملونة بأغصان الشجر؛ لأنها تحدث أصواتاً شبيهة بحفيف الأفعى كلما هبت الرياح فتهرب هذه الطيور بعيداً».

وختم: «باعتماد هذه الطرائق التقليدية يعمل الفلاحون على مطاردة "حفار الخشب"؛ لحماية محصولهم من أذاه وبنفس الوقت يمتنعون عن اصطياده وقتله ليتكاثر سنوياً فيساعدهم في مكافحة دود الزيتون حيوياً؛ ليكون إنتاجهم من الزيتون والزيت صحياً وخالياً من المواد الكيماوية».