للصابون البلدي المصنوع تقليدياً في الريف الحلبي حضور شعبي كبير، فقد ارتبطت هذه المادة عبر التاريخ ارتباطاً وثيقاً بحياة الإنسان اليومية من عادات وتقاليد اجتماعية، والتي ما زال الكثير من الناس وخاصة كبار السن يمارسونها إلى اليوم، فهي تعد دواء شعبياً ناجحاً لعلاج العديد من الأمراض.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2/2/2013 المعمّر "حسين صاغر" من "جنديرس" وهو من مواليد 1919، والذي تحدث عن الصابون البلدي بالقول: «قبل ظهور أنواع عديدة للصابون والمعامل الآلية الحديثة كان أغلب الناس في منطقة "عفرين" يقومون بصنع الصابون منزلياً كنوع من المؤونة البيتية السنوية لاستخدامه على مدار العام في التنظيف والغسيل، إضافة إلى استخدامه في علاج بعض أمراضهم وعللهم وممارسة طقوس اجتماعية خاصة بهم».

يعتبر قالب الصابون إذا ما وضع بين الفرش المنزلي أفضل كطريقة لمطاردة الديدان والعت والتعفن إضافة إلى أنها تمنح رائحة طيبة للفرش

أضاف: «من العادات الاجتماعية الشائعة في منطقة "عفرين" التي يدخل فيها الصابون كتقليد قديم مضمونه تحريم إخراج الأشياء الحارقة ليلاً من بيت إلى بيت والمقصود بالأشياء الحارقة البصل والصابون وغيرها.

بشر الصابون لمعالجة العظم المكسور

وبالنسبة للتقليد المتعارف عليه في المنطقة وهو واجب إعطاء الجيران الطعام لبعضهم بعضاً مساء الخميس من كل أسبوع، فتقضي العادة بأن البيت الذي لم يُطبخ فيه الطعام في ذلك اليوم على أصحابه إعطاء قالب من الصابون للجيران وذلك قبيل حلول الظلام.

أما المرأة المتقدمة في العمر فعليها بموجب التقاليد الاجتماعية أن تجهّز لنفسها "زوادة" تسمى شعبياً "زوادة الوفاة" وعليها أن تضع في زوادتها تلك ما يلزمها من أغراض ومواد بعد وفاتها مثل الإبرة والخيط والصابون والقماش الأبيض /كفن/ وغيرها، لأنّ المرأة المعمّرة لا تريد أن تكون وفاتها علة على أبنائها مادياً ومعنوياً بل عليها تجهيز كل أغراضها».

تسخين الصابون لمعالجة الآلام المتنوعة

يتابع: «ومن العادات الاجتماعية المرتبطة بالصابون أيضاً أن الداية بعد أن تقوم بولادة المرأة في منطقة "عفرين" فإن قالب الصابون الذي تغسل به يديها يكون ملكاً خاصاً لها وعليها أن تأخذه.

ومن العادات القديمة التي لم يعد لها أثر في المنطقة قيام الآغا أو أحد أبنائه بوضع خاتم ذهبي في الحلة التي يتم فيها طبخ الصابون وبعد تبريد الصابون وتقطيعه تُوزع القوالب على الفتيات الحاضرات في المناسبة وأية فتاة يكون الخاتم في قالبها بعد استعماله ستصبح عروساً في ذلك العام وعلى الآغا أو ابنه تزويجها من الشاب الذي يراه مناسباً».

قالب من الصابون البلدي

أما السيدة "بنفش حمو" من "جنديرس" (البالغة من العمر 68 سنة) فتحدثت حول استخدامات الصابون الطبية والعلاجية بالقول: «استخدامات الصابون العلاجية كثيرة وهي مفيدة ونافعة في كثير من الأحوال.

أول هذه العلل والأمراض، الكسور التي كانت تصيب الأعضاء السطحية للإنسان والقابلة للتجبير كاليدين والأصابع والقدم والساق وغيرها، في هذه الحالات كان هناك مجموعة من المجبرين المحليين في المنطقة الذين كانوا يقومون ببرش قطعة صابون بسكين حادة ومن ثم خلط الصابون المبروش ببيضة نيئة، يفضل عدم استخدام مح البيضة الأصفر- ومن ثم وضع المزيج على قطعة قماشية نظيفة /غير مستخدمة سابقاً/ ولفها على المكان المكسور مع ربطه بعودين مستقيمين لمنع الحركة عنه، وكان ذلك كفيلاً بجبر الكسر وإعادته لحالته الأصلية، وكان بالإمكان القيام بهذه العملية في البيت دون تدخل المجبر.

أما بالنسبة للتقيحات والأورام التي كانت تصيب الإنسان فكان علاجها يستدعي قيام المعالج ببرش قالب الصابون وخلطه بكمية من الحليب ووضع المزيج على قطعة قماشية نظيفة ووضعها على مكان الإصابة قبيل النوم وحتى صباح اليوم التالي، وكانت هذه المعالجة فعالة في تخفيف الورم وعلاج التقيحات والجروح.

التشنجات البطنية كانت تُعالج بوضع قالب صابون ضمن قطعة قماشية وتقريبها من المدفأة أو الجمر حتى تكتسب الحرارة، ومن ثم وضعها على مكان الألم، أما انتفاخ الكولون فكان يُعالج بفرك أسفل البطن بالماء الدافئ ورغوة الصابون حتى يزول الانتفاخ.

اما بالنسبة لحالات الإمساك التي كانت تصيب الاطفال فقد كانت الأمهات يقمن بقطع قليل من الصابون على شكل تحاميل صغيرة وبعد وضعها في الزيت قليلاً كانت تُعطى للأطفال عن طريق الشرج».

وتختم حديثها بالقول: «يعتبر قالب الصابون إذا ما وضع بين الفرش المنزلي أفضل كطريقة لمطاردة الديدان والعت والتعفن إضافة إلى أنها تمنح رائحة طيبة للفرش».